التطوع من أجل "ملائكة السرطان".. كيف قلب الموت حياة زياد؟
كتبت-دعاء الفولي:
مازال زياد طارق يذكر ما حدث منذ 4 سنوات؛ حين توُفي صديقه المقرب أحمد بدر في حادث سيارة. انخلع قلب الشاب حينها، تغيرت نظرته للحياة، قرر مع أصدقائه عمل الخير للشاب الراحل "جمعنا فلوس وبعتناها لأكتر من مكان.. وزورنا مستشفيات مختلفة منها 57357". حين دخل طارق مستشفى سرطان الأطفال، أدرك أن ساكنيها لا يحتاجون التبرعات فقط، بل الدعم النفسي، لذا لازمهم في رحلة المرض داخل أروقة المستشفى، ربما يخفف عنهم ما يمرون به.
حينما أراد طارق الانضمام لفريق متطوعي مستشفى "57357" منعه عمره الذي لم يكن يتجاوز 18 عاما "استنيت لما دخلت أولى كلية وقدمت في التطوع واتقبلت.. كان كل اللي في مخيلتي إن موت صاحبي لازم يخليني أعمل حاجة مفيدة"، قبل تلك الخطوة كان طارق يشاهد إعلانات عن المستشفى في التلفزيون "بس كان بيبقى نفسي أفرحهم ومش عارف أتصرف إزاي".
يُعالج المستشفى الصغار من عُمر يوم حتى 18 عاما، فيما يلعب المتطوعون أدوارا مختلفة للمساعدة "أهمها الدعم النفسي ليهم ولأهلهم لو تطلب الأمر". يقول طارق إن فترات العلاج الطويلة تُصيب الأطفال بالحزن "فلما يبقى معاه حد بيحاول يضحّكه أو يأكل معاه الموضوع بيفرق". مع الوقت يتآلف المتطوع مع الطفل "أحيانا بعض الولاد مش بيرضوا ياخدوا حقنة إلا لما حد مننا يكلمهم في التليفون أو يكون معاهم"، كما يقوم طارق باصطحاب الزيارات المدرسية للمستشفى "بعرّفهم المكان بيشتغل إزاي وبنزور الأطفال سوا وإيه الرسالة اللي محتاجين نقولها للولاد الصغيرين".
مع الوقت اندمج زياد في مجتمع المستشفى. صار الصغار أصدقائه، يبقى معهم بشكل يومي "ما عدا الفترة الحالية عشان بمتحن فبروح 3 أيام بس". يخلع الشاب عباءة الضيق على باب المستشفى، يوزع الابتسامات، يرقص معهم، يسايرهم لأخذ الدواء، ويتضاحك مع الذين يحملون نفس اسمه؛ كالطفل الذي كست ملامحه علامات الخجل "بس لما سألت باباه قاللي إنه وهو لوحده بيبقى منطلق جدا". ظل طارق يمر على زياد الصغير بشكل يومي ويمكث معه "لحد ما شغلنا مزيكا ورقصنا عليها رغم إنه كان مركب كانيولا في رجله بس اتبسط". قصة الصغير ليست الأولى، فمع كل انتصار يحققه محاربو السرطان يفرح الشاب المتطوع "انا فاكر إن بنت مرة كلمتني وقالتلي تعالى المستشفى عاملالك مفاجأة"، وحينما ذهب وجد شعرها قد بدأ في النمو ثانية "صوتت واتنطط في المستشفى من كتر السعادة".. تلك اللحظات التي يلمس فيها طارق البهجة على وجوه الأولاد تُخفف عنه مواقف أخرى يقابلها.
"أصعب المرات هي اللي ببقى مرتبط فيها بطفل وأروح الأوضة ملاقيش اسمه ويقولوا لي إنه توفي". اعتاد طارق على تلك الصدمات رغم الغصة التي تعشش في قلبه، حتى أنه أحيانا يُصاب بالإحباط، ويبتعد عن المستشفى لبعض الأيام "بس بتبقى وحشتني فبرجع تاني".
يحاول طالب كلية تجارة إنجليزي مع فريق التطوع خلق أجواء مختلفة للصغار "عندنا لعبة مثلا اسمها أمنية وسعيد.. إننا نحقق أمنية لأي طفل عشان يكون سعيد"، يذكر طارق أن طفلا تمنّى ركوب طائرة، فوفّر له أحد الموجودين في المستشفى الأمر "طلع الطيارة وقابل الكابتن ولف فيها". يسد فريق المتطوعين طلبات الصغار "بس مش من فلوس التبرعات لكن من فلوس تانية احنا بنجمعها"، وفي المقابل يحاول طارق تعليم الصغار عدم الإلحاح في الطلب، إذ يسعى لمكافئتهم بشكل دائم.
أعوام التطوع غيّرت في شخصية طارق الكثير "بقيت أعرف أحل المشاكل واتعامل مع ناس من خلفيات متفاوتة" حسبما يقول، فيما يذكر أنه أصبح أكثر حرصا على اختيار ألفاظه "كل كلمة بتفرق حتى لو بهزار"، حتى أن طريقة اختياره لألوان ملابسه تغيرت، فلا يرتدي إلا الملابس ألوانها زاهية، فيما يشعر الشاب أن قيمة ما يقدمه مرتفعة، فلا ينسى أحد الأطفال الذي كتب على فيسبوك، ليشكر الأطباء المباشرين لحالته "ولقيت اسمي ضمنهم.. رغم إني دوري بسيط مقارنة بيهم".
فيديو قد يعجبك: