بعد مغادرة بابا الفاتيكان.. "جورج" يروي معاناته لحضور القداس الإلهي بستاد الدفاع الجوي
كتب-محمد زكريا:
غادر البابا فرنسيس القاهرة، بعد زيارة استمرت حوالي 36 ساعة. بين جمع من الأقباط الكاثوليك بمصر، قدرتهم إحصائيات الفاتيكان بحوالي 272 ألف شخص، علقوا أمالًا عظيمة على الزيارة "المباركة"، كان الشاب جورج سمير، الذي اُختير ضمن 300 قبطي لزيارة بابا الفاتيكان أمام سفارتها بالزمالك، قبل أن يتوجه ضمن "حج" كاثوليكي إلى صلاة القداس بـ"الدفاع الجوي". غير أن التشديدات الأمنية و"سوء التنظيم"، عكرت صفو الشاب الثلاثيني طوال رحلة "بابا السلام على أرض السلام".
مساء الخميس الماضي، خرج سمير من منزله بحي شبرا بعد توديع أسرته، قبض بيديه على كاميرته الخاصة، توجه إلى مدرسة "دي لاسال" بالتجمع الخامس، أقام الصلوات ضمن 1500 قبطي من الكاثوليك "بمثابة حج قبطي، بنستعد فيه روحيًا بالصلوات، قبل ما نقابل البابا"، لم يغب عن عقله تصور لقاء الحبر الأعظم عن قرب، قبل أن تواجه صاحب الـ30 عامًا النغصة الأولى.
مع حلول ساعات النوم، بدى سمير مرهقًا "نمنا في حوش المدرسة في الخلا، والجو كان برد لدرجة إننا تلجنا"، لم تعترض الشاب الثلاثيني مثل تلك الظروف من قبل "لأنه كان أول حج ليا، ومكنتش عارف هو ده الطبيعي في الحج ولا لا"، لذلك وجه سمير سؤاله لصديق اعتاد ذلك الطقس الثانوي، "لما روحت الحج في بولندا، كنا بنتعامل معاملة آدمية وباحترام" قالها الصديق مُبتسمًا، قبل أن يغلب النوم أحاديثهم.
صباح الجمعة، تم عمل قرعة لاختيار 300 شخص من أصل الـ1500 هم عدد الحجاج داخل المدرسة، لمقابلة البابا فرنسيس أمام سفارة الفاتيكان بحي الزمالك "كل كنيسة سجلت اسمائها في ورقة، وحطتها في كيس، وخدوا 10% من كل كنيسة".
وقع اسم سمير ضمن المقبولين، فرحة هزت جسده المنهك بعد ليلة باردة، أعدّ ابن حي شبرا ذاته لرؤية البابا قرب العين، طلب منه المتواجدون تكريم الضيف بأكبر عدد من الصور. وفي حوالي الـ5 من مساء نفس اليوم، كان موعد سمير مع عائق جديد.
أعدّ أقباط الكاثوليك أنفسهم للتوجه إلى سفارة الفاتيكان، أحكم سمير قبضته على أدواته الشخصية، على بوابة "دي لاسال" طالبه الأمن بالتخلي عن آلة التصوير فضلًا عن تليفونه المحمول، حاول ابن شبرا مناقشتهم "إحنا 1500 واحد باعتين للأمن الوطني بطايقنا، وهما متابعين تحركاتنا لحظة بلحظة"، لم يتخل مسؤول الأمن عن قراره الصارم "قالولي في تغطية صحفية عند السفارة"، ضيق حمله صدر الشاب الثلاثيني، غير أن قرب لقائه بالبابا فرنسيس هون عليه الإجراءات المشددة.
في حوالي الثامنة والنصف مساءًا، وصل الكاثوليك إلى سفارة الفاتيكان، أطل البابا فرنسيس من شرفته المطلة على شارع الزمالك الراقي، أشار الضيف "المُبارك" إلى الجمع ونطق بكلمات السلام "قالنا نصلي من أجل الناس اللي بنحبهم، ونصلي من أجل الناس اللي مش بنحبهم"، رد الجمع المتواجد على الأرض بكلمات الحب والترحاب، قبل انتهاء موعد الزيارة المقرر لها دقائق قليلة. "الأمن خد مننا 7 ساعات، عشان نشوف البابا 7 دقايق" يقولها سمير باستياء.
في طريق العودة إلى "الحج" المُقام بالتجمع الخامس، تعرض الحجاج إلى نفس التشديدات "قولت لصاحبي إن الأمن ضروري، لكن البابا بينزل أي بلد وسط الناس وبيتمشى عادي"، قبل أن يستكمل حديثه الضاحك مع صديقه "أنا على استعداد آخد البابا باللبس الأبيض بتاعه، بس يشيل طاقية الفاتيكان، واتمشى بيه في إمبابة، ومتأكد أن محدش هيعرفه، وهيتعاملوا معاه عادي، وهيقولوا كمان أزيك يا حج أو أزيك يا مقدّس".
فجر السبت، كان موعد الـ1500 حاج مع صلاة القداس بستاد الدفاع الجوي، ضمن 25 ألف كاثوليكي هو العدد الذي حُدد مسبقًا لأداة الصلاة على أرض الملعب. في الطريق من المدرسة إلى المنشأة العسكرية "كانت بتحرس الأتوبيسات عربيات ورا وقدام، كنا بنتعامل معاملة خاصة، حسيت ساعتها إننا أجانب"، عند البوابة تم منع المصلين من إدخال أي أدوات شخصية "مدخلتش غير ببطاقتي، وفلوس في جيبي"، وعلى أرض الاستاد "نزّل البابا الإزاز وكان بيشاور للكشافة، وبينزل من العربية يحضن الأطفال ويرجع تاني".
بعد انتهاء مراسم القداس، تم تأمين خروج بابا الفاتيكان إلى خارج ستاد الدفاع الجوي "من وقتها اللجنة المنظمة سابتنا بدون تنسيق"، على بوابة الملعب تجمع الآلاف "مش معانا موبايلات ومش عارفين نتواصل مع السواقين"، طالبهم الأمن بالهدوء حتى لحظة الخروج "قالولنا الأتوبيسات جاية في الطريق"، وقبل أن تمر ربع ساعة كاملة "لقينا الأمن وكشافة الكنيسة بيطردونا برة بوابة الملعب".
ارتفاع درجة الحرارة أضعف أجساد مئات المرهقين بعد أيام من المجهود الشاق "لقينا ناس بيغمى عليها، وناس بتقع مننا"، بعدها طُلب منهم التوجه في هدوء إلى بوابة الدفاع الجوي في انتظار السيارات التي تقلهم في طريق العودة إلى مستقرهم، وقبل أن تمر ساعة واحدة، كان على سمير إسعاف حياة اثنين من زملائه "بنتين أصحابي فجأة أغمى عليهم.. مبقتش عارف أتصرف إزاي".
توجه سمير إلى رجال الأمن، طالبهم بإحضار عربات الإسعاف، لم يستجب أحد له، حاول ابن شبرا تصعيد الأمر، حتى نجد أحد ضباط الدفاع الجوي حياة أصدقائه "عملولهم إسعافات أولية وفاقوا"، بعدها تواصل أحد المتواجدين على بوابة الدفاع الجوي مع الأتوبيسات التي تنقلهم في طريق العودة.
في المنزل، تابع سمير آخر ساعات البابا فرنسيس في مصر، استمع إلى خطبته الأخيرة داخل الكنيسة الكاثوليكية بالكلية الإكليريكية بحي المعادي، حدّث نفسه في صمت "أنا واثق مليون في المية، إن لو البابا فرنسيس عرف اللي حصلنا، كان هيبقى له موقف تاني، لأنه مش جاي عشان يحصل إغماءات والشباب تتبهدل وتتوه في الصحرا، لكن جاي عشان نفرح، وعشان يبقى بابا السلام على أرض السلام".
فيديو قد يعجبك: