لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

بالصور-"من فات قديمه".. التاريخ حي في شارع المُعز

03:47 م الإثنين 24 أبريل 2017

كتبت-شروق غنيم ودعاء الفولي:

يُحكى أن شيخا أفتى بحرمانية احتساء القهوة، حتى أن أتباعه كانوا يطردون الجالسين داخل المقاهي، إلى أن حدث تراشق جسدي بينهم وأحد تُجار البُنّ، فقُتل الأخير خلال المعركة، فما كان من أصدقائه إلا أن بنوا صوانا ضخما للعزاء وزّعوا فيه "قهوة سادة"، ومن حينها صارت توزيع ذلك المشروب عُرفا في مصر.

1

قبل أكتوبر 2016، جمع الحلم أربعة أثريين لإقامة متحف شعبي يضم مقتنيات شارع المُعز، تحت عنوان "متحف الحي"، وداخل مركز الربع الثقافي، وقف الدكتور فكري حسن، أستاذ التراث بالجامعة الفرنسية والمُشرف على المشروع، الجمعة الماضية، مُشيرا إلى أدوات استخدمها الناس مع أواخر القرن التاسع عشر، ساردا قصتها؛ ماكينة حياكة، مكواة بالفحم، جرامافون، أدوات نُحاسية، محمصة بُن لم يعد لها مكانا في عصرنا، تليفون أرضي عتيق، دعوات أفراح، وكاميرا كوداك. 

2

نفّذ الفريق معرضهم على أربع مراحل؛ أولها وضع خطة لتقسيم الشوارع وتحديد الموضوعات المُراد جمع معلومات عنها، يليها الجمع الميداني لتلك الحكايات المختلفة، ثم "فلترة" القصص من خلال العودة للبحث العلمي والمكتبات، وختاما إعداد سيناريو العرض المتحفي، حسبما أوضحت نجوى بكر، قائد الفريق.

بعد توزيع المهام، طرق الفريق أبواب قاطني المُعز، تجولوا في الأزّقة، فتّشوا عن مقتنيات "عفى عليها الزمن"، تنقّلوا بين الورش والبيوت؛ رحّب بهم البعض حاكيا عن ماضيه، آخرون أعرضوا عنهم في ارتياب، حتى وصل عدد من التقوا بهم لأكثر من مائة أسرة. 

3

"جمال القطعة في قصتها".. يقول عبدالرحمن عثمان، أحد أفراد الفريق، إن الأمر يتجاوز المقتنى نفسه، بل الدافع الذي جعل صاحبه يحتفظ به لمدة طويلة، فـ"عم فوزي-أحد السكان- لم يتخلَ عن مقصّه طيلة مدة عمله كترزي، فهو أول آلة مسّت خيوطه، حتى أنه صنع منه فستان زفاف زوجته.

بين المعروضات تنقّل أستاذ الجامعة الفرنسية، أعطى نبذة عن تاريخ الدولة المصرية "اللي بدأ مع الأسرة العلوية"، ألقى طُرفة عن الهواتف القديمة "وإزاي كانت في بيت العمدة بس وعند الأثرياء فقط"، تحدث عن روايات الجيب التي انتشرت في الثلاثينات "وكانت كلها مُترجمة من الأدب العالمي"، روى حكاية وكالة الصابون في المعز، ومطحنة البُنّ الوحيدة الباقية في الشارع، بعد أن انتقل مركز القهوة إلى باب اللوق، قبل أن يشرح بالأمثلة الفرق بين المكاييل المختلفة في مصر القديمة.

4

في ديسمبر الماضي انتهى الفريق من جمع المقتنيات، آملين أن يتمكنوا من رصد جزء من التاريخ المصري القريب، لا سيما أن بعض أهالي المُعز أنفسهم تخطت أعمارهم 90 عاما "هما ينفع يقولولنا جزء من حكايات الشارع".. قال الدكتور حسن.

حكاية أخرى رواها الفريق ضمن المعرض، عن قائمة صفراء اللون، تحوي أسعارا لترزي آخر، وُتبلغ الزبون عن تسعيرته، وذلك بسبب قرار صدر في عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، بضرورة وضع تسعيرة ثابتة لكافة الحِرَف، فما كان من عم سمير القاضي وشقيقه نبيل، إلا أن وضعا تلك القائمة، واحتفظا بها حتى حصل عليها الفريق. 

5

ضمّ المتحف كذلك تراثا شعبيا ظلل حياة أهل المُعز؛ كطقوس إقامة "الزار"، كيفية الاحتفال بمولودٍ جديد، أدوات نظافة بسيطة "مقشة"، بينما عكفت منار حسن، أحد أعضاء الفريق، على صُنع تفاصيل "السبوع" بنفسها "عملت العروسة وجبت بخور". 

6

امتدت رحلة الجمع إلى أسماء الشوارع والأزقة، فأضافت نانسي عمار، أحد أعضاء الفريق، إن بعضها جاء بسبب حِرفة قاطنيه، كاسم "القتيلة" الذي قال الأهالي إن سيدة قُتلت حرقا فيه منذ زمن، أمّا حارة الضبابية مثلا فيرجع اسمها لمهنة "صناعة الضبة الخاصة بالمفاتيح"، وهكذا. 

7

على مدار 3 أيام متواصلة؛ جهّز فريق العمل المعرض، أعدّوا سيناريو متتابع للمعروضات، زينوا جدرانه بصور قديمة لأصحاب المقتنيات، على أن تعود لأصحابها مع انتهاء العرض، فيما صنعت حسني "صندوق الدنيا"، الذي يُطل الزائرون منه على مصر قبل مائة عام، عن طريق "لاب توب" مُثبت بداخله.

8

"مهم جدًا الأجيال الجديدة تعرف التراث"، هكذا إيناس إبراهيم-أحد الحضور- عن سعادتها بإقامة المعرض. ورغم أنها تعرف أغلب المقتنيات، غير أن كيفية ترتيبهم، والكروت التي تشرح كل قطعة جذبتها.

لم يقتصر المعرض على شرح ما وراء الأشياء؛ فقد جاءت آخر فقراته عن "حكي" قصص من التاريخ الشعبي بواسطة جيهان نبيل، وهو ما استمتعت به إبراهيم كذلك "عملت جو تاني، وياريت الحكي يكون مستمر دايما"، فيما تتمنى انتشار ذلك النوع من المعارض "ميبقاش مقتنيات شارع المعز بس".

9

منذ كانت طفلة، هامت نبيل بالحكايات "خاصة لما أبلة فضيلة كانت بتيجي في الراديو"، إلا أن دراستها للسياحة والفنادق ثم حصولها على ماجستير في التراث من جامعة السوربون الفرنسية، أدخلاها عالم التاريخ السحري "هو بس محتاج يتحكي بطريقة لطيفة عشان الناس تتقبله"، لذا قررت العمل كـ"حكّاءة مستقلة"؛ تتنقل بين الأماكن والمشاريع المختلفة كي تروي ما تمتصه من الكتب والأشخاص.

10

"اعرف تراثك" هو المشروع الذي تعمل عليه نبيل حاليا، ويشبه ما قامت به في معرض المُعز "بس هو مرتبط أكتر بالأطفال"، تجتمع مُحبة التاريخ بالصغار من أماكن مختلفة للحديث عمّا في المناهج الدراسية ببساطة "مثلا بحكيلهم إزاي سعد زغلول اتجوز وطرف صغيرة من حياته.. ممكن ميديهمش معلومات ضخمة بس لما يشوفوه في الكتاب هيحبوا يدرسوه".

11

ازدحمت القاعة الصغيرة بمقتنيات شتّى من المُعز، ازداد عدد الزائرين، واستمرت القصص، جلس بعض الحضور على الأرض، الأطفال تحلّقوا حول أحد أعضاء الفريق تلمع أعينهم. ورغم انتهاء المعرض أول أمس، إلا أن نبيل تعلم أن "عدد الناس اللي عايزة تسمع بقى أكتر، ومش كلهم دارسين تاريخ.. ودة بيدينا أمل إن المعرض يبقى فيه شبهه بشكل دائم".

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان