من إيطاليا إلى التحرير.. "ماركو لونجاري" يروي لحظاته مع الثورة المصرية
حوار- دعاء الفولي ومحمد مهدي:
تصوير- ماركو لونجاري:
لا يبحث ماركو لونجاري، مصور الوكالة الفرنسية، عن أحداث ساخنة فقط ليغطيها، بل قصص بشرية تنبض لحما ودما. لا يعبأ المصور الإيطالي إن وجدها في سوريا، فلسطين، أو إفريقيا، مادامت عدسته ستلتقط زاوية مختلفة، وهذا ما حدث في مصر؛ إذ تركت ثورة يناير أثرا لا يُمحى في نفس المصور ذو الاثنين وخمسين عاما.
مصراوي أجرى حوارا هاتفيا مع صاحب لقب أفضل مصور لوكالات الأنباء عام 2012 حسب اختيار مجلة التايم. حيث يحكي ذكرياته مع جمعة الغضب عقب ساعات من وصوله مصر، يسرد أطرف لحظات الميدان، وأكثرها درامية في رأيه، يروي كيف تعامل معه الثوّار، واصفا شعوره حين يرى صوره عقب ست سنوات.
متى جئت إلى مصر؟
بمجرد أن بدأت الأحداث في مصر أبلغتنا الوكالة وكنا على استعداد للحضور، وبالفعل جئت يوم 28 يناير من أجل التغطية.
هل تتذكر تفاصيل اليوم؟
في البداية قمت بتغطية صلاة الجمعة في شارع محمد محمود بوسط المدينة، تجولت في المكان قليلا ثم اندلعت الاشتباكات. أتذكر التفاصيل جيدًا لأن التجمعات كانت كبيرة جدًا.
كانت الأجواء متوترة حينذاك.. هل واجهت أي صعوبات؟
الأمر الأكثر صعوبة بالنسبة لي كان عدم علمي بتضاريس المكان أو المداخل والمخارج والمناطق المحيطة. ولم أكن أعرف الناس ولا كيفية تعاملهم معي كصحفي، وكذلك طبيعة تصرف الشرطة أو رد فعلها على حضورنا. ولكن في المقابل لدي خبرة في التعامل، فقد تواجدت في حروب بغزة والقدس وغيرها. هذا الوضع أفضل وأسهل، وكان علينا فقط أن نتوخى الحذر في الحركة وهذا ما اتبعناه، لذا مرت الأمور بسلام.
البعض روج لفكرة أن الأجانب "جواسيس".. هل تعرضت لأي مضايقات بسبب تلك الأقاويل؟
لا أبدًا. المتظاهرين تفهموا عملنا جيدًا، كان برفقتي مصور إيطالي آخر، لم يرَ أحد وجودنا بشكل سيء، بالعكس اهتموا بنا لأننا نوثق الأحداث ونلتقط لهم الكثير من الصور.
ماذا عن قوات الأمن؟
كان لديهم تخوف من وجودنا والتفاف الناس حولنا، لذا حاولنا أن نكون بعيدين عن طريقهم.
هل تتذكر موقفا تعرضت فيه للخطر خلال التغطية؟
ليس هناك لحظة بعينها، فالخطر تواجد في كل خطوة، والأصعب هو أنك تقف في الميدان ولا تعرف من بجانب من؟ ولا تعلم ماذا سيحدث في اللحظة التالية. وأذكر مثلا عندما كان هناك الكثير من الغاز في الشارع، ولم نستطع التنفس فهرولنا مع الناس إلى حزب التجمع القريب من ميدان التحرير، وبداخله شاهدنا الناس يعالجون رجال شرطة مصابين، محاولين إنقاذهم قدر الإمكان. كانت لحظة جيدة فالمتظاهرون حافظوا على إنسانيتهم في جميع الظروف.
هل التقطت صور لهذا المشهد؟
بالطبع؛ العديد من الصور، لكن رجال الأمن الموجودين مع الضابط لاحظوا وجودنا فاضطررنا للانسحاب.
هل اتبعت خطوات بعينها لأجل السلامة الشخصية؟
لم نتمكن من إحضار أية سواتر واقية أو خوذ في اليوم الأول، لأننا لم نعرف ما الذي سيحدث، فقط اصطحبت معي نظارات واقية وحصلت على قناع ورقي من صيدلية، وفي اليوم التالي ارتدينا الخوذ والسواتر الواقية.
لك صورة شهيرة في موقعة الجمل، مجموعة من الشباب يختبئون خلف لوح صفيح من الضرب.. حدثنا عنها.
كان هناك معركة بالحجارة بين مؤيدي "مبارك" والمتظاهرين، وفي نفس المشهد ثمة دبابة حاول الجميع الاختباء خلفها. أما أنا فلم يكن لدي مكان أتحرك فيه، وبشكل ما حوصرت بين الجميع، فشلت في الانطلاق إلى الأمام أو التراجع للخلف. لذا قررت التقاط عدد من الصور ثم التقهقر، وهكذا لعدة مرات. في هذا اليوم تلقيت الكثير من الحجارة بجميع أنحاء جسدي.
في اعتقادك ما هي الصورة الأفضل لك خلال الثورة؟
ليس ثمة صورة بعينها، ولكن هناك مشهد في الميدان لا أنساه عندما رأينا ضابط من الجيش مرفوعا على أكتاف الناس فجأة وهو يبكي ويُقبّل العلم. كانت لحظة شاعرية للغاية استطعت تصويرها.
هل تلك المرة الأولى التي تزور مصر؟
جئت من قَبل مرة واحدة، كنت في رفح حينما حاول الفلسطينيون العبور لمصر عام 2008، وكان ذلك لعدة ساعات قبل أن أعود أدراجي.
ما أكثر ما تتذكره عن الميدان عقب تنحي مبارك؟
لا أنسى مشهد لزملائي المصريين وهم يحملون كاميراتهم فيما يبكون بعد خطاب التنحي، ومازالت صرخات الناس السعيدة في التحرير تملأ أذناي إلى الآن. أعتقد أننا محظوظون لأننا عايشنا تلك الفترة وصوّرناها.
هل عدت لمصر مرة أخرى عقب الثورة؟
كان ذلك في عام 2012، غير أن الأجواء بدت مختلفة تماما. فعندما ذهبت إلى ميدان التحرير وتفقدت الشوارع المحيطة لم أشعر بنفس روح الأمل وقت الثورة وأحزنني ذلك. وعموما منذ عام 2012 وإلى الآن تغيرت الظروف في الوطن العربي والعالم كله، ومصر ليست استثناءً، ورغم أن ذكريات يناير 2011 حاضرة في ذهن بعض المصريين إلا أن عليهم مواجهة حقيقة أن كل شيء تغير.
هل كانت العاصمة هي ميدان عملك فقط؟
لا. فقد ذهبت عقب الثمانية عشر يوما إلى مدينة شرم الشيخ لأصنع قصة عن الاقتصاد الذي أصابه الركود بعد الثورة.
بالتأكيد عايشت مواقف طريفة في الميدان.. ما أبرزها؟
كنت جالسا بصحبة أصدقاء في مقهى داخل الميدان، نتابع قناة الجزيرة التي تنقل مشاهد للتحرير، ووقفت للحظة وتابعت نظرة الاهتمام البادية على الوجوه حولي، ثم تساءلت لماذا يتابعون القناة وهم بداخل الميدان بالفعل؟، كان هذا مضحكا جدا بالنسبة لي. وأعتقد أن الأكثر بهجة كان روح المتظاهرين أنفسهم، الذين تعاملوا مع أشياء سيئة بسخرية وبساطة.
وماذا عن اللحظات المؤثرة؟
عقب انسحاب الشرطة وتحديدا عصر 29 يناير، كان الناس يستعدون للصلاة في الميدان، وكان وجود الدبابات في تلك الساعات مازال جديدا والاقتراب منها محفوف بالحذر. ولكن بمجرد أن بدأ الناس في الاصطفاف من أجل الصلاة، خلع ضابط قوات مسلحة خوذته ووضعها فوق الدبابة، ثم انضم لهم. تلك اللحظة كسرت الخوف في قلوبهم والحذر عندنا. ومازالت تصيبني بقشعريرة حينما أتذكرها.
رغم اختيار مجلة التايم لك كأفضل مصور عام 2012 لكنك لا تُفضل المشاركة في مسابقات التصوير.. لماذا؟
أنا لا أشعر بالارتياح حين أشارك في المسابقات. لا أعتقد أن هذا خاطئ ولا ألوم على زملائي الذين يفعلون، لكن هذا فقط لا يناسبني. عموما أعتقد أنني محظوظ لأنني أشهد أحداثا فارقة سأحكي عنها لأبنائي، وسأخبرهم ليس فقط ما أقرأه في كتب التاريخ ولكن ما عايشته، هذه جائزة تكفيني وتجعلني ممنونا ولا أحتاج لأي دعاية أخرى.
غطّيت أحداثا عصيبة في دول عربية عدة.. هل ثمة مكان أصعب من دونه؟
لا يمكن عقد مقارنة بين البلدان. كل مكان له خصوصيته وتفاصيله وهو معقد وصعب بطريقة متفاوتة، لذا أنا أتعامل مع أي وجهة على أنها حالة فردية لا ينبغي تعميمها.
كيف تشعر حينما تنظر إلى صورك عقب ست سنوات من الثورة؟
إنه كان باستطاعتي التقاط صور أفضل، فلا أحد يمتلك القصة الكاملة. وثمة زوايا كثيرة لا تُدركها أعيننا.
متى تُقرر التوقف عن التصوير؟
هذا سؤال حاد. ولكن على أي حال خطتي هي أن أستمر في التقاط الصور إلى الأبد.
تابع باقي موضوعات الملف:
الثورة.. لقطة (ملف خاص)
في جمعة الغضب.. كواليس صورة بكى فيها ''عسكري''
جنازة ثائر مجهول.. نظرة على ''يناير'' من الشباك
الثورة في الزمالك.. قصة أول مظاهرة في الحي الراقي
بين الدخان والأصابع المكسورة.. ''صائد القنابل'' يُعانق الثورة
في ميدان الساعة.. عندما ثار الإسكندر الأكبر مع المتظاهرين
''كاب وطفّاية وبنزين''.. صورة التناقضات من ثورة السويس
''من أجلك أنت''.. قصة احتراق الحزب الوطني
فيديو قد يعجبك: