"شوقية" تواجه برد الشتاء ببيع الملابس المستعملة: "كل حاجة غالية إلا احنا"
-
عرض 3 صورة
-
عرض 3 صورة
-
عرض 3 صورة
كتبت-فايزة أحمد:
أعلى كوبري "أحمد عرابي" المُقابل لأرض المطارات بمنطقة "إمبابة"، يتراص صفّ من الملابس البالية، التي زادت أشعة الشمس والأتربة لونها قتامة، يرمقها بين الحين والآخر بعض المارة بنظرة، يفتشون بينها عن قميص أو سروالًا لازال فيه رمق يمكّنهم من استعماله لفترة ولو وجيزة، أجبرتهم الأحوال الاقتصادية الراهنة على اللجوء إليها؛ لمواجهة كل من برد الشتاء القارص، الارتفاع الكبير في أسعار الملابس الشتوية.
مطلع شهر فبراير الماضي، أعلن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، عن تسجيل مؤشر التضخم السنوي لمستوى قياسي جديد، خلال شهر يناير من العام الجاري، ليصل إلى 29.6 في المئة، وهو أعلى معدل يسجل منذ بدء قياس معدلات التضخم في مصر، وذلك عقب قرار البنك المركزي في نوفمبر العام المنصرم، المتعلق بتحرير سعر الصرف.
قبل عام ونصف العام، اضطرت "شوقية عبد الغفار"، إلى شراء الملابس المُستعملة من بعض الأسر، لتقوم بغسلها وتهيئتها؛ لكي تعرضها للبيع مرة أخرى، بأسعار زهيدة للغاية، تتناسب مع الأحوال الاقتصادية لزبون بعينه "اللي بيجي يشتري الهدوم دي الناس الغلابة اللي متقدرش على أسعار لبس الشتا دلوقتي".
لم تكن لدى "شوقية"، أيّ خبرة حقيقية بالعمل في الشارع، سوى عقب وفاة زوجها منذ عامين، وازدياد أعباء المعيشة على كاهلها؛ فضلًا عن عدم كفايتها لحاجات أبنائها الثلاثة، مما جعلها تتخذ قرارها "قولت هبيع هدوم للغلابة اللي زينا"، وذلك بمساعدة بعض من جيرانها الذين يتواجدون بجوارها أعلى الكوبري.
برغم أن حالة الملابس المعروضة لا تسر الناظرين أبدًا إذا ما تطلعوا إليها، إلا أن ذلك لم يمنع الكثيرين من الاقبال على شرائها؛ علّهم يجدون فيها ما يحتمون به طيلة أشهر فصل الشتاء البارد "الحتة بـ5 وبـ7 جنية.. ودا بيخلي الناس تيجي تشتري"، الأمر الذي جعلها تتوسع في جمع الملابس القديمة "بقى في ناس عندها هدوم مش هتلبسها تيجي تبيع الحتة بـ3 و 4 جنية".
كانت تجارة "شوقية" على بساطتها رائجة حتى منتصف العام الجاري، حتى توقفت الزبائن عن الشراء، كما توقفت الأسر عن بيع ما لديهم من ملابس بالية مُستعملة "الناس مبقتش تفرط في هدومها القديمة، وبتلبسها شتا واتنين وتلاتة"، تدرك ذلك جيدًا لكونها "أنا نفسي بقيت أعمل كدا مع ولادي.. لما الهدوم تقدم أقولهم البسوها كمان الشتا دا".
تجلس "شوقية"، شاردة العينين شاخصة تجاه المارة، يمازحها صديقها الستيني الذي غطى الشيب الأبيض لحيته "عسلية"، يحاول عبثًا التخفيف عنها لما تحمله في نفسها من هموم، تلمع عينيها فجأة بقدوم أحد المارة الذي بدأ في التفتيش بين الملابس عن شيئًا له، فيما بدا أنه بصدد شراء جاد.
"عندي مقابلة في شغل بكرة، وعاوز اشترى هدوم ومفيش معايا فلوس تكفي"، بهذه الكلمات برر "ممدوح محمد" سبب لجوئه إلى شراء ملابس مستعملة. عقب محاولات استمرت ستة أشهر بالتمام، للبحث عن عمل، وجد "محمد" عملًا جديدًا يقتضي أن يخضع لمقابلة أولًا؛ لكي يُقبل به "مكنتش عامل حسابي، والمقابلة بكرة، والهدوم في المحلات غالية أوي".
يجد الشاب العشريني ضالته في "بنطلون جينز وقميص"، تخبره "شوقية" بأن تكلفتهما (15 جنيهًا)، يحاول أن يقلل منهم، تتمسك هي بسعرها "15 جنيه بقوا يجيبوا إيه دلوقتي!"، يدفع لها الثمن، ليأخذ غرضه وينصرف.
ليس لدى المرأة الخمسينية، فكرة حول "التعويم"، وما أحدثه للأسعار والحالة الاقتصادية للبلاد برمتها، لكنها تدرك شيئًا واحدًا " فيه حاجة غريبة حصلت للناس لا بقوا يشتروا زي الأول، ولا حتى بقوا يبيعوا القديم"، تلاحظ الارتفاع الكبير في أسعار كل شيء، تتساءل متى تنتهي هذه الموجة من الغلاء " كل حاجة غالية إلا احنا".
فيديو قد يعجبك: