إعلان

بعد فوزه بجائزة بريطانية.. صناع فيلم "وداعًا حلب" يروون أخر أيام مدينتهم

04:59 م الأربعاء 22 نوفمبر 2017

كتبت- دعاء الفولي وشروق غنيم:

قبل ديسمبر 2016 لم يغادر باسم أيوبي، مجاهد أبو الجود، أحمد حشيشو، وسراج الدين العمر حلب أبدا، حتى مع اشتداد القصف والحصار. لكن السوريين الأربعة أرادوا تصوير الأوقات العصيبة التي مروا بها، دون معرفة أن تلك المشاهد سيجمعها فيلم "وداعا حلب" الذي يوثق أيامهم الأخيرة في المدينة.

البداية كانت حينما اتفق الأصدقاء الأربعة مع قناة بي بي سي البريطانية على صناعة فيلم عن حصار حلب " كان بيحكي عن الأزمة الإنسانية اللي عم تصير ومنع دخول الأطعمة والمحروقات"، خرج الفيلم للنور تحت اسم "حصار حلب"، وبعد تسارع الأحداث العسكرية والإنسانية في المدينة طلبت القناة من الشباب الأربعة تصوير فيلم عنهم شخصيًا، حسبما يحكي مجاهد لمصراوي.

1

أكتوبر الماضي فاز الفيلم بجائزة روري بيك البريطانية، والتي تُمنح للمصورين المستقلين عن فئة التأثير في الشؤون الجارية، فيما تكلل العمل بجائزة أخرى في منتصف نوفمبر الجاري بالفوز بجائزة غريرسون في مهرجان لندن للأفلام الوثائقية.

مطلع نوفمبر 2016 شرع الشباب الأربعة في العمل على فيلمهم الثاني "بس ما كنا بنعرف إنه نحنا بنصور أيامنا الأخيرة داخل المدينة" حسبما يقول أحمد. وفي أواخر ديسمبر انتهى الفريق من الفيلم بالتعاون مع بي بي سي ومركز إدراك للدراسات والاستشارات، لكن تلك الرحلة كانت مليئة بالتفاصيل المُرهقة.

في ديسمبر 2016، تم إجلاء حوالي 35 ألف مواطنًا من ريف حلب الشرقي، بعد تراجع المعارضة المسلحة التي سيطرت على المدينة أمام قوات الجيش الروسي.

خلال السنوات الماضية استطاع الشباب التعايش مع أجواء القصف والموت، إلا أن توثيق ما يحدث بشكل احترافي كان عسيرًا، زاحمتهم المعوقات، التي تبدأ من انعدام الأمن الشخصي ولا تنتهي عند صعوبة الحركة والتنقل.

2

قبل الخروج بأسابيع صارت كل الأماكن في حلب مُستهدفة، يقول أحمد "أنا وأهلي تعرض منزلنا للقصف لكن الحمد لله كانت الأضرار مادية". في تلك الفترة أضحت الحياة هبة عظيمة، يحكي مجاهد أن "الناس كانوا بيجمّلوا الموت بالأمل.. كان عندنا أمل نحنا كمان إنه يمكن نعيش لبكرة"، رغم كل شيء لم يخلٌ الأمر من خطر جم، لذا دائما ما ذكّر الشباب أنفسهم بهدف الفيلم "توثيق اللحظات الصعبة"، كانوا يلاحقون بمعدّاتهم المناطق التي قُصفت، ثم يقصون الحكاية.

في الفيلم روى الأهالي معاناتهم؛ فتاة صغيرة تحكي عن أمنيتها بأكل التفاح حينما ينجلي الحِصار، وكِبار على ملامحهم تجلّت المأساة "تفاعلوا معنا بشكل إيجابي، لكن أحيانًا كان لديهم ردة فعل سلبية أثناء توثيق القصف، في ناس كانت بتعتقد إن النظام راح يستهدف الأماكن المُصوّرة مرة أخرى، وأحيانًا تعرضنا للطرد من مكان التصوير".

كانت تلك التعليقات تُردد على مسامع سِراج الدين أحيانًا، لكن في آخر أيام المدينة "ما كان في تخوف، عرفوا إن ما إلنا رجا عند النظام ووجودنا في هاد المنطقة انتهى"، فيما تقبل مجاهد من يكره عملهم "لأن تصوير معاناة الناس وحاجتهم للوسائل الحياة الأساسية أمرٌ محرج لأي شخص كان".

3

لم يكن أبطال الفيلم بمأمن في أي وقت. يقول سراج الدين إن وسائل النقل التي استخدموها كانت تُقصف، فضلا عن عدم استطاعتهم توفير وقود في ظل الحصار الشديد، أما أسوأ ما في الأمر هو ضرب نفس المنطقة مرتين متتاليتين خلال وقت قصير "بعد الضربة الأولى بيتجمع رجال الحماية المدنية وناس تساعد فالقصف الثاني بيموت عدد أكبر"، في المقابل اضطر الشباب لإيقاف العمل في بعض الأيام "لحد ما الطيران يخف شوي"، قبل إعادة استكماله.

 

"الحصار ياللي انفرض على المدينة منع عنا وصول أي شيء" يحكي أبو الجود عن سبب عدم وجود معدات حماية لهم كصحفيين، لذا مر الفريق بما يعانيه أهل المدينة بالضبط "كنا نختبئ في الأقبية مع الناس أو المباني المتينة وفي نفس الوقت نعرف ما يحدث من معلومات مراصد مراقبة الطائرات"، ويضيف أحمد أن "المعدات ياللي صورنا بيها هي ملكنا".

4

تتقاطع قصص التحاق الشباب الثلاثة بالصحافة عند نقطة الثورة السورية وما تلاها. كان مجاهد طالبا جامعيا فترك التعليم بعد الملاحقة الأمنية نتيجة مشاركته في التظاهرات، ليعمل بعد ذلك مع عدة محطات أنباء عالمية، كذلك كان حال سراج الدين، أما أحمد فأوقف عمله في شركة لبيع الأدوات الإلكترونية، موثقا الثورة بالكاميرا.

لحسن الحظ لم يتعرض أحد أفراد الفريق لإصابة "عدا بعض الإصابات الخفيفة"، يقول أحمد إنه لا يوجد شخص في حلب لم يمسسه الأذى. فيما مر الشباب بما هو أسوأ من تعب الجسد؛ فراق حلب.

مازال مجاهد يذكر لحظة دخول الحافلات الخضراء للمدينة لتنقل المدنيين "يا الله.. كيف كان كل العالم عاجزا عن أنه يوقف جريمة عم تصير قدام أعينه وما هي بحاجة لتوثيق"، ظلت تلك اللحظة الأصعب في حياته، ابتلع الخذلان روحه، شعر أن الشعوب زهيدة الثمن وأن "المساواة والعدل" قيم مُزيفة.

5

حين حان موعد المغادرة؛ فكّر الرفاق في لملمة أغراضهم "قررنا ناخد ما غلا ثمنه وخّف ثمنه متل مُعدات التصوير والأجهزة الإلكترونية مثل الحاسوب والهاتف والأرشيف تبعنا". الحِفاظ على المادة الإعلامية التي وثقوها خلال الحرب كانت الأولوية "قسمناها علينا لضمان إن معانا نسخ إضافية في حال اتعرضنا لشئ في الطريق".

إلى جانب ذلك أخذ أحمد بعض الملابس معه، أما سِراج الدين فاحتفظ بهدية خطيبته، بينما أتلفوا كل المستندات الورقية. أثناء الرحيل كانت المدينة يُرثى لها، للدرجة التي جعلت مجاهد لا يستطيع "تصوير بيتنا اللي ربيت فيه لإن مكانه كان بيتعرض للقصف بكل دقيقة".

رحل الفريق لكن ذكرياتهم بالمدينة ظلت تشهد أنهم مروا من هُنا؛ "شهادة الثانوية والهدايا اللي عندي من عائلتي وأصدقائي" يقول مجاهد، بينما راودت الأمنيات قلب سِراج الدين حتى مع استحالتها "لو كنت أستطيع حمل بيتي على ضهري وأنا ماشي لكنت فعلت".

6

رغم قتامة المشهد كان المثل العامي السوري يقفز أحيانا في عقل مجاهد "اللي طلع من حلب أفعى بسبعة أرواح".

خرج سراج الدين وأبو الجود في الدفعة الأخيرة من المدينة، فيما سبقهما أحمد بفترة بسبب عائلته. "أردنا البقاء لأطول فترة لنوثق الوضع" هكذا يقول الشابان، قبل أن يحكي سراج الدين "يعني كنت عارف إني هخرج بس قلت لآخر لحظة بضل فيها أشم الهوا"، خيّم الضيق على الصدور، لم تعد كلمات المواساة صالحة، لذا وقبل ساعات من الإجلاء طلب سراج الدين من أحد المصورين الذهاب معه لحي صلاح الدين "هناك وُلدت وهناك أيضا بدأت أولى تظاهرات حلب ضد الأسد".

حين وصلا الحي، انسابت الكلمات رثاءً على المدينة "له رمزية خاصة، لأن أول مظاهرات الثورة خرجت من ها الحي"، من القلب رتّل سراج الدين أمام الكاميرا "قدامي هون استشهدوا شباب، وبكل شبر بهالحارة إلي ذكريات، هون قرايبيني كلياتهم، وهون أبويا وإمي اتعرفوا على بعض، بعد أكتر من 22 سنة أنا هلا بطلع من حلب وبدعي من الله نرجع".

7

خلال أيام التصوير ظل سراج الدين على تواصل مع كريستين جبرديان، مخرجة الفيلم، لإعطائه التوجيهات الملائمة "أحيانا كنا بنضل لأيام دون إنترنت فكنا نعتمد على أنفسنا بشكل كبير"، بينما لم تطّلع القناة على المادة المُصوّرة التي بحوزة الشباب إلا بعد خروجهم من المدينة بشكل كامل.

كما الأبطال؛ فإن الأحداث في حلب حرّكت كل شيء في الفيلم حتى اسمه "كنا نوثق اللحظات الأخيرة ولا ندري أنها الأخيرة بالفعل" يقول أحمد بحُزن، فيما يشير مجاهد إلى أن مخرجة العمل هي من اختارت الاسم "لو كنا بنثق في إنسانية وضمير قادة العالم يمكن كنا سميناه سنعود يا حلب أو راجعين، لكن المعطيات لحد الآن بتشير للوداع.. كل الوداع".

حين فاز الفيلم بالجوائز البريطانية، اضطربت مشاعر الفريق بين الفرحة والأسى "ربحنا جائزة وخسرنا مدينتنا".. يلخص مجاهد الحالة، فبرغم حجم الحدث إلا أنهم أيقنوا أن "لا شيء يُعيدنا إلى وطننا الذي هُجرنا منه قسرًا أمام أعين العالم وجوائزه المرموقة" كما يقول مجاهد.

ترك الفيلم بصمته داخل حياة الثلاثي؛ يعتبره سراج الدين وسيلة لفتح آفاق جديدة للعمل، كما أنه هدية للثورة السورية وكل ثائر بعيون أحمد، فيما لم يُقدِم شيئًا بالنسبة لمجاهد "الفيلم لم يغير بحياتي وإنما واقع الفيلم من غيّر حياتي وحياة نحو 300 ألف سوري آخرين كانوا مقيمين في مدينة حلب".

8

تسلل الفخر إلى نفس أحمد حينما شعر أنهم "قدرنا نوصل أصوات المحاصرين في حلب وأبرزنا الإجرام يلي بيصير بحقنا، وهاد الفيلم هيكون شاهد على مر الزمان"، لكن الحنّق يتملّك مجاهد فيتساءل: "لا أدري أين التأثير الذي حققه الفيلم بعدما شاهده نحو 250 مليون شخص حول العالم واكتفوا بالمشاهدة؟".

في الضلوع مازالت تسكُن رغبة واحدة في نفس الفريق السوري؛ العودة. "قائمة ببالنا من قبل ما نخرج من المدينة أصلًا" يقول مجاهد، فيما يقتله تعدد السيناريوهات وضبابية المشهد "إمكانية العودة حقًا، هاد الشي ما حدا بيعرفه غير القدر". يستمسك أحمد بالأمل "قلنا لها وداعًا حلب على أمل اللقاء".

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان