لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

أغلقت دكان الرزق 4 مرات.. نجلاء "عايشة على الصدقة" من بعد التعويم

09:15 م الأربعاء 01 نوفمبر 2017

نجلاء أحمد في دكان الرزق

كتبت- دعاء الفولي:

يوميا وقبل النوم، تكتب نجلاء أحمد بيد مرتعشة حسابات الصباح التالي؛ 10 جنيهات للإفطار، 50 جنيها للغداء، ومئة لسداد ديون محل المنظفات. تسرح ببصرها تجاه الدكان الذي تُنفق منه على منزلها، تكاد تُجن، تتضرع إلى الله ألا تضطر لإغلاقه للمرة الخامسة ذلك العام، بعدما أصبح ثمن البضاعة لا يغطي المعيشة.

في يونيو 2016 "واحدة جارتنا إدت لنا دكان وقالت لنا شغلوه ومش هاخد منكوا فلوس إيجاره إلا بعد سنة". كانت معيشة الأسرة وقتها مستقرة لحد ما، لاسيما مع عمل الأم كجليسة أطفال والأب كمبيض محارة، لكن الضيق أحكم قبضته عليهم بعد إصابة الابنة سلمى بشلل رخوي "فجأة مبتمشيش ولا قادرة تمسك حاجة بإيدها".

اُسقط في يد الأم والأب "اضطريت أوقف شغلي كجليسة عشان أراعيها"، فيما تذبذب عمل الأب كذلك. دخلت الأسرة المكونة من زوج وزوجة وأربعة أبناء في دوامة العمليات الجراحية والمستشفيات، اضطروا على إثرها لغلق الدكان "لولا أهل الخير سلمى مكنتش اتحسنت ولا رجعت تمشي".

حينما انتهى كابوس المرض أرادت الأم إعادة فتح المصدر الوحيد للرزق "الناس في المنطقة لموا 2000 جنيه وجابوا بضاعة على القد وفتحنا الكشك"؛ كان ذلك في ديسمبر الماضي، ظنت الأم القاطنة بمنطقة الشاطبي بالإسكندرية أن المشاكل انتهت "بس لقيت الغلا طلع علينا وبدأ ياكل فينا.. لا بقى الدكان مكفي ولا عارفين نعيش".

في الثالث من نوفمبر الماضي قرر البنك المركزي تحرير سعر صرف الجنيه مقابل الدولار وتركه وفقا لآليات العرض والطلب، أو ما أُطلق عليه التعويم، ما أدى لانخفاض قيمة الجنيه بنحو 48%، وارتفاع سعر الدولار من 8.8 في التعاملات الرسمية، حتى وصل الآن لأكثر من 17 جنيها، وبالتالي ارتفاع أسعار الكثير من السلع والخدمات.

يذهب أبناء نجلاء الثلاثة إلى المدارس؛ سهيلة في الصف الثاني الإعدادي، سلمى في الصف الثالث الابتدائي، ومحمد في الأول. كانت الأم تُدبر مصاريفهم بالكاد "السنة دي مبقتش قادرة". في 2017 منعت عنهم مصاريف المواصلات "بيضطروا يمشوا حوالي تلت ساعة مع إن سلمى مفروض متمشيش كتير"، ما عادت تُعطيهم مصروفا لليد "بقيت أعمل سندوتشات عشان ميشحتوش من زمايلهم".. تصمت قليلا ثم تردف "أكلهم في المدرسة بس بـ25 جنيه كل يوم".

تعرف نجلاء أنه لولا المساعدات المالية التي تتلقاها "كنا هنموت". لا يزداد دخل الأسرة عن 2000 جنيه شهريا، تدفع منهم فاتورة المياه، الكهرباء، الغاز، 450 جنيه إيجار المنزل، وديون الدكان "أنا بشتري بالآجل، بجيب حبة بضاعة صغيرة وبسدد"، لكن البيع ليس كافيا لسداد الديون "بيعدي عليا وقت بدفع 100 جنيه كل يوم لبتوع البضاعة بس أنا مش ببيع بنفس السعر فبخسر"، ما دفعها لتغيير نشاط الدكان من الحلوى والبقالة إلى "المنظفات والكلور عشان الآجل بتاعها حنين شوية".

لم يكن حال نجلاء في الأعوام الماضية متيسرا "إحنا اتولدنا شقيانين.. بس مكنّاش محرومين من كل حاجة"؛ تحكي عن الدجاج الذي كان يدخل منزلها مرة أسبوعيا "السنة دي بقيت أجيب أجنحة بس وياريتها رخيصة.. دة الكيلو بـ14 جنيه"، تذكر بأسى طعم الفاكهة التي هجرتها منذ بضعة أشهر "كانت تلاجتي فيها فاكهة ولو بسيطة بقت دلوقتي بتسحب كهربا على الفاضي"، فيما تفاقم الأمر حد إيقاف العلاج الطبيعي لابنتها منذ يوليو الماضي "الناس الطيبة ساعدوني كتير.. مبقتش قادرة أطلب تاني ولا هقدر أستلف".

يقوم التعامل مع تجار الجملة على سداد ثمن البضاعة القديمة قبل الحصول على الجديدة، ما أجبر السيدة على إغلاق الدكان بداية 2017 "قفلته عشان أستلف فلوس أسدد بيها الدين واشتري بضاعة وفتحته تاني"، ظلت السيدة على ذلك الوضع لشهر، اعتقدت أنها المرة الأخيرة لكن المأساة تكررت 3 مرات فيما بعد؛ أقل مُدة فيهم أسبوعين.

لا تفقه نجلاء في شئون الاقتصاد "انا سمعت عن التعويم دة في التليفزيون"، لا تعرف تفاصيل القرار "بس بقالي سنة مش عارفة أأكل عيالي كويس"، تزعجها أحاديث المسئولين في التليفزيون "بيتكلموا عن الغلابة وهما ميعرفوش عن اللي زيي حاجة"، تُعاودها الكوابيس المحتملة حال إغلاقها الدكان للمرة الخامسة والعودة للمربع صفر.

"ساعتها مرت عليا أيام مفيش في بيتي لقمة".. كادت تطوف على بيوت الجيران لتطلب طعام لأولادها، لكن كرامتها منعتها. ولولا جنيهات قليلة أتت للمنزل من حيث لا تحتسب، لفعلت ذلك دون تردد.

بين أضلع الضنك لا يتوقف الصغار عن طلب ما يُسعد نفوسهم الصغيرة، وتحاول نجلاء تلبية ما تستطيع "عشان نفسهم متتكسرش". تحكي الأم عن السيدة التي أعطتها مبلغا ماليا في عيد الفطر "وجبت لهم لبس بالتقسيط وهي بتدفع القسط 150 جنيه كل شهر"، يفيض الحزن بها أحيانا فتقول لابنتها الأكبر "احنا عايشين بالصدقة يا سهيلة.. اصبري لحد ما ربنا يحلها".

تبحث نجلاء حاليا عن فرصة عمل كجليسة أطفال "كنت بشتغل 12 ساعة بس بقبض 2000 كل شهر"، تطلب من "أهل الخير" تحملها بضعة أسابيع أخرى ربما ينفرج الحال قليلا. تنظر لنفسها في المرآة فتقول "أنا عجّزت وانا لسة 36 سنة". لها أمنيتان؛ ألا تحتاج لإخراج أبنائها من المدارس توفيرا للنفقات، وأن تنام دون التفكير في تدبير بضعة جنيهات زائدة.

 

اقرأ ايضاً:

في زمن التعويم.. أم تعمل في 3 صنايع من أجل لقمة العيش

2017_10_31_13_7_44_676

-"زيتنا في دقيقنا".. كيف يقاوم "العرسان" آثار التعويم بمساعدات أهاليهم؟

1

-بسبب التعويم مات عبد الجليل.. والابن يحكي قصة البحث عن دواء للسرطان

2

 -أسر تتعذر في دفع مصاريف المدرسة.. 80 جنيهًا بعد التعويم "مش قليلة"

3

-الشقاء بدلا من التكريم.. التعويم يدفع عم "محمد" للعمل بعد المعاش

4

-بدون برايل وعصا بيضاء.. ماذا فعل التعويم في حياة كفيف؟

5

-بعد عام من الغلاء.. ما فعله التعويم بعالم "الخادمات الأجانب"

2017_11_2_11_44_9_952

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان