حوار- صاحب رواية "المدينة تنتصر دائمًا": الثورة غيرت نفسية جيل بأكمله.. وعلاء عبد الفتاح "كنز" لمصر
حوار- أحمد الليثي ورنا الجميعي:
لازالت ثورة يناير 2011 تثير الشجون في نفوس الكثيرين، من خلال صورة لذكرى أو قطعة من علم، رسالة أخيرة من صديق صار شهيدًا، ومقطع مصور يُدمي العيون، أو رواية تحكي عن أحداث نفحت شوارع القاهرة بالحياة وتُعيد النظر إلى أحلام وارتها إحباطات كثيرة. مشاعر متضاربة تمكّن عمر هاملتون من التعبير عنها في روايته الأولى "المدينة تنتصر دائمًا".
عبر البريد الإلكتروني تواصل مصراوي مع الكاتب ومخرج الأفلام، عمر روبرت هاملتون، ليحكي عن روايته التي أثارت احتفاءً كبيراً في سوق الكتاب البريطاني، وشغف حل بالقارئ الغربي لمعرفة أكبر عن ثورة "غيرّت نفسية جيل بأكمله". وألقي الضوء على صداها في أكثر من جريدة عريقة -من بينها "الجارديان". كذلك كانت "المدينة تنتصر دائمًا" على أعتاب الدخول في منافسة جائزة "المان بوكر" -من أهم الجوائز الأدبية العالمية.
داخل الحوار يروي "هاملتون" لمصراوي كواليس صناعته لعمله الأدبي الأول، وأسباب كتابته عن ثورة يناير التي قضت من العمر 6 سنوات، وعن سبب إهداءه الرواية للناشط علاء عبد الفتاح، ومدى الصعوبات التي واجهها خلال الكتابة وانتظاره الترجمة العربية بالوقت الحالي.
رغم مرور 6 سنوات على الثورة.. اخترتها أن تكون محور روايتك الأولى، لماذا؟
ثورة يناير 2011 هي أهم شيء حدث على فترة جيل بأكمله، وهي أيضًا واحدة من الأحداث الرئيسية للعالم كله في القرن الـ 21. قد بدأت في العمل على الرواية عام 2014، واستغرقت كتابتها 3 سنوات.
هل تعتقد أن 6 سنوات كانت كافية لخروج عمل مكتمل عن الثورة؟
لن يكون هناك عمل مُكتمل أبدًا. وكلما ابتعدنا أكثر في الزمن سوف تُنتج أعمال جديدة. بالنسبة لي أنا مرتاح أني بدأت الكتابة في 2014، بدأت وذاكرتي وعواطفي لم تزل ملتهبة. إذا بدأت في كتابة رواية اليوم في الأغلب ستكون مختلفة كثيرًا، فكل عمل هو نتاج مزيج خاص جدًا من الزمان والمكان والظروف - والعمل لا "يكتمل" أبدًا.
إهداء عملك الأول لعلاء عبد الفتاح.. هل كان ذلك لصلة القرابة-كونه ابن خالتك-أم لاعتبارات تراها في شخصه؟
علاء واحد من أذكى المفكرين السياسيين في جيلنا. أهديت إليه الكتاب لأني فعلاً أعتقد، وبأمانة، أنه كان سيصبح كتابًا أفضل لو أتيح لي مناقشته معه. علاء عقله رائع، وهو مُلِمّ بالتاريخ إلمامًا واسعًا، يتحدث بقوة، ويكتب بإعجاز. المفروض في الواقع أن نعتبر علاء ثروة ثمينة وكنز لبلدنا، وبدلًا من هذا فإن حياته تُسرق منه -ويُسرَق نفعها من بلادنا-وهو يقضي سنوات من عمره في السجون.
اخترت أن تبدأ روايتك من أحداث ماسبيرو رغم انطلاق الثورة قبلها بـ10 أشهر؟
أحداث "ماسبيرو" تاريخ مهم، لأنها بدأت موجة جديدة من الثورة أدت إلى المعارك الرئيسية لعام 2011. في الرواية أحداث الثمانية عشر يومًا هي أشبه بـ "الانفجار الكبير" -البيج بانج: الحدث العظيم الذي يبدأ عنده كل شيء، والذي تدفع قوّته العالم كله للأمام. ولكن بدلًا من النظر إليه مباشرة اخترت أن تذْكره الشخصيات، وتُناقشه مرات عديدة. ونرى كذلك ذكرياتهم حوله تتغير بمرور الوقت. وهكذا يصبح له في الرواية نفس المرتبة المستقرة في وجداننا الآن، والتي يتعامل معها كل واحد منا بطريقته الخاصة.
وصفت جريدة الجارديان روايتك بأنها (تكشف أكثر مما تكشف الصحافة).. فأي حقيقة ترى أن عملك الأول قدمه للقارئ؟
أعتقد أن الرواية كشكل أدبي تخلق حالة من التقارب النفسي من الصعب أن تخلقه الصحافة. وأنت تعمل على الرواية تقضي الأعوام تعايش نفس الشخصيات، تدخل في عقولها وقلوبها. وتستطيع الجمع بين هذه الحميمية والمنظور التاريخي الواسع، والاثنان معًا يخلقان الانطباعات العميقة عند القارئ.
روايتك تتناول فترة حكم المجلس العسكري بانتقادات عدة. هل تعتقد أن ذلك سيُقابل بمشاكل حال ترجمتها بالعربية؟
كل شيء كتبته قائم على الحقائق والتاريخ. حكيت تاريخ الثورة بصدق، ولم تكن هناك طريقة أخرى أحكي بها.
قلت في حوارك للجارديان (لن نعرف ما نتيجة الثورة المصرية لزمن طويل).. في رأيك إلى أي مدى سننتظر نتائج يناير؟
أعتقد أننا رأينا بعض النتائج بالفعل، وفي رأيي أن التاريخ ينقسم الآن لمرحلتين؛ قبل 2011 وبعد 2011، وشخصية ونفسية جيل بأكمله تغيرت للأبد. من الواضح أننا نمر الآن بمرحلة تاريخية فائرة متغيرة؛ العالم يُعيد تنظيم نفسه بشكل ما، والوضع الراهن ليس بمقدوره أن يدوم.
قيل إن الرواية كانت مشروعًا لفيلم وثائقي قبل أن تخرج في صورتها النهائية.. احكِ لنا كواليس صناعة روايتك الأولى؟
أول مشاهد تظهر على الورق شَكَّلت في أغلبها الجزء الأخير من الرواية -الجزء الذي تدور معظم أحداثه في عام 2014، وهي وصلات طويلة تُحاول التعامل مع الصدمة، والهزيمة، وقيود التاريخ التي تظهر وكأنها لا مفر منها. قضيت عدة أشهر أكتب أولًا مادة سيكولوجية شخصية جدًا، ثُم من خلال ذلك بدأت أرى الإمكانيات المحتملة للرواية، وعلى مدى أشهر من كتابة المزيد بدأ معمار الرواية يظهر.
ما أكثر الصعوبات التي واجهتك خلال مشروعك الروائي الأول؟
هذا سؤال صعب. بكل صراحة كان كل شيء صعب جدًا وفي نفس الوقت طبيعي جدًا. أعتقد أن التعامل مع حجم الثورة كان التحدي الأكبر، فتقديم عمل يتعامل مع حجم ملحمي تاريخي ولكن من خلال شخصيات فردية تهمك كان تحديًا كبيرًا.
أحد شخصيات روايتك هو فلسطيني.. لماذا اخترت أن تكون فلسطين جزءًا من السرد الأساسي لرواية تتحدث عن الثورة المصرية؟
أعتقد أنه من المهم تذكّر أن مصر لم تكن وحدها الثائرة خلال تلك السنين، فضلًا عن أن الثورات لم تقم في الدول العربية فقط. فواحدة من أهم الأشياء التي جعلت تلك الفترة توحي بثراء الإمكانية الثورية هي أننا رأينا الاحتجاجات تتفجر في أوروبا وأمريكا -وتعكس بوضوح مطالب القاهرة وصنعاء.
التضامن مع فلسطين كان دومًا جزءًا مهمًا من السياسة في مصر؛ فكان إنهاء صفقة حسين سالم لتصدير الغاز المصري إلى اسرائيل، مثلاً، واحد من أوائل المطالب في الثورة. هذا التضامن يتعرض للهجوم المستمر عن طريق رسائل إعلامية منتظمة لتخويف الناس -رسائل موجهة بالذات ضد غزة. لذلك فإن المحور السياسي بين مصر وفلسطين مهم لأي وصف أو تمثيل لمتغيرات السياسة هنا.
قلت في حوار سابق إن بطلي الرواية يشبهونك.. فما الذي اعتمدت عليه في حياتك لتركيبة الشخصيات؟
الكتاب بأكمله يتتبع عن قرب أحداث في حياتي وفي حياة ناس كنت وسطهم وعملت معهم. العديد من زملائي ومن الناس الذين عرفتهم خلال الثورة كانوا مصدر إلهام كبير لي، ناس ذوي طاقة وحيوية والتزام بالعدالة يملئوني بالإعجاب. التقيت أيضًا بالعديد من أسر الشهداء، وكان من المهم جدًا بالنسبة لي أن تكون أصواتهم في الرواية واضحة (ولو أني بالطبع غيرت أسماءهم) كما هي جلية في روح الثورة نفسها.
هل هناك أعمال روائية تحدثت عن ثورات ألهمتك في كتابة الرواية؟
حاولت ألا أقرا العديد من الروايات أثناء الكتابة، لأني وجدت أن لها تأثيرًا آنيًا على أسلوبي. لكن كتاب جورج أورويل "تحية إلى كاتالونيا" فكرت فيه كثيرًا، كما قرأت رواية "المثقفون" لسيمون دي بوفوار أثناء الكتابة، وأعتبره مرجعًا مفيدًا يشير إلى ما للتفاصيل من قدرة على التشويق.
البعض فسر نجاح روايتك لأنها تكشف الغطاء عن كواليس لم ترو من قبل عن ثورة يناير.. ما رأيك في ذلك؟
عموماً العالم لم يسبق له رؤية مثل هذه الأحداث من قبل، فمن المنطقي أن تبدو جديدة في الرواية، أنا حاولت فقط نقل ما شاهدته وسمعته حولي.
روايتك كانت على مقربة من الدخول في سباق "المان بوكر".. ما هو مقدار اهتمامك بالجوائز؟
الجوائز جزء مهم في الصناعة النشر لكن الأهم بالنسبة لي هو التركيز على إتاحة الرواية بالعربية، وكذلك توزيع الطبعة الإنجليزية في أكبر عدد ممكن من المكتبات في مصر. أنا كتبت هذا العمل ليكون سجلًا تاريخيًا، كتبته للأشخاص الذين كنت إلى جانبهم في ثورة يناير، وكتبته ليكون جزءًا من مشاركتي المستمرة بالعمل السياسي.
خضت تجربة الإخراج السينمائي مرتين.. البعض يعتبر الرواية فيلم مكتوب فما الفارق الذي عايشته بين الإخراج والكتابة؟
في الواقع هم تجارب عكسية تمامًا، مما يجعل من اللطيف التبديل بين الاثنين. في الإخراج تتعامل مع العديد من الناس لالتقاط حدث مرئي على الكاميرا، تتلاعب به لتقدمه لجمهور يعيش تجربته معه في فترة محددة من الزمن. أما في الكتابة فأنت تعمل وحدك لتكتب جملاً تبني عالمًا متخيلًا في عقل القارئ، تعمل مع القارئ بشكل ما لخلق تجربة خاصة، غير مُعرَّفة، وفريدة بالنسبة لكل قارئ. لذا أعتقد أنه جيد التبديل بين المجالين لأنها تخصصات مختلفة تمامًا.
هل كان للروائية أهداف سويف دور في تشكيل شخصيتك الأدبية؟
بالتأكيد. نحن نعمل بشكل وثيق معًا، أكون أول شخص يقرأ ما تكتب، وهي تقرأ كتابتي ونتناقش دائمًا بعمق.
حدثنا عن مشاريعك المستقبلية؟
هذا سؤال صعب أيضاً، أحاول الآن العمل على سيناريو، وأملي أنني عند نهاية العام أكون قد بدأت في مشروع جديد.
* عمر روبرت هاملتون:
كاتب ومخرج أفلام مصري-بريطاني، هو ابن الكاتبة أهداف سويف والشاعر الإنجليزي إيان هاملتون.
صنع عمر عددًا من الأفلام أبرزها "مع أني أعرف أن النهر جف"، الحائز على أفضل فيلم قصير في مهرجان أبو ظبي السينمائي في 2013.
ساهم عمر في تأسيس مجموعة "مصرين" التي تعمل على توثيق الثورة المصرية.
تُعدّ روايته "المدينة تنتصر دائمًا" هي عمله الأدبي الأول، عن (منشورات فيبر أند فيبر 2017)، يجري حاليًا العمل على ترجمتها للعربية.
فيديو قد يعجبك: