إعلان

"المآوي المغلقة".. كيف تعيش الكلاب الضالة داخل جمعيات حقوق الحيوان؟

09:35 م الإثنين 30 أكتوبر 2017

الكلاب الضالة

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتبت- علياء رفعت ومها صلاح الدين:

"مآوي رحيمة للكلاب".. هكذا يروّج لها بين الشغوفين بمجال حقوق الحيوان وعلى وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة، رغبةً في تلقي التبرعات من الأفراد المهتمين، أو من بعض الجهات الخارجية الداعمة لإنشاء مثل تلك المآوي في مختلف دول العالم لكي تتلقى الحيوانات معاملة رحيمة بعيدًا عن الاستغلال والإيذاء الجسدي. بينما تبقى تلك المآوي موصدة الأبواب، لا أحد يعلم ما الذي يجري بداخلها أو مدى مُطابقته لتلك الصورة التي يتم تصديرها عنها.

"مصراوي" زار أكثر من مأوى ليرصد أوضاع الحيوانات الصحية والمعيشية باحثًا في مدى مُطابقتها للاشتراطات الخاصة بإنشاء مأوي الحيوانات الضالة، إلى جانب الوقوف على مدى اتباع تلك الجمعيات خطوات الإشهار والترخيص من عدمها.

جمعية أصدقاء الحيوان.. 10 عمليات إخصاء أسبوعيًا

على بُعد 90 كيلو متر من القاهرة، وفي إحدى الحواري الضيقة المأهولة بالسُكان في قرية "شبرامنت" التابعة لمحافظة الجيزة؛ يقع أحد أشهر مآوي الكلاب الضالة والمريضة التي تحتاج إلى رعاية خاصة. "جمعية أصدقاء الحيوان" جُملة كُتبت بخطٍ عريض فوق "اليافطة" التي تعلو باب المأوى الحديدي، وإلى جوارها الشعار الخاص بالجمعية والذي ذُيل بما قد يُدخل الطُمأنينة في قلوب البعض من الباحثين عن تلك المأوى؛ رقم التسجيل والإشهار بوزارة التضامن الاجتماعي.

نِباح الكلاب ينطلق بقوة مُعلنًا عن تواجدهم بالمكان. فيما تدق مُحررتا "مصراوي" الباب الحديدي بالقوة ذاتها لتستأذنا في الدخول. ينفتح الباب الحديدى ويجتازه شابٌ أجنبي برفقة كلبه وهو يخاطب سيدة أجنبية ستينية بلغته الأم “thank you, thank you”.

داخل المأوى استقبلتنا "جاكي" السيدة الستينية، إحدى المساهمات في بناء المأوى، والتي أوضحت لنا أن هناك خمسة أجنبيات من جنسيات مختلفة "انجلترا، بولندا، سويسرا" ساهمن في البناء، إلى جانب "أحمد الشربيني" وهو المصري الوحيد ضمنهم.

1

في جولةٍ دامت قُرابة العشرين دقيقة اصطحبتنا "جاكي" للتجول داخل المأوى للوقوف على أوضاع الكلاب، وهي تحكي لنا عن كيفية بناء المكان والوقت الذي استغرقهم لترخيصه وإنهاء الأوراق الخاصة بها.

البداية كانت من شقة صغيرة في المعادي منذ خمسة عشر عامًا خصصت كمأوى للقطط الضالة، ليتطور الأمر شيئًا فشيئًا لمأوى للكلاب بالشقة ذاتها ومن ثم شراء مبني الجمعية بشبرامنت والاستعداد لتجيزها والذي استغرق حوالي ثلاث سنوات حصلت بعدها على الترخيص.

"الكلاب هنا أغلبها إما عملت عمليات، أو بنعدها للعمليات".. قالتها "جاكي" بعربية غير مُتقنة، وهي تُشير إلى أقفاص مُنفردة يوضع فيها كُل كلبٍ على حِدة، موضحة أن أغلب هذه الكلاب هي كلاب ضالة آوتها الجمعية من الشوارع لتقوم برعايتها لسوء أحوالها الصحية بعدما تعرضت للتعذيب أو الاستغلال، مُضيفة "في كلاب أصحابها بيجيبوها عشان تتعالج وبعدين ياخدوهم، وباقي الكلاب بنعالجهم ونعرضهم للتبني عشان ندي فرصة لكلاب غيرهم".

عِند أحد الأقفاص توقفت السيدة الستينية وهى تشير إلى مجموعة تتكون من أربعة كلاب وقالت: "صاحبتهم ماتت من شهر ومستنين حد يتبناهم لأن المكان هنا أشبه بمستشفى بنعالج فيه الكلاب المرضى".

الإخصاء إحدى العمليات الهامة التي تقوم بها الجمعية للكلاب باستمرار حسبما تقول "جاكي"، بهدف "الحد من تكاثرها واستغلالها أو الإساءة لها". ويبلغ متوسط عمليات الإخصاء التي تقوم بها الجمعية حوالي عشر عمليات أسبوعيًا.

بردٍ مُقتضب لا يُفصح عن الكثير لكنه يخفي الأكثر أجابت جاكي على سؤالنا عن التبرعات التي تصل للجمعية: "بالتأكيد بتوصلنا تبرعات من جوا مصر وبراها ده غير أن القائمين على الجمعية بيقوموا على جزء من مصاريفها"، بينما رفضت الإفصاح عن المبالغ، أسماء الجهات الأجنبية، عدد مرات التبرع، وما إذا كانوا يملكون إيصالات أو شيكات لها. واكتفت بترديد جملةٌ مبتورة بوجهٍ مُتجهم "بتوصلنا تبرعات مرة واحدة في السنة".

2

أمينة أباظة: جمعيات حولت "إيواء الحيوانات" لبيزنس مُعلن

قبل سبعة عشر عامًا كانت بداية الرحلة التي قررت "أمينة أباظة" خوضها بعد أن سَلَحت نفسها بالقراءات المستمرة والاطلاع على تجارب العديد من الدول الأجنبية، فقط لكي ترسخ لثقافة توارت مع تغيرات المجتمع المصري؛ الرفق بالحيوان. في السبيل إلى ترسيخ تلك الثقافة لم يكن أمام أمينة إلا التفكير في إنشاء المآوي الرحيمة للحيوانات والتي تستطيع العيش فيها بعيدًا عن الإيذاء الجسدي أو الاستغلال البشري، فكانت "الجمعية المصرية لحماية حقوق الحيوان" التي أنشأتها دون أي تبرعات من جهات أجنبية أو تضمين للأجانب بمجلس الإدارة هي اللبنة الأولى التي وضعتها في حائط صدِ الأذى عن الحيوانات في الشوارع، وتحديدًا الكلاب.

بمرور الوقت انتشرت العديد من الجمعيات المماثلة سواء مُشهرة أو غير مُشهرة، وازدادت أعداد الكلاب التي آوتها الجمعية فأصبحت المساحة المتوفرة لها غير كافية، إلى جانب إساءة بعض العُمال معاملتهم رغم حرص أمينة الشديد على تغيير العِمالة باستمرار إذا ما ثبت عدم كفاءة بعض العمال أو عدم ترفقهم بالكلاب، حتى قررت قبل ثلاث سنوات أن تنجو بثلاثين كلبًا من الجمعية التي أنشأتها بنفسها، إلى مزرعتها الخاصة لتضمن براح المساحة، وحسن المعاملة، وعدم تحول الأمر إلى تجارة وتربح باسم حقوق الحيوان.

"الموضوع تحول في جمعيات كتير لبيزنس مُعلن" قالتها أمينة شارحة الحال الذي صار عليه عدد غير قليل من الجمعيات التي تُحصل على أموال التبرعات دون تخصيصها لرعاية الكلاب أو تحسين أوضاعها، إلى جانب كونها لا تراعي الاشتراطات الصحيحة لإنشاء مآوي الحيوانات الضالة وتربيتها.

3

"في بيتنا الوضع مختلف" بهذه الكلمات القليلة عبرت أمينة عن تبنيها لهذه الكلاب وليس فقط إيوائهم أو رحمتهم. فيما قادتنا لمزرعتها الخاصة بسقارة حيث أعدت المأوى الذي تراه مناسبًا مُتبِعًا لكافة الاشتراطات الصحيحة التي أوضحتها لنا بالتفصيل.

أحد أهم هذه الاشتراطات -بحسب أمينة-، هي المساحة والفواصل. فالمساحة التقديرية لإيواء خمسة أو ستة كلاب -كمجموعة- هي 200 متر على الأقل، مع مُراعاة اختيار أعضاء كل مجموعة حسب مدى اندماجهم مع بعضهم البعض، على أن تتكون المجموعة الواحدة من إناث وذكور معًا وليس نوعًا واحدًا، إلى جانب وضع فواصل بين كُل مجموعة وأخرى كي لا تهجم المجموعات على بعضها البعض.

unnamed

"الموضوع مش سبهللة، مش أي حد يطلب تبرعات من الناس أو من جهات خارجية مهتمة بحقوق الحيوان".. هكذا أوضحت أمينة أن هناك خطوات يجب أن تتبع في حال تلقي التبرعات؛ أولها إخطار البنك بوصول تبرعات على حساب الجمعية ثم إخطار وزارة التضامن الاجتماعي بالمبلغ الذي سيتم تحويله وبنوع الأموال المُتلقاه، حتى تصدر الوزارة قرارًا بالموافقة فتقوم الجمعية بصرف المبلغ.

مخزون الأطعمة والأموال يعد من أحد أهم الشروط المتعلقة بإنشاء الجمعيات واستصدار تراخيصها، حيث يجب أن تمتلك كل جمعية فائض من الطعام والأموال يكفي حاجة لمدة 3 شهور على الأقل "إحنا مش هنأوي الكلاب من الشوارع عشان نجوعهم لأنهم في النهاية أرواح هنتحاسب عنها".

4

في "مأوى الأمل": 200 كلب يتكدسون في حوشين صغيرين

وفي طريق ضيق غير ممهد، على أطراف قرية شبرامنت التابعة لمحافظة الجيزة، يوجد"Shelter hope" (مأوى الأمل) وسط مجموعة من الفيلات والقصور، تعرفه من اسمه الذي كتب بخط اليد على جدرانه الزرقاء التي لا تحجب صوت نباح الكلاب المتعالي، وخلف بوابة حديدة سوداء وجد عشرات الكلاب في باحة "الشلتر- المأوى" المحدودة يستقبلونك في المقدمة ما إن انفتح الباب، ومن خلفهم ثلاثة عمال.

"ساحات، وعيادة، ومستشفى" هكذا قسم المأوى الرحيم، الذي لم يشهر كجمعية للرفق بالحيوان بعد، حسب ما قال "حسام"، أحد العمال، والذي يشارك في رعاية ما يقرب من 230 كلبا، تكدس بعضهم داخل أقفاص لا تتعدى مساحتها 2 متر مربع، وآخرون داخل صناديق حديدية في غرفة صغيرة يطلق عليها العمال عيادة، وآخرون معزولون داخل حجرات منفصلة، في ركن آخر يُعد مستشفى.

5

أما الجزء الأخر من الـ "شلتر" فمقسم إلى حوشين صغيرين يتكدس بهما ما يزيد عن مائتي كلب، يلهثون في تأهب لفتح الباب الحديدي حتى يتمكنوا من الاندفاع إلى الخارج. يبرر العامل الذي يسير في العقد الثاني من عمره، وجود الكثير من الكلاب ذات الحالة الصحية المتردية، بأن "الشلتر" يجمع الكلاب المريضة من الشوارع عبر فرق الصيد، ويخصص طبيب لعلاجها، كما أنهم نجحوا في علاج الكثير من الحالات المصابة بالشلل والأورام السرطانية، على الرغم من أن أغلب العمال استلهموا خبرتهم في التعامل مع الكلاب بالعمل، وليس بالقراءة أو الدراسة.

نقابة البيطريين: لا أحد يحق له الرقابة على المآوي.. والسبب "فراغ تشريعي"

لا يوجد قانون ينظم الحياة داخل "الشلتر" في مصر، هكذا يقول الدكتور طارق المسك، مقرر لجنة حقوق الحيوان والحياة البرية بنقابة الأطباء البيطريين.

الفراغ التشريعي في هذا المجال جعل الكثير يهمون بإنشاء مآوي للكلاب الضالة دون الالتزام بأي مقاييس أو تشريعات، بل وبعضهم يستغلونها في جمع التبرعات من الداخل والخارج دون أي رقابة، بحسب قول الطبيب.

"ولا يوجد جهة في مصر منوط بها الرقابة على هذه المآوي من الناحية البيطرية، حتى المرخص منها كجمعية للرفق بالحيوان"، يقول الطبيب إن بعض هذه الجمعيات تستعين بعمال لإجراء عمليات جراحية بدلا من الأطباء دون أي مساءلة قانونية.

هذا ما جعل النقابة تشرع في إعداد قانون لحماية الحيوان، لتنظيم الجانب البيطري داخل تلك المآوي التي تعتبر ظاهرة جديدة على مصر، فالرقابة المالية غير كافية على حد وصفه.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان