لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

بالصور-من داخل ورشة "العواجيز".. إيه اللي رماك على غَزل الشبك؟

03:06 م الأربعاء 18 أكتوبر 2017

كتب-إشراق أحمد ودعاء الفولي:

تصوير-جلال المسري:

أسفل عقار تحت الإنشاء في قرية الغلمانية، التابعة لمركز البرلس بمحافظة كفر الشيخ داخل "دكان" غير مُهيأ، تربع عبد الوكيل عبد العزيز في جلسته، أمسك بإبرة غَزل الشِبَاك، وبإصبع قدمه أحكم شد الخيوط، فيما تعمل يداه في "فرقة" –الاسم المهني للشبكة- تسير راحتيه في تناغم، تعرف طريقها، لا تلهها حديث عن إتمام العيون المُشكلة لشباك الصيد. "الصياد إذا كبر وصلاحيته انتهت من البحر يقعد القعدة دي ويشتغل في الشبك" يقول عبد العزيز.

كأنما ولد في البحر "الصياد مننا بيطّلع الكارنيه ومبيعرفش بعدها عِلم غير الصيد". يدًا بيد الجد ثم الأب تمرس عبد العزيز المهنة، باتت له حياة لم يغادرها رغم مرور العمر؛ مع العام 2015 بلغ 69 عامًا، عمليات جراحية أجراها في ظهره، وما عادت الصحة تحتمل أكثر فقرر "نشتغل بقى شغلانة العواجز".

لا خيار أمام الصياد ممن بلغ سبعين عامًا إلا أن يعمل في صناعة شباك الصيد أو "ميشتغلش"، وبالنسبة لعبد العزيز رجحت كفة الخيار الأول رغم مشقته، فمن اعتادت يده العمل يصعب عليه العطلة دون "مشغلة". يصف الشيخ الكبير غَزل الشباك بأنها "أصعب شغلانة في الصيد"، الصبر فيها أعظم درجات من الوجود في البحر.

كان لعبد العزيز جولات في بحار الدول العربية؛ بين العراق والكويت وغيرها "كنا بنطلع البحر اللي في رزق أكتر نفضل كام شهر ونرجع تاني"، ظل الصياد السبعيني على تلك الحالة لمدة 25 عاما، ثم بقي داخل مصر فيما بعد "فضلت أصطاد عشر سنين في البحر بتاعنا هنا قبل ما أبدأ أغزل الشبك".

بجانب عبد العزيز جلس الحاج ممدوح الخواجة، يفعل كصديقه، له نفس الماضي المهني، غير أن الأخير قرر الاستقرار في مصر مُبكرا.

في تسعينيات القرن الماضي، وفيما كانت حرب الخليج الثانية مشتعلة، كان الخواجة داخل المياه بصحبة صيادين آخرين يمارس مهنته "اتضرب علينا نار ساعتها من القوات اللي كانت بتحارب الكويت"، طلبوا من الصياد المصري الاستسلام "لكن رفضت وفيه طلقة جت في جنبي وعوّرتني وساعتها رجعت على مصر".

داخل الورشة يتناوب رفاق غير ثابتي العدد العمل "لما يبقى في شغل يجي جدع ولا اتنين" يقول عبد العزيز. من الفجر وحتى قبيل المغرب يمكث آل الورشة داخلها. خلال تلك الفترة يتعين على الخواجة التحرك بين حين وآخر "عشان عندي مشكلة في الغضروف"؛ ورغم حبه لمهنة غَزل الشباك "بس هي بتضيّع النظر".. يقولها الأب الستيني قبل أن يتجه لأحد أبواب الورشة فيفتحها كي تسمح بمرور قدر أكبر من الضوء.

تغير حال الشباك كثيرًا، يتذكر عبد العزيز أيام ما قبل "النايلون": "كان عندنا مصانع تعمل شباك من القطن"، لكنه لم يكن الأفضل، أما اليوم فهناك أربعة مستوردين يجلبون خيوط الغَزل من استراليا، والمنتج المصري يتواجد بالسوق "لكن المستورد أحسن عشان المكن أنضف".

كذلك الأسعار اختلفت، يشير الصيادان إلى الحبال البلاستيكية المرصعة بالحديد، أو ما يطلق عليه الرصاصة "كنا بنجيب كيلو الرصاصة بـ2 جنيه دلوقت 35 جنيه"، أيضًا تضاعف سعر الغَزل إلى مائتي جنيهًا بعدما كان قبل عامين فقط مائة جنيهًا، ويرجع عبد العزيز السبب إلى احتكار المستوردين للسلعة بعد شرائها بكميات، إذ يحتفظون بها في المخازن ثم يغيرون أسعارها وفقًا لأهوائهم حسبما يقول.

مكسب غول الشبّك ليس وفيرًا، لا يتناسب مع قضاء ساعات في التحديق بخيوط حريرية، ولضم العين بالعين حتى تكتمل الشبكة الواحدة، وذلك بعد تقطيع أمتار الغَزل الكبيرة إلى شِباك أصغر "بناخد من 30 لـ50 جنيه في الشبكة الواحدة النهاردة متعملش حاجة لكن للعواجز اللي زي حالتنا تِمَشي الحال"، فلحظة حصول الصياد المتقاعد على أجره تُخفف العناء شيئًا ما وتذيقه حلاوة بين مرارة أيام ينكب فيها على الخيوط "الواحد لما يعمله 6 حتت ويقبض 200 ولا 300 جنيه يبقى فرحان إنه قاعد في مكانه وبيجيب فلوس".

ينشط عمل الصيادين المتقاعدين مع موسم الصيد، في شهور الشتاء حيث ينطلق سمك السافوريا على سبيل المثال بعد التكاثر مما يعد فرصة لاصطياده. ولا يقدر عامل الشباك على صناعة أكثر من فرقتين في اليوم، إنما يُكمل مع الرفاق احتياجات مركبًا بالكامل، تلك الشباك التي لا تتجاوز احتمالية انتهاء صلاحيتها ثلاثة أشهر، بل أحيانًا تفسد بعد "طلعة" صيد واحدة بفعل الكابوريا حد قول عبد العزيز.

لا تعني الأموال في ماديتها شيئًا لعبد العزيز، وضع الرجل كل أحلامه في أبنائه الخمسة، أنهوا جميعًا دراستهم الجامعية، لم يعمل أحدهم بالصيد، مَنع عنهم ما عاناه، ومع ذلك رفض إلحاحهم عليه ليترك العمل وتكفلهم بما يريده، وكان دعائه في ذلك "يارب ما تحوجني لولدي".

راحة الدنيا كلها تتسلل إلى الأب بمواصلة تكسب رزقه من عرق الجبين "ابني لو عطاني كل يوم 100 جنيه اصرفها لأ، إنما أنا لو جبت 20 جنيه بدراعي يا سلاااام" يقولها مطلقًا زفرة رضا، قبل أن يتمم فرقة شباكه الجديدة.

كذلك الحال مع الخواجة؛ إذ لم يبتغِ عمل أبنائه في الصيد "خاصة بعد إصابتي في البحر"، غير أنه اصطحب أولاده الثلاثة إلى البحر مرارا "محبوش الشغلانة"، وفيما بعد فتحوا ورشة للنجارة مُقابلة تماما للورشة التي يعمل فيها الخواجة حاليا.

في ورشة الغَزل يلتقي الصيادون القدامى أحيانا؛ يتحدثون عن الأيام الخوالي، يسردون حيلهم المختلفة لصيد السمك ومعرفة طبيعة التربة "كنا نجيب حتة حديدة 2 كيلو ونربطها في حبل ونحط آخرها صابونة ونسقطها في المياه فنعرف نوع الأرض".. يضحك عبد العزيز متذكرا تلك الأوقات، يعتريه الفخر كلما استعاد ترحاله بين الدول المختلفة، ويسخر من انتهاء الحال بهم داخل الورشة، بينما يكسو وجه الخواجة الرضا، فيقول: "المهم إننا ستّرنا عيالنا وجوزناهم وأي شيء بعد كدة يهون".

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان