إعلان

بعد إغلاقه عامين.. "رسم جيهان" يعيد "كشك إسلام" لبيع "الكراميلة"

02:59 م الأربعاء 11 أكتوبر 2017

كشك إسلام

 كتب- دعاء الفولي وإشراق أحمد:

تصوير-جلال المسري:

تقدمت خطى جيهان فايز في شوارع مدينة برج البرلس، تدور عيناها لاختيار حائط ترسم عليه، فيما يذهب تفكيرها لإيجاد مكان غير مُرهِق في الرسم تشارك به في الملتقى الدولي للفنون خلاف العام الماضي "كنت بدور على كشك أو حتى بوكس كهرباء"، في منتصف الطريق وجدت كشك، فحدثتها نفسها أن تكمل السير، وبالقرب من رسمتها السابقة "لقيت كشك إسلام.. قلت هو ده".

بقليل من السؤال، علمت أستاذ الفنون بجامعة المنيا، أن صاحب الكشك شاب مريض، أغلق المكان منذ قرابة عامين، وفي السابق رفض أيا من الرسامين أن يمسه؛ سريعًا ذهبت جيهان للقاء إسلام عامر، وجدته عاجزًا عن النطق، وبجواره يحمل عكازًا "قلت له أنا جاية أبوظ لك الكشك" ابتسم الشاب المصاب بضمور في المخ، فرح بطريقة إقناع الفنانة المختلفة عن سابقيها، وأعطاها إشارة البدء لكن على استحياء.

1

صباح الثالث من أكتوبر الجاري، استهلت جيهان تزيين واجهة الكشك بألوان ونقوش مبهجة. كانت أسرة إسلام قد رحبت بأخذ الرسامة لمفتاح المكان وفتحه، لكنها أخبرتهم أنها ستكتفي بالشكل الخارجي.

عكفت السيدة الأربعينية على العمل، يحركها قصة صاحب الكشك، ومع مغيب شمس اليوم، لمحت إسلام يتحامل على عكازه بخطى مذبذبة، يتخذ مكان قصي يتابع ما يجري للكشك الذي هجره "أهله حكوا له على اللي بنعمله فنزل يشوف بنفسه".

2

خلف جدار وقف إسلام مختبئًا، يطل برأسه بين الحين والأخر، يسترق النظر نحو الكشك المُزين، يمر عليه بعض أصدقائه في المنطقة يداعبونه قائلين "ده وحش أوي"، فينهرهم بإشارة منه إلى فمه كمن يمنح أحدهم قبلة ويقول "حوو حوو".

لا يجيد إسلام الحديث، كما لا يفقه إشارات البكم، لكنه يتواصل بالاجتهاد في توصيل ما يري. في جيب قميصه يحمل ورقه ترافقه دوما، كتب أحدهم له ما قل ودل عن حالته "أنا إسلام عامر عندي ضمور في المخ لا أستطيع التكلم...". تغنيه تلك الورقة عن سؤال أي غريب يحاول فتح مجال للحديث معه بشكل طبيعي.

خلاف سعي إسلام للتواصل مع محيطه، بإشارات وصوت مكتوم يخرجه بصعوبة ليقترب مما يريد قوله، يُعين الشاب الثلاثيني، صديق وجار. محمد يملك محلًا مجاورًا، بحكم "العشرة" استطاع أن يكون أشبه بمترجم له، لكن أستاذة الفنون بعد دقائق من لقاء إسلام لم تحتاج إلى الصديق المترجم "معرفش تواصلنا إزاي يمكن عشان هو متصالح مع نفسه".

 

3

يعاني إسلام من الضمور في المخ منذ ولادته، كبر معه لكنه ما أراد أن يستسلم له، يؤذيه عدم الحركة، لذلك فرح حين خصصت له "الحكومة-كما يصف- كشكًا قرب المسجد المتواجد في المنطقة. أشياء بسيطة أخذ يبيعها "بسكوت.. كراميلة.."، إلى أن زاره الحزن "نقلوه للمكان ده" يقول محمد صديق إسلام مشيرا إلى الكشك الحالي المنزوي في آخر الطريق المُطل على البحر.

استمر إسلام في عمله، حتى وجد أن خسارته أكبر، خاصة أنه لا يحتكم إلا على 300 جنيه معاشًا من التضامن "كنت ببيع حاجات بربع أو نص جنيه"، لذلك قرر أن يغلق الكشك.

يشعر الشاب الثلاثيني بسعادة بالغة مع الرسم على الكشك، حتى أنه لازم التواجد حتى انهاء العمل "كنت أعدي أبص عليه وهو مترب وشكله وحش" يعبر إسلام عن حالته السابقة التي اختلفت بعدما بدله الرسم هيئة أخرى أدخلت على نفسه السرور.

تلك الفرحة انتقلت إلى جيهان "قلت هعمله الكشك كله حتى من جوه"، فتحت أستاذة الفنون الكشك بعد فترة الغلق الطويلة، بمعاونة بعض الشباب المشاركة في الملتقى نظفوا المكان ودهنوا رفوفه وجهزوه للبيع.

4

ورغم المشقة غير المرغوبة في البداية، غير أن الحماس تغلغل في روح جيهان لعودة إسلام للعمل. خلاف أيام الملتقى لا تعمل أستاذة الفنون في الشارع، لكنها مع اكتمال الحلة الجديدة للكشك، نظرت إليه قائلة "هو ده الهدف.. أننا نحول شيء وحش لحاجة حلوة والفنانين تتواصل مع الناس ونقدم لهم خدمة"، في الوقت الذي دب الأمل في نفس إسلام ثانية لكسب الرزق بعرق جبينه، لا ينقصه في لحظة سعادته تلك سوى تحقيق أمنيته الكبرى بإيجاد علاج يعينه على الحركة بشكل أفضل، فلا يتعرقل في طريقه مرة أخرى.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان