بالصور- نهاية حلب لن تأتي.. قصة سوري يحفظ جمال المدينة المُدَمّرة
كتبت-رنا الجميعي:
تاريخ معمار وبشر يُحاول المحامي علاء السيد المُحافظة عليه من خلال مبادرة أهلية تُسمى "أرشيف حلب الوطني"، أطلق السيد الدعوة عام 2013، وهي نفس السنة التي أصبحت فيها المدينة القديمة على شفا الخطر بقائمة التراث العالمي لليونسكو المُدرجة بها، حلب الشهباء كما تُعرف نسبة إلى بياض تربتها وحجارتها، فقدت بهائها مع كل يوم تتزايد فيه وطأة الحرب الدائرة بسوريا.
بعد تضرر العديد من المكتبات العامة والخاصة من بينها المكتبة الوقفية بحلب، وجد السيد أنه لزامًا عليه توثيق تاريخ المدينة "أساس الفكرة أن تراث المدينة يحترق، وكان لابد من الإسراع بتحويله لديجيتال" يقول المُحامي لمصراوي، لذا قام بإنشاء صفحة على الفيسبوك باسم المُبادرة، وعمل السيد على رفع كل ما تطوله يداه على الانترنت خوفًا من تلفه. استعان بثلاثة شباب للعمل معه "ضلوا يشتغلوا حتى طلعت روحهم وطفشوا من البلد".
وثّق المشروع حوالي 185 فيلم تسجيلي عن حلب، تراوحت مُدتهم من عشرة دقائق وحتى الساعة "منها ما جمعناه ومنها ما أعدنا مونتاجه ومنها ما صورنا"، كما أنشئوا قناة على موقع اليوتيوب باسم المبادرة، وقاموا بمسح ورفع حوالي 220 كتاب عن حلب، تم تحويلهم لملفات "بي دي إف"، كذلك وثقوا حوالي مائة ألف صورة فوتوغرافية منذ عام 1885 وحتى عام 2010، هذا بالإضافة إلى توثيق وتحويل إلكتروني لعشرة آلاف وثيقة وجريدة وغيرها من أوراق رسمية تخص تاريخ المدينة.
عمل المشروع ضمن مجموعة تطوعية صغيرة، رغم ظروف الحرب والحصار، وانقطاع الكهرباء والمياه والانترنت، وبتمويل ذاتي محدود لثلاثة أعوام. أما الآن فالمبادرة في حالة توقف مؤقت ، غير أن السيد يُطلّ من خلال صفحة فيسبوك على المتابعين الذين تجاوز عددهم 37 ألف، يُصبّح ويُمسي من مسكنه بحلب الغربية بصور لشوارع المدينة وهي بكامل رونقها.
أطلق الأرشيف دعوة لكافة أبناء وفعاليات المدينة من المهتمين بتراثها، والساعين لحفظ تراث حلب، للمشاركة بإثراء الأرشيف، تمكّن السيد من دخول أقبية وأسقف البيوت للوصول إلى المجموعات الشخصية المتوارثة التي تحتفظ بها العائلات الكبيرة. وجد المحامي صعوبة أحيانًا في اقناع الأهالي "غالبًا لا يوافقون بإخراج الأوراق وأقوم بتوثيقها داخل المنازل وأعطيهم بالنهاية نسخة ديجيتال مع أي نسخة أخرى تهمهم من الأرشيف".
من بين ما عثر عليه السيد أعداد كاملة لجريدة يومية حلبية، صدرت بمطلع الثلاثينيات من القرن العشرين، واستمرت عشرة أعوام "احتفظ حفيد صاحب الجريدة بكامل الأعداد وهي الوحيدة الباقية". يؤمن المُحامي أن عليه جمع كل ما له علاقة بماضي وحاضر حلب، تتولّد لديه حسرة من فقد المدينة لتاريخها "كلنا معرضون للتدمير حتى هاردات الديجيتال".
بشكل أو بآخر يعمل السيد كحارس للتراث. بدأ شغف التوثيق لدى المحامي منذ عام 2005، وفي إطار إعداده لكتاب عن تاريخ حلب مطلع القرن العشرين، اهتمّ بجمع الوثائق والجرائد . كان يذهب للمكتبة الوطنية برفقة آلة الكاميرا، ليصور آلاف الصحف المحلية بدءًا من عام 1881، "كنت أقدم لإدارة المكتبة نسخة وأحتفظ بنسخة".
بعدها انتقل لجمع الصور القديمة من المجموعات المنزلية، فتشكل لديه أرشيف هائل من بينه صور أصلية، وكانت المجموعة الأهم- بحسب السيد- هي صور الأخوين "وتار"، الذين صوروا كامل المدينة مطلع القرن، وأصدر المحامي كتابه الأول، عام 2010، بعنوان "تاريخ حلب المصور – أواخر العهد العثماني"، احتوى الكتاب على 300 صورة نادرة، وحاز على جائزة الإبداع الفكري، فئة أفضل كتاب عن المدينة، من مجلس مدينة حلب، عام 2011.
من بين ما حوّله السيد على صفحة الأرشيف، دفاتر مدرسية لتلميذ حلبي عام 1900، كما نشر سجلات المحاكم الحلبية منذ عام 1546، وهناك وثائق القاضي سعد زغلول الكواكبي، حفيد المفكر عبد الرحمن الكواكبي، كذلك عرض صور عديدة متعلقة بالمناطق التاريخية والحارات والمدارس والكنائس، والطوابع السورية، والمطبخ الحلبي.
يؤمن السيد أن تاريخ المدينة من حق أي مواطن، يرفض احتكار النخبة للاهتمام بالتاريخ، لذا فإنه يحاول من خلال أرشيف الحلب الوطني، أن يمتلك الناس جميعهم مرجع شامل "مع الإشارة دومًا إلى مصدر الصور، حتي يُسهل للمهتم البحث، فالصفحة ليست أرشيفي فقط".
طالما فُتن السيد بحلب، يتذكر جولاته بالمدينة أيام الجمعة للتعرف على حاراتها وجوامعها وكنائسها، يُقيم حاليا بحلب الغربية مع أسرته، بالقرب من خطوط التماس مع الريف المحيط، وهي منطقة اشتباكات عسكرية مستمرة، لا يرغب السيد مُطلقًا بمغادرة المدينة، فقلبه مُعلق بها، كما أنه يثق أن وجوده هو وعائلته وسعادتهم مرتبطة بالاستمرار بالعيش في بيئتهم، دون الوقوع في خوف تعريضهم لمواجهة مجتمع آخر مختلف.
يتمنى السيد أن يكبر المشروع، رغم انعدام الإمكانيات البشرية والمادية بالوقت الحالي، ورُغم أن مسألة الأحلام صعبة لما يمر به الواقع في الحلب، إلا أن حارس التراث مازال يحلم "أحلامي بحجم المدينة وبقدر ما هي كبيرة، فهي منهكة أيضًا".
بالنسبة للسيد فإن أجمل المناطق بحلب، هو قلبها؛ الأسواق القديمة المسقوفة، التي تُسمى "أسواق المدينة"، لكنها مُدمّرة ولم يستطع الوصول إليها سوى مؤخرًا، يتذكر رائحتها المميزة خاصة بسوق العطارين، ويذكر كيف كان يشاهد التاجر يُمارس التجارة بنفس الطريقة التي مارسها أجداد أجداده، تلك الرائحة التي انتهت الآن، وصار طعمها "دخان وبارود".
فيديو قد يعجبك: