بالصور: صناعة الغزل من الصوف الطبيعي.. مهنة تواجه الاندثار
كتب- محمد زكريا:
تصوير- كريم أحمد:
يمر القطاع السياحي بأزمة كبيرة؛ نظرا للظروف السياسية والأمنية التي تعترض البلاد منذ 6 سنوات. كما التخبط الذي يعانيه الاقتصاد المصري ككل. وكان لصناعة الغزل من الصوف الطبيعي نصيب من هذا التخبط؛ لاعتمادها بشكل كبير على السياحة الأجنبية، وتصدير منتجاتها للخارج. هو ما دفع أصحاب المشاغل والمصانع الصغيرة التفكير الجدي في هجر المهنة التي امتهنها أجدادهم لعقود طويلة؛ لانخفاض الطلب على منتجاتهم اليدوية. حال سعيد الخلال صاحب مصنع صوف بمدينه فوه بمحافظة كفر الشيخ.
بعد أن أتم "الخلال" دراسته الجامعية، شرع في حساب خطواته المستقبلية، وكانت أولى تحركاته البحث عن وظيفة، بعد طول انتظار التعيينات الحكومية التي لم تأتي في النهاية، قبل أن يهديه السبيل إلى صناعة الغزل من الصوف الطبيعي "مهنة أبويا وجدي". وكانت البداية بالعام 1996 برفقة أحد الأصدقاء "كان في سياحة وشغلانة الغزل مزدهرة ساعتها.. والمنتجات القطنية والصوفية 100% مطلب أوروبي وطلب عالمي خصوصا بعد ما ثُبت أن البتروكيماويات بتجيب أمراض زي الحساسية وغيرها.. فأجرنا مكان أنا وصاحبي وقولنا نشتغل".
لما يزيد عن 20 عاما ظل "الخلال" يداوب على العمل بصناعة الغزل، ينتظر جمع الصوف من الماشية "بيقصوا الشعر بتاع الغنم عشان يرمي لحم.. وبيجي في شهر 3 بعد أمشير وبيتسمى صوف ربيعي.. وفي أصة تانية في شهر 8.. وبيتجمع الصوف على مستوى الجمهورية ويجي بلد زي فوه"، ثم يلتقطه "الخلال" بمشغله لإعادة تصنيعه لخيوط، بعدها يتم صبغه، ويتم تشغيله في الأنوال اليدوية ومصانع السجاد "مصانع السجاد الكبيرة كانوا بيستلموا مننا الغزول"، حتى يصل المنتج إلى شكله النهائي "منتجات كتير زي الكريم اليدوي والكليم والسجاد"، وفي النهاية يتم بيعه للسائحين المتواجدين بمصر "الأجنبي اللي بيجي مصر لازم ياخد منتج صوف 100%"، ويتم تصدير البعض الأخر للخارج "السجاد المصري مطلوب في أوروبا وأمريكا". قبل أن يتبدل الحال تماما قبل 6 سنوات.
"السياحة شبه اتعطلت وبقى يجيلنا 5% من الطلبات اللي كانت بتجيلنا قبل الثورة".. يحكي ابن مدينة فوه عن معاناة يتلقاها أصحاب مشاغل الغزل اليدوية نتيجة لتدهور القطاع السياحي منذ العام 2011، ويسترسل في الحديث عن وفرة أنتاج المشاغل والمصانع من الخيوط دون توافر أي طلب عليها "مش عارفين نوديه فين.. البزار اللي كان بيعرض 80% من المنتجات صوف مبقاش بيعرض 5% حتى خصوصا بعد ما السياح الأوكران والروس وبتوع شرق أوروبا مبقوش يجوا مصر"، هو ما أصاب صناعة الغزل اليدوية بحالة من التدهور، دون أن يلقى أربابها أي من أشكال الدعم الحكومي أو غيره.
"إحنا مش عايزين فلوس" يقول "الخلال"، "الدولة بتقول هنهتم بالصناعات الصغيرة طيب ما أنا دلوقتي صناعات صغيرة".. يستنكر ابن محافظة كفر الشيخ التعامل الحكومي مع أصحاب المشروعات الصغيرة "بيبعتلي وصلات الكهربا والمياه والتأمينات على إني مصنع.. وأنت شايف أنا يعتبر مشغل 250 متر"، غير أنه يفرق بين "إنك تديني فلوس ويبقى عجز عليك في الميزانية، وإنك تدعمني وتخف عليا الرسوم.. إنما تعاملني زي أي منشأة صناعية كبيرة حرام"، مستشهدا بتجربة بعض الدول الشرق أسيوية في دعم صناعاتها اليدوية "الدول اللي بيسموها النمور، دعمت مصانع الغزل، ومفرضتش عليهم ضرايب، لأنه منتج مطلوب في أمريكا، ونفستنا كمنتج مصري".
الصبر "بندعي أن ربنا يفرجها"، الأمل أن تتحسن الأوضاع؛ هما دافع "الخلال" في الاستمرار بالعمل في السنوات الأخيرة "بتمنى أن مهنة أبويا وجدي تعيش"، رغم أن "60% من 70 مصنع في فوه والقرى اللي حواليها خصوصا مدينة السالمية غيروا النشاط" حسب "الخلال"، غير أن تتدهور الأوضاع بشكل متزايد يثير قلق الرجل الأربعيني "بعد تطبيق القيمة المضافة وارتفاع الاسعار وزيادة التأمينات الوضع هيبقى صعب"، خصوصا بعدما قرر أغلب العمال المهرة ترك الحرفة اليدوية والبحث عن عمل أخر "العمال سابت الشغلانة ودلوقتي اللي راكب توكتوك واللي اشتغل في سوبر ماركت.. وفي منهم فنانين يرسمك وأنت قاعد على النول لكن دلوقتي بيشيل ظلط ورمل.. لكن في منهم عنده أمل أنه يرجع يشتغل تاني لو السياحة رجعت تاني" قبل أن يولي وجهه ناحية الباقي القليل من عمال مشغله الخاص "طيب أنا معايا قرشين أقدر أتصرف لكن الغلابة دول هيعملوا أيه".
قبل عيد الأضحى المبارك، اجتمع "الخلال" مع بعض أصحاب مصانع الغزل بمحافظة كفر الشيخ، يتبادلون الأحاديث حول مستقبل المهنة التي تعرضت لخطر الاندثار مع تدهور القطاع السياحي "كان التفكير أن المصانع كلها تقفل"، يقترح أحدهم مشروعات ذي جدوى اقتصادية أعلى، بينما يرفض أخر بدعوى التمسك برسالة حمل مهنة الأجداد للأبناء، فيما يتحسر سعيد الخلال بعد أن بادر ذهنه حديث دار بينه وولده الذي رفض العمل معه بورشتهم الخاصة للغزل "ابني قالي شغلنتكم دي انتهت أنا افكر في مشروع اعمله بعد ما اتخرج وربنا معايا بقى".
فيديو قد يعجبك: