إعلان

في الذكرى الـ34.. جولة بين أنقاض صبرا وشاتيلا

10:28 م الجمعة 16 سبتمبر 2016

أنقاض صبرا وشاتيلا

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتب - مصطفى ياقوت:
تُهدهد الأم الثكلى لذويها، طفلها الرضيع، بعد أن ألقمته ثديها في ظُلمة الليل التي ألفوها، داخل مخيم صبرا للاجئين الفلسطينيين.. تُشفق على نفسها وأقرانها من وحشة الشتات، الذي خلفته حالة الحرب، وأجبرتهم على قصد لبنان، تحت حراسة مشددة من الجيش الإسرائيلي.

دقائق قليلة تأملت فيها حلوك السماء، والتدبر فيما آلت إليه شئونها، ومناجاة المولى بيسر الحال وتحسنه، قبل أن تُنير السماء قنابل ضوئية أطلقتها عناصر مسلحة، مهدت الطريق أمام عناصر حزب الكتائب اللبناني، وجيش لبنان الجنوبي، والجيش الإسرائيلي؛ لاقتناص أرواح أكثر من 3000 فلسطينيًا، وتحويل ليل 16 سبتمبر 1982، لذكرى واحدة من أبشع مجازر العصر الحديث.

لم يسمع قاطني مخيمي صبرا وشاتيلا (جنوب بيروت)، طيلة ثلاثة ليال سوى دوي الرصاص يحصد حيواتهم، والخناجر تنخر في عظام الرضع وتبقر بطون النساء وتقطع رقاب الرجال.

أصوات محركات الدبابات والآليات العسكرية لثلاث فرق مسلحة، أضحت تحيط بأطراف المخيمين، وتُجثم بحصارها على أنفاس العُزل، بداعي وجود 1500 مسلحًا فلسطينيًا داخل المخيم، قبل أن تبدأ عمليات التصفية الجسدية، التي خضبت أراضي لبنان بالدماء، وأنبتت أشلاءً محل الزروع.

الضربات الغادرة هدفت لبث الرعب في نفوس الفلسطينيين ودفعتهم للهجرة خارج لبنان، واستكمال الضربة التي وجهها الاجتياح الإسرائيلي عام 1982 للوجود الفلسطيني في لبنان، حيث سبقها اتفاق بوقف إطلاق النار بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، وانسحاب مقاتلي المنظمة مقابل التعهد بحماية المخيمات واللاجئين في لبنان، وعدم دخول الجيش الإسرائيلي لبيروت مع نشر قوات متعددة الجنسيات لضمان تنفيذ الاتفاق، بينما استمرت القوات المعتدية بالتمهيد للمجزرة خلال يومي 13 و14 من الشهر نفسه، بحصار مخيمات اللجوء الفلسطينية جميعها.

الخلاف المسلح بين القبائل المارونية اللبنانية والفصائل الفلسطينية، فتح الأبواب المغلقة أمام الكيان الصهيوني، لتجييشهم ضد أبناء العروبة الواحدة، خاصة بعد اغتيال الرئيس اللبناني المنتخب -بمباركة إسرائيلية- بشير الجميل، في 14 سبتمبر.

أصابع الاتهام التي وجهها المجتمع الدولي لإسرائيل، دفعت الحكومة الإسرائيلية لتوجيه المحكمة العليا بتشكيل لجنة تحقيق خاصة، وقرر رئيس المحكمة العليا، إسحاق كاهان، أن يرأس اللجنة بنفسه، حيث سميت "لجنة كاهان".

في 7 فبراير 1983 أعلنت اللجنة نتائج البحث وقررت أن وزير الدفاع الإسرائيلي أرئيل شارون يحمل مسؤولية مباشرة عن المذبحة إذ تجاهل إمكانية وقوعها، ولم يسع للحيلولة دونها. كذلك انتقدت اللجنة رئيس الوزراء مناحيم بيغن، وزير الخارجية إسحاق شامير، رئيس أركان الجيش رفائيل ايتان وقادة المخابرات، قائلةً إنهم لم يقوموا بما يكفي للحيلولة دون المذبحة أو لإيقافها حينما بدأت. رفض أريئيل شارون قرار اللجنة ولكنه استقال من منصب وزير الدفاع عندما تكثفت الضغوط عليه.

الجناة وقادتهم لم يقدموا إلى أي مُحاكمة ولم يعاقبوا حتى الآن، بينما نال القصاص المسلح من اللبناني "إيلي حبيقة"، مسؤول مليشيات حزب الكتائب آنذاك، والذي لقي حتفه بتفجير سيارة مفخخة ببيروت عام 2002، بعد أن خلصت لجنة "كاهان" إلى تحمله المسئولية كذلك عن المذبحة.

طول الوقت لم يكن شفيعًا لطمس لون الدماء من مخيلة أهل فلسطين، الذين دأبوا على إحياء الذكرى سنويًا، وفي الذكرى الـ 34 التي تزامن اليوم الجمعة، أقدم مئات النشطاء الفلسطينيين واللبنانيين على الخروج بمسيرات تجوب أرجاء المخيمين، تقدمها مسؤولون في أحزاب لبنانية وفلسطينية، وشارك فيها ناشطون أجانب وأفراد من عائلات الضحايا، مُطالبين المجتمع الدولي بالقصاص لدماء ذويهم.

اكتفى قادة العرب طوال الثلاثة بترديد كلمات الاستنكار، وإعادة صياغة عبارات الشجب والتنديد، ولم يبق للمضارين من مذبحة صبرا وشاتيلا سوى قصيدة حزينة مسطورة بدماء أطفال وأد الرصاص صراخهم، ونسجها الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش، أحد شهود العيان على الواقعة، في قصيدته "مديح الظل العالي"، بكلماته:

صبرا ـ تنام. وخنجر الفاشيّ يصحو
صبرا تنادي.. مَن تنادي
كلّ هذا الليل لي، والليلُ ملح
يقطع الفاشيّ ثدييها ـ يقلّ الليل ـ
يرقص حول خنجره ويلعقه. يغني لانتصار الأرز موّالاً،
ويمحو
في هدوءٍ.. في هدوءٍ لحمَها عن عظْمها
ويمدّد الأعضاء فوق الطاولة
ويواصل الفاشيّ رقصته ويضحك للعيون المائلة
ويُجَنُّ من فرح وصبرا لم تعد جسداً:
يُركِّبها كما شاءت غرائزه، وتصنعها مشيئته.
ويسرق خاتماً من لحمها، ويعود من دمها إلى مرآته
ويكون ـ بحر
ويكون ـ بر
ويكون ـ غيم
ويكون ـ دمٌ
ويكون ـ ليل
ويكون ـ قتل
ويكون ـ سبت
وتكون ـ صبرا.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان