أحمد الدريني يكتب- الشيخ أحمد.. زنزانة العريس الراديكالي
بقلم- أحمد الدريني:
فور خروج الشيخ أحمد من المعتقل قبل نحو 10 سنوات، شرعت أسرته في انتقاء زوجة جديدة له تكمل معه حياته التي يعيد اكتشاف ملامحها بعدما تخطى الأربعين بنحو خمس أو ست سنين.
اثنا عشر عامًا قضاها في معتقلات مبارك، أنسته كيف هو العالم خارج أسوار المعتقل.
كان يسمع عن الأطباق اللاقطة التي أصبحت شائعة الاستخدام ودخلت كل بيت بعدما كان شراؤها مقصورًا على المترفين في بداية التسعينيات، كذلك كان يتمنى أن يقتني "موبايل"، فيما كانت الأحاديث عن الإنترنت تلهب خياله المكبوت داخل الزنازين.
جسمه ضخم، بشرته بيضاء فيها شيء من الحمرة، يتحرك بصعوبة نوعية لا تعرف إن كانت من ثقل الوزن أم من اضطراب السير في وسط البلد بكل زحمتها وزخمها بعدما كان سيره في طوابير.
في ملامحه الفظة وفي جثمانه المهول وفي تاريخه كرجل متطرف ينتمي لجماعة مسلحة ذعرٌ بادٍ لا يمكن أن تتجاهله.
لا تعرف كيف يرتسم الخوف على الملامح هكذا فينطبع على كل شيء (رفة الجفن، زيغ العينين، اضطراب المشية، اهتزازة الجسد ككل).
قرروا تزويج أحمد بثانية بعدما هجرته الأولى بإيعاز من أمن الدولة!
جاءوا له بسيدة منتقبة، سبق أن تزوجت وطٌلقت، أو مات زوجها أو لم تتزوج أصلا أو كانت بنتًا ولم أفهم، المهم أنها منتقبة من هذا الطراز الذي ينتمي لعالم أحمد ولا تدركه كبشر له تفصيلاته الإنسانية الواسعة بمقدار ما ينطبع في ذهنك "معطى عام" تقذفه صورة نمطية بعينها في صدرك جملة واحدة.
ذهبوا ليتفحصوا شقة مع أحد السماسرة لعلها تصلح أن تكون عشًا للزوجية.
كانت المساحة 30 مترًا فقط!
دخلت الزوجة فاستاءت وانقبضت ملامحها، في حين استبشر أحمد وتهلل وقال: ما شاء الله ما شاء الله واسعة جدًا!
هنا التفت حاضرو المشهد أن الشيخ أحمد يقارن مساحة الشقة بما اعتاد عليه من مساحة الزنازين مقسومة على عدد الأفراد الذين يستخدمونها.
وهنا أدرك الحاضرون أن أحمد سيظل لفترة طويلة محتجزًا في ذكريات المعتقل ومعاييره الحسابية في الحياة.
لما تزوج الرجل الأربعيني المضطرب، كان ينادي بعدما ينتهي من تناول وجباته الغذائية: (حد في الحمام؟)..
في كل مرة ينادي بنفس الاستكشاف وذات الظن أنه ربما كان أحدهم هناك بالداخل.
تقول له زوجته: نعيش بمفردنا فمن الذي عساه أن يكون بالداخل؟
عاش الشيخ أحمد فترة طويلة من الزمن وهو يتعامل مع كل شيء بمعايير المعتقل.
كنت أتابع قصته بشغف لا يهدأ، وأتقصى أخباره من طرف خفي.
وأسأل نفسي منذ نحو عشر سنوات: هل اعتاد معاييرنا أم مازال محتجزًا هناك؟
ومن كثرة ما شغلني الرجل وزنزانته الوهمية المرتسمة حواليه أينما ارتحل، كنت أحس أنني أريد أن ألتقيه ثم أحطم القيد الوهمي الذي يهيمن عليه، فهذه روح مسجونة وجسد طليق.
تابع باقي موضوعات الملف:
1- بعد الإفراج.. محمود يحيى: بقيت أعرف أبص للسما.. والسجن غير اللي بيجي ف التليفزيون
2- "صلاح" و"عبد الخالق".. توأم حمل السجن إلى الحياة
3- ستة أشهر داخل "مركز الكفار".. ما فعله السجن بـ"طه"
4- ياسين "سجين سياسي": اللي عاش عمره "سجن وضرب" صعب يتعود على الحياة الطبيعية
5- المجلس الدولي العربي لحقوق الإنسان: التطرف والجنون مصير السجناء بعد خروجهم (حوار)
6- "العرابي" بعد السجن.. مايزال حبيس عنبر "ج" في طرة
7- مساجين برة الزنزانة.. الحياة "عنبر" كبير (ملف خاص)
فيديو قد يعجبك: