عم سيد.. "زمن اللعب راح" وبقت ذكريات "الحرفنة"
كتب- محمد مهدي:
داخل غرفته الصغيرة، يُتمم "سيد حنفي" على ملابسه الرياضية الجديدة، تي شيرت وشورت مدون عليهما رقم 10، اشتراهما قبل ساعات من أحد المحال الكبيرة في ميدان الجيزة، بعد أن أعلن التلفزيون أن غدا-أحد أيام الثمانينات- غرة شهر رمضان الكريم، دقائق وحضر إلى منزله ضيف، واحد من هؤلاء الذين يقدرون موهبته ولمساته السحرية في الملعب، جاء للاتفاق معه على اللعب مع فرقته خلال إحدى الدورات الرمضانية، مقابل إعفائه من دفع اشتراك الدورة، والحصول على مبلغ جيد "الدورات الرمضانية زمان كانت موسم للحريفة.. وبأخد في الدورة 50 جنيه عشان أشارك وأكَسِب الفرقة" يقولها عم سيد متذكرًا سنوات الشباب.
الدورات الرمضانية تُعلن قبل شهر رمضان بعدة أيام من قِبل نادي الطلبية الرياضي بالجيزة، كل فريق مكون من 7 لاعبين، اشتراك الفرد نحو 10 جنيهات، يختص النادي بتنظيم الدورة وتحديد جدول المباريات وأسماء الحُكام، ومن يصل إلى الأدوار النهائية أو يحصل على البطولة يقتنص مكافأة مالية كبيرة، وهي فرصة جيدة لظهور النجوم القدامى والجُدد، وتحديد بورصة اللاعبين من قِبل الكشافين والمهرولين وراء "الحريفة"، وكان "سيد" وقتها واحد من المهاجمين الكبار في عالم الكُرة الشراب، يُعرف عنه إجادته لفنون استلام الكرة والمراوغة، والعلاقة الحميمية بين قدميه وشباك الخصم، هو لاعب لا يخطئ تصويبه، ولا يمكن إيقافه.
يبتسم "عم سيد" الرجل الخمسيني- الآن- عندما يعاود سيرة ليالي الحرفنة، حينما كان يترك كل شيء في شهر رمضان ويتفرغ فقط للعب الكرة "كنت مطلوب من أكتر من نادي، بطلع من ماتش لماتش فمفيش وقت لحاجة تاني"، يحرص على الذهاب قبل المباريات بوقت كاف، يرتدي ملابسه كاملة، ينزل إلى أرض الملعب للقيام بعمليات إحماء بدائية، يداعب الكرة الشراب، صديقته ومعشوقته "بنعملها من سفنجة بنلقها بخيط ونغرقها في الكُلة ونسيبها شوية وبعدين نلعب بيها.. كانت عجب".
يلعب "سيد" في الدورات الرياضية بالأندية وأخرى ينظمها عشاق اللعبة في أية قطعة أرض خالية، حجرين يصنعان مرمى، وخطوط بيضاء تفصل حدود الملعب الصغير عن الجماهير، والحكم شخص لديه معرفة بقوانين اللعبة جيدا ومشهور عنه النزاهة، وفيما تختلف المناطق والأرض واللاعبين والحكام في كل مرة لكن هناك عامل مشترك وحيد في كل الدورات التي خاضها اللاعب الساحر، أنه يلعب حافيا، يحب هذا، يستمتع به، ولا ترتاح أقدامه أبدًا داخل الأحذية العادية أو الرياضية "روحت مرة قدمت في النادي الزمالك كنت صاروخ وأنا حافي.. ولما لبست الكوتشي الدنيا باظت فمكملتش".
تنويه: صورة من فيلم "الحريف"
شهرة "سيد" الذي لُقب من الجماهير وقتها في منطقته باسم "زيكو" نسبة إلى اللاعب البرازيلي الشهير، جعلته محط الأنظار من المنافسين، وكثيرا ما تعرض للتهديد قبل المباريات من أجل اللعب بمستوى سيء أو الانسحاب من فريقه، لكنه كان يرفض، لأنه يحب الكرة "كل ماتش يسلطوا عليا لاعب عشان اتصاب وأطلع برة الماتش"، كان يفهم ذلك جيدًا، يتعامل معه بذكاء على أرض الملعب ولا يلتحم مع أحد من المنافسين "بس في أكتر من مرة اتصابت جامد ومقدرتش أكمل".
بعد سنوات انشغل عم سيد مع تصاريف القدر، ترك لعب الكرة، انغمس في مسؤوليات الأسرة والبيت، يعاوده الحنين من وقت إلى أخر لأجواء المباريات، وهتاف الجماهير باسمه، ونشوة إحراز هدف، لكن العمر تغير والزمن أيضًا، انتهى عصر "الحريفة"، اختفى الكشافون الباحثون عن اللاعبين المهرة، واسُتبدل اللعب في الحارات والشوارع بالأندية التي كما يقول لا تمتلك رؤية لاختيار ملوك المهارة، كما أن الدورات الرمضانية صار لها شأن أخر لا يعلم عنه شيء فما يزال قلبه ملتحف بذكريات الماضي الحلوة.
فيديو قد يعجبك: