الأهالي يروون لمصراوي ساعات الرعب والدم في "إرهاب حلوان"
كتب- إشراق أحمد ومحمد مهدي:
أمام معرض للسيارات بشارع عمرو بن عبدالعزيز في حلوان، جلس صاحب المعرض برفقة عدد من أصدقائه، يكسرون ملل الدقائق الأولى من منتصف الليل بالأحاديث الخاصة والعامة، في الجانب المقابل وقفت سيارة أجره تابعة لمباحث حلوان، خرج منها أحد أفراد المباحث مداعبًا زميلهم القادم نحوهم لتأخره عليهم، لم يهتم أحد، وجود القوة الأمنية اعتيادي في ذلك التوقيت، غير أن صوت ملحوظ لفرملة سيارة ربع نقل لفت انتباههم، انتفضوا حينما رأوا 3 أشخاص يخرجون من عربتها الخلفية من أسفل غطاء محملين بأسلحة آلية، يوجهونها بهدوء تام ناحية سيارة الشرطة، لتبدأ ساعات الرعب والدم.
قائد السيارة التابعة للأمن كان أول المستهدفين من قِبل الثلاثة الملثمين، قبل أن يوزعوا أنفسهم على جانبي السيارة، واحد من الجانب الأيمن وآخرين للجانب الأيسر، أمطروا القوة الأمنية المكونة من ضابط و7 أمناء بالنيران بهدوء المتمكنين "قلبهم كان ميت" كما قال "خالد"، لم يتوقفوا عن الهتاف بـ "الله أكبر" خلال جريمتهم، وبعد التأكد من قتل الجميع تولى اثنين توقيف الطريق من الناحتين، صائحين في أصحاب السيارات بالعودة إلى الخلف.
كانت الساعة قد تجاوزت منتصف الليل بدقائق، حين خرج محمد طلعت من شرفة منزله، المطل على الشارع الرئيسي، والذي يبعد أمتار عن الواقعة، ليتبين صوت إطلاق الرصاص، فأبصر حركة مرتبكة للسيارات "لقيت العربيات بترجع بسرعة شديدة"، حتى أن إحداها فقدت الهدى واصطدمت بالرصيف "السواق نزل في الدواسة"، فيما لمح عربة ربع نقل بيضاء تمرق، على متنها أحدهم يحمل سلاح آلي، تنطلق منه الرصاصات في الهواء.
علم "طلعت" بالتفاصيل الكاملة للواقعة عبر التليفزيون، حين لملم تفاصيلها عبر زملائه، صباح اليوم، بعد أن توجه كعادته للعمل بسيارته التاكسي الملاكي، بالموقف قرب مستشفى النصر، ليكتشف أن ضحايا الأمن، مَن اعتاد رؤيتهم في سيارة المباحث المعروف لأهالي المنطقة "بنشوفها في اليوم أكتر من مرة بينزل منها معاون المباحث بيشوف رخص ده أو بطاقة ده".
عمر بن عبد العزيز شارع رئيسي، به حارتين للسيارات، إحداها للذهاب وأخرى للعودة، ينفي "طلعت" وجود كمين ثابت بالمنطقة كما تردد، فيما يؤكد معرفة أهالي المنطقة بسيارة دورية المباحث البيضاء ذات الزجاج الغامق والإطار الأمامي الأسود، فتلك السيارة ذات اللوحة المرورية الحاملة لأرقام مدنية "ملاكي"، مخصصة للقسم، وكانت قبل نحو ثلاثة أشهر دون لوحة معدنية، كما يقول "طلعت".
دب الذعر في محيط الشارع الرئيسي، ما لبث أن اقترب أحد من نافذة أو شرفة المنزل، حتى غاص منبطحا سريعا، إذ وقف الأشخاص الثلاثة شاهري السلاح في وجه السكان، ممن حاولوا رؤية ما يحدث، مطلقين النار قرب العقارات كما تقول "رنا"، التي كان الأمر بالنسبة لها أشبه بـ"فيلم أكشن".
أخذت الفتاة تتلصص من وراء النافذة الواقعة بالطابق الأرضي، ظنت ذات الـ15 عاما في بادئ الأمر، أن الصوت نتيجة إطلاق صواريخ في زفاف بالنادي المقابل لهم، قبل أن ترى شخص ممتلئ الجسد، يرتدي قميص أسود، وبنطال "جينز"، يحمل سلاح آلي، أطلق ضربة في الهواء، ثم تناوب الطلقات صوب الشرفات "عشان محدش يصور"، نافيا رؤيتها لأي أعلام أو سماعها صياح بالتكبير، كما تردد.
ما لبثت أن فرت سيارة المسلحين، حتى تجمهر أهالي شارع عمر بن عبد العزيز، صوب المسجد الحامل لاسم الشارع، حيث جثث أفراد الأمن، الغارقة بالدماء في الميكروباص، الواقف أمام الشجرة المقابلة للمسجد. صراخ دوى المكان، بينما يتقدم صاحب معرض السيارات صوب الضحايا "لقيت العربية كلها متخرمة، وكل اللي فيها مشوهين"، دمعت عينا الرجل الخمسيني، متذكرا أمين الشرطة، الذي لفظ نفسه الأخير، فور محاولته أن يعدل رأسه "طلع رغاوي من بقه ومات.. الغريبة إن زميلهم اللي كانوا مستنينه كأنه فص ملح وداب".
خلا الشارع الرئيسي بحارتيه، من وجود لأي كاميرات مراقبة، ربما رصدت ما حدث، إلا تلك المتواجدة ببرج مراقبة المبنى التابع لهيئة التصنيع، الخاص بالعيادات الخارجية لشؤون العاملين وأسرهم، يتواجد به أحد مجندين الجيش، يؤكد أهالي المنطقة، تواجده على مدار الساعة.
على الرصيف المقابل لمبنى هيئةالتصنيع، يقع مستشفى النصر حلوان، التابع لهيئة التأمين الصحي، إليه توجه الضحايا، الذين بدأ توافدهم في تمام الثانية عشر من منتصف الليل، كما سجلت دفاتر وحدة طوارئ المستشفى، وحتى تمام الواحدة و40 دقيقة، "كلهم كانوا ميتين" قال أحمد عبد الحليم موظف تسجيل استقبال المستشفى، الذي صاحب الضحايا، منذ وجودهم بالميكروباص، حيث أبصر تجمهر الناس حول السيارة، إذ توجه مثلهم ليستطلع ما يحدث.
صدمة أصابت الجميع، ألزمتهم الصمت، كما وصف "عبد الحليم"، اصطف الأطباء لاستقبال الحالات دون جدوى، حتى محاولة انعاش قلب الأمين أحمد مرزوق بيومي، الوحيد الذي بدا به بعض النفس باءت بالفشل، وتولى التمريض فقط إزالة الدماء عن الجثامين.
4 مشجوجي الرأس، والبقية اخترق الرصاص منطقة الرأس والرقبة، بينهم مَن تلقى 7 رصاصات بالصدر، كما قال طارق طرباي مدير مستشفى النصر حلوان عن حالات أفراد الأمن الثمانية، الذين تم استقبالهم، قبل أن يتوجهوا في السابعة والنصف صباحا لمشرحة زينهم.
لم يشهد المشفى حادث مماثل طيلة الأعوام الأخيرة، إلا في أغسطس 2013، حين تم الاعتداء على قسم حلوان "استقبلنا 115 حالة ما بين مدنيين وشرطة" حسب قول "طرباي".
عادت حركة المرور إلى شارع عمر بن العزيز صباح اليوم، بعد أن قامت قوات الأمن بتمشيط المنطقة، ومع السابعة صباحا حين وفد "طلعت" –سائق التاكسي- لم يكن هناك أثرا لشيء من الواقعة، إلا أحاديث جانبية بين أهالي المنطقة، يتبادلون بها فجيعة ليلة أمس، ما بين أصوات تئن للدماء المهدرة، وأخرى تتساءل "لما الأمن بيحصل فيه كده أومال الشعب يحصل فيه إيه؟".
فيديو قد يعجبك: