بالفيديو والصور: إعلاميون بلا "إعلام".. كيف يقتل أبناء المهنة المصداقية؟ (تقرير)
كتبت-دعاء الفولي:
من شرق الأرض إلى غربها تطل الأحداث، ومعها تصبح التغطية الإعلامية كاشفة لمدى مهنية بعض الإعلاميين أو افتقاد آخرين لها، تبين أن الحد الفاصل بين السبق وانعدام الأخلاقيات ضعيف جدًا، وفيما يدافع العالم في الثالث من مايو عن حرية الصحافة، وسلامة أبناء المهنة، ثمة عاملون بالإعلام يبتعدون عمّا هو مفروض خلال التغطية، حتى أن بعض القنوات تُسخر جهدها لتغيير الحقائق بما يتناسب مع مصالحها. بين الأمثلة العالمية والعربية والمصرية، يحاول مصراوي رصد بعض الأخطاء، لمعرفة كيف يُخرب بعض أبناء الإعلام مهنتهم.
27 إبريل الماضي، نشرت المذيعة السورية، كنانة علوش صورًا لها خلال زيارتها للجزء الغربي من مدينة حلب، إذ يظهر خلفها جثث لمسلحي المعارضة قُتلوا على يد الجيش النظامي، وأثارت الصور استياء الكثيرين على مواقع التواصل الاجتماعي. ترى مذيعة قناة سما أنها لم تخطئ، حيث صرّحت لموقع مصراوي أن "كل الناس والعالم يلي وقفوا ضدي منشان الصورة هدول إرهابين وتكفيرين وخونة للبلد".
منذ أربع سنوات، ذهبت مذيعة قناة الدنيا، ميشلين عازر إلى مدينة داريا، عقب مجزرة ارتكبتها قوّات النظام السوري، لتصور تقريرًا مع أشخاص –ضمنهم أطفال- اُصيبوا خلال القصف، وتسألهم عمّن فعل ذلك بهم، ورغم أن تلك الممارسات الإعلامية تفتح النار على أصحابها، إلا أن "علّوش" لم تندم على الصورة "أنا خريجة دمشق فلا أحد يعلمني المهنية الإعلامية فإعلامنا هو لفضح الناس المعارضين والوقوف ضد التكفيرين في كل العالم الذين يقفون ضد سيادة الرئيس بشار الأسد".
تلك المرة هي الثانية التي تقع بها "علوش" بأخطاء جسيمة، فقد التقطت صورًا لها من قبل مع مسلحين تم تصفيتهم على يد النظام في مدينة صلاح الدين، وشُنّت حملة أخرى ضدها، غير أن تكريم الرئيس السوري وزوجته لها كان الرد على ما قامت به، فما زادها ذلك إلا ثقة بما تفعل قائلة لمصراوي: "من هنا من حلب من قصر السيد الرئيس بشار الأسد أوجه رسالة للعالم أجمع إنا كل من يقف ضد بشار الأسد سيكون جزاءهم القتل والتدمير" .
ربما تطغى أزمات ما يحدث بسوريا على أداء البعض، فمع الحرب يُمسي كل شيء وارد، غير أنه في بلدان أخرى أكثر استقرارًا ثمة أخطاء وُصفت بـ"الكارثية"، منها ما وقعت به مذيعة قناة النهار المصرية، ريهام سعيد، في سبتمبر الماضي، حينما ظهرت وسط مخيم لاجئين سوريين، توزع عليهم بعض الملابس، ما بدا مُهينًا للشعب، بالإضافة لتكرارها كلمات الثناء على الجيش المصري لعدم وصول الحال المصريين كالسوريين، أو ما قام به مذيع قناة مصر الآن محمد ناصر، حين حرّض على قتل الضباط على الهواء بإحدى الحلقات، وما يفعله مذيع الجزيرة فيصل القاسم من طرد لبعض الضيوف المخالفين له.
تعتقد سهير عثمان، أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة، أن حالة الغضب التي تبعت مقطع ريهام سعيد، سببها الجماهير، تُراهن عثمان على وعي المشاهدين، الذين يفرقون بين الجيد والمخالف لأخلاق المهنة، موضحة أن وسائل التواصل الاجتماعي لها أكبر الأثر في إيقاف برنامج مذيعة النهار، فالقناة أوقفت البرنامج تحت ضغط الجمهور "أي قناة مالكها ذو مصالح فحتى لو المذيع اخطأ مهنيا لكنه يلبي تلك المصالح فلن يُحاسب"، إلا لو وقف له الجمهور والإعلاميون على حد سواء بالمرصاد.
ولعل هناك مثالا على ذلك يأتي في نبرة التحريض التي يصدرها بعض المذيعين، فالكاتب الصحفي مصطفى بكري، له مقطع يعود إلى ديسمبر الماضي، إذ علق خلال برنامجه "حقائق وأسرار" على فضائية صدى البلد، أن من سينزل للتظاهر في يناير 2016 "سيتم سحقه"، مستطردًا أن: "أي خائن هينزل في 25 يناير قبل ما الجيش يدخل إحنا هنكون خلصنا عليهم، لأننا مش هنسمح لأي مجرم إنه يشيع الفوضى في البلد"، كذلك تصدير فكرة "سعودية الجزيرتين" دون بحث الأمر تاريخيًا أو الحديث للخبراء، أمر وقع فيه العديد من الإعلاميين، منهم أحمد موسى.
ترى "عثمان" أن "بكري" أو غيره لا يتم إيقافهم لأنه لم يتم التكاتف بشكل كبير كما حدث قبلًا، ولأن لهم قاعدة جماهيرية ضخمة من جهة أخرى، ما يجعل العبء أكبر على الجهة التي تنظم عمل الإعلام في رصد من أغفل المصداقية، أو شهّر بمواطنين كما حدث مع المذيعة منى عراقي، في الواقعة المعروفة إعلاميًّا بـ"حمام باب البحر"، إذ أبلغت قوّات الأمن عن وكر للشذوذ الجنسي، فيما أدانت التحريات "عراقي" بعد ذلك، وأمرت بحبسها ستة أشهر لنشر أخبار كاذبة والسب والقذف.
بين حرية الإعلام والأخطاء الجسيمة، تقول نجلاء العمري، أستاذ الإعلام بالجامعة البريطانية، إن الجهة المنظمة تستطيع التعامل مع تلك الأخطاء "وفي مصر المنوط به هذا هو المجلس الأعلى للإعلام"، تعتقد العمري أن الإعلاميين المصريين-صحفيين وعاملين بالقنوات المرئية أو المسموعة- يعملون بمناخ حساس للغاية، فبعض الأخطاء المتعلقة بالتحريض أو التدليس يتم تبريرها بالحفاظ على "الأمن القومي"، وهو مصطلح فضفاض حسب وصف العمري "إذًا فيمكننا العودة للدستور والذي يكفل حرية تداول المعلومات وينظم الأمر"، لكنها تعتقد بنفس الوقت أن تطبيق القوانين غير مُفعل بمصر.
حين تُذكر حرية الإعلام، يكون الغرب هو النموذج الأمثل غالبًا، إلا أن العمري تقول "اعتقاد الناس أن الإعلام الغربي متحرر بشكل تام من السلطة هو وهم.. السلطة تحاول السيطرة على الإعلام في العالم كله"، غير أن الفرق يأتي من التجربة الديمقراطية نفسها، فكلما كان النظام أكثر حرية, كان هناك إتاحية للعودة عن الخطأ والاعتذار واهتمام الجهات المسئولة بمحاسبة الوسيلة حين الخروج عن النص الأخلاقي والمهني.
حرب العراق عام 2003، أظهرت إخفاق واضح في التغطية لقنوات مثل سي ان ان، إذ كانت تروج لقول الرئيس الأمريكي بوش، بوجود أسلحة دمار شامل في العراق، وقد اتضح كذب الإدعاءات فيما بعد، ولم تكن تلك الكارثة من نصيب قناة وحيدة، بل العديد من الوسائل الإعلامية بالولايات المتحدة، التي تجاهلت التمحيص في معلومات الرئاسة بدعوى الحرب على الإرهاب. حتى إن منظمة "مراسلون بلا حدود" قالت في تقريرها عام 2008، إن أمريكا استغلت إعلامها للترويج لما تريده، كما فعلت بحربي العراق وأفغانستان.
في تلك الحالة ثمة رقيبان على الصحفي؛ الرقيب الذاتي المتمثل في أمانته حال نقل الحدث، أو رقابة المؤسسة على نفسها، فبأكثر من وسيلة غربية يوجد باب مفتوح للشكاوي، مع تحديد مُدة للرد على تلك الشكاوى، كما تحكي العمري، مضيفة أن الرقيب الثاني هو مؤسسة تراقب جودة الأداء الإعلامي، وإن كانت تلك المؤسسات موجودة في الغرب كله، إلا أنها لا توجد تقريبًا في الدول العربية، عدا دولة تونس "متمثلة في الهيئة التعديلية لاستقلال الإعلام (هيكا)، وظيفتها بحث الشكاوى ضد الإعلام والتواصل مع تلك الوسائل".
أحيانًا يتطلب التصدي للـ"تدليس" الإعلامي أكثر من منظمة؛ فقناة فوكس نيوز الأمريكية، لها عدة سقطات مهنية، مثلما جرى عقب الهجوم على مقر الصحيفة الفرنسية "شارلي إيبدو"، إذ عرضت القناة صورًا لبعض الضواحي الفرنسية على أنها ممنوعة على غير المسلمين، فيما جاء خطأ أخر بحديث إحدى الضيفات عن استطلاع تم إجرائه، يقول إن 69% من مسلمي أوروبا يؤيدون داعش، دون التأكد من صحة المعلومة؛ فاضطرت القناة للاعتذار فيما بعد.
لكن هذا لا ينفي خط القناة المضاد للعرب "لأن مالكها ميردوخ معروف بتوجهه الصهيوني"، حسبما تقول عثمان، مضيفة أن قناة كفوكس نيوز، لا ينفع معها سوى رأي عام عالمي يقف ضد أخطاءها المتتالية "لأنه مليارات الدولارات يتم ضخها بها فلا تستطيع منظمة أو غيرها إيقافها ولها جمهور ضخم للأسف".
ما هو مهني أو مُخالف تتفاوت تعريفاته من وسيلة لأخرى، كما تؤكد العمري، لكن هذا لا يمنع الأساسيات المتعلقة بنقل الحقيقة والرأي والرأي الآخر، لكن الاختلاف يظهر في حوادث مثل الطفل "إيلان كردي" الذي نُشرت صورته غارقًا على سواحل تركيا "كان تبرير ناشري الصورة أن يعرف العالم حجم المأساة"، فيما أتى عزوف قنوات أخرى بسبب الرفض القطعي لنشر صور الأطفال أو الجثث.
من الأبيض إلى الأسود ثمة مساحات رمادية يعاينها الإعلاميون يوميًا، ويبقى عليهم تقدير كيفية التعاطي مع الحدث، والالتزام بالمعايير الأخلاقية، وعلى الجمهور التلقي أو الرفض.
اقرأ باقي موضوعات الملف:
حقيقة اغتيال ''مبارك'' والتعذيب.. حين كان السبق الصحفي لـ''مدونة''
حسام السكري: نقابة الصحفيين لها وقفات شجاعة.. والسلطة تحتكر كل المنابر (حوار)
''مصراوي '' يحاور أحد مؤسسي حملة ''الرقة تُذبح في صمت''
هل يضع الصحفيون في مصر رقابة على أنفسهم؟ (تقرير)
أعمال صحفية غيرت مجتمعاتها.. أثر الإعلام ''يٌرى''
سيرة أول شهيد للصحافة في الثورة.. السلطة الرابعة ''مجابتش حق ولادها''
وصيفات (صاحبة الجلالة) يروون لـ''مصراوي'' كواليس مغامرات كسرن فيها حاجز الخوف والخطر
مؤمن قيقع.. وقع خطاه بـ ''كرسي متحرك'' يُغضب ''إسرائيل'' (حوار)
فيديو قد يعجبك: