إعلان

الملاحقة الأمنية.. كابوس يطارد الثورة "تقرير"

01:25 م الإثنين 15 فبراير 2016

الملاحقة الأمنية.. كابوس يطارد الثورة

 كتبت- رنا الجميعي وإشراق أحمد: 

لم يعد وقع 18يوم الثورة المصرية عند نور خليل كسابقه في يناير2011، خاصة أيامها الأولى، ذكراها تغيرت، تبدلت مشاعر الطمأنينة وسط الميدان والأهل، فرحة الإنجاز، الأمل بالقادم، امتلاك الوطن، هزيمة التسلط، كلها تحولت منذ نحو عامين إلى خوف، يدفعه للهروب عن منزله كلما اقترب يناير وأيامه، ثم مع دنو السادس من أكتوبر و30 يونيو، جميع الأيام التي يخرج بها الكثير متحدثا عن "ذكرى عظيمة في تاريخ الوطن"، يحرص بها "نور" أن يتلاشى عن الوجود، إلى حيث لا يعلم المقربون مكانه، درئا لمشهد اقتحام منزله، مما يسفر عن سجنه ليالٍ غير معلومة، وتهمة تحت أي مسمى، لا يعلم أيعود بعدها أم لا، لا لشيء سوى أن قدمه عرفت طريقها للسياسة وللسجن مرة.

"نور" وغيره، تبدلت بهم الأحوال بعد الحادي عشر من فبراير 2011، انتهي بهم الزمن عند تلك اللحظة، لتمر الأيام، ويصبحوا ملاحقين بعد أن كانوا بين "أصحاب عرس" لثورة كان هتافها عيش حرية عدالة اجتماعية، وأمن تراجع بعد 28 يناير، وعاد قائلا إنه أصبح "في خدمة الشعب" بعد يناير 2011، بعدما كان الثمانية عشر يوم ذكرى للفخر، تحوّلت إلى قلق وكابوس يُطارد المشاركين بها، خاصة من يحمل سابقة للقبض عليه.

الملاحقة الأمنية، نهج يستخدمه الأمن لسنوات طويلة، يُتبع بزعم عدم إثارة القلاقل، فتخرج الدوريات الأمنية، باحثة عمن له ملف أمني، وتحجزه حتى زوال الفترة المتوجس منها، غير أنه بقدوم الثورة خاصة مع تكرار الحديث أن "الزمن لن يعود للوراء"، ذهب الظن إلى أنها عادة إلى زوال، غير أنها تجلت مرة أخرى مع الذكرى الثالثة للثورة كما يقول محمد الباقر" المحامي الحقوقي، وباتت في تزايد كل عام، مضيفا أن الملاحقة قبل أعوام كانت تحدث نتيجة الاحداث الواقعة على الأرض، لتتخذ شكل المداهمات والمنع، وتصير الأعلى حدة مع الذكرى الخامسة لثورة يناير، وهو ما دفعه لإبداء النصيحة لكل من لديه نشاط سياسي بأن يغيروا أماكن إقامتهم لأخرى غير معروفة حتى لأقرب المقربين. 

الانتماء للثورة

اعتاد "نور" منذ خروجه من السجن، أن يبتعد عن منزله إلى حيث لا يعرف أحد، كلما اقتربت أحداث شعبية "متوقع فيها تحرك معين"، خاصة كلما أوشكت ذكرى الثورة على القدوم، 40 يوم قضاها بعد القبض عليه في السجن، ليشهد بعدها منزله أكثر من اقتحام كما يقول، آخرها في 24 مايو 2015، حين اقتحمت قوات الأمن منزله بطنطا، وألقوا القبض عليه وشقيقه "إسلام، وأبيه، ليخرج نور بعد أربعة أيام، ألقوه على الطريق السريع، وابيه بعد ذلك بشهر، فيما لازال "إسلام" قابعا بالسجن.

1

"آخر 2014 مجرد ما خرجت من البيت اقتحموه" كانت تلك المرة الأولى التي يقتحم بها منزل "نور" حسب قوله، أخبر أمين الشرطة عائلته أن يطالبوه بتسليم نفسه، وحينما أرادت والدته معرفة تهمته قال لها "مش عارفين لكن عايزينه"، فيما كان عقل الشاب لا يتوقف عن التساؤل "اسلم نفسي لإيه.. ولو أنا عملت حاجة سابوني ليه أصلا؟"، زخم من المشاعر المختلطة تلك المرة، لا يستطيع "نور" نسيانها، ما بين الخوف، الارتباك، التشتت، التفكير "إني مش آمن"، لكن جميعها تغيرت، بعد اختفاء شقيقه البعيد كل البعد عن السياسة –حسب قوله- لـ122 يوم، بعد القبض عليه، وظهوره بقسم الرمل ثاني –الإسكندرية.

يهرب "نور" مع كل ذكرى للثورة، وهو من الشباب الذين هتفوا بالميدان لسقوط النظام، لكنه بعد القبض على شقيقه لم يعد يعبأ لشيء، رغم مساوئ الأمر على نفسيته وأسرته، أدرك أنه ليس هناك أسوأ مما يمروا به، فليس هناك مبرر قانوني أو منطقي للقبض على الأشخاص، حتى أنه لا يوجد إذن نيابة، بل الأمر مرهون بتقرير مُخبر، لا يفهم الشاب العشريني حسبة الجهات الأمنية فيما تقوم به من ملاحقات "الموضوع مكلف للدولة.. مش بفهم كم القوات اللي بتيجي تقبض على واحد وهم عارفين أنه مش إرهابي ولا متطرف". 

رصد موقع ويكي ثور عدد المقبوض عليهم خلال شهر يناير ، 2013 حيث الذكرى الثانية للثورة، إذ بلغ 674، فيما حصر القبض على 1341، أغلبهم من الطلبة يوم 25 يناير 2014، بينما رصدت التنسيقية المصرية للحقوق والحريات، اعتقال 1166 شخص، منذ مطلع يناير وحتى ذكرى الثورة، وجه إليهم تهمة التظاهر والانتماء لجماعة محظورة، بينهم 136 حالة اختفاء قسري كما ذكرت في التقرير الصادر في 26 يناير 2016.

شبهة الإخوان

علي حسين أيضا أصبح من الملاحقين، دخل قسم الشرطة للمرة الأولى في شهر يناير الماضي،لم يحتك قبلا بالأمن، وظل مُعتقلا لسبعة شهور تالية، ومنذ ذلك الوقت أصبح من الملاحقين أمنيا، وكلما جاءت حملة أمنية للمنطقة التي يسكن فيها الشاب العشريني بمحافظة الغربية، صار النوم بالبيت أمنية بعيدة.

مع سقوط أول شهيد بالسويس ظنّ علي أن النظام سقط في الحال، لم يكن يعلم أن الأمر يحتاج إلى أكثر من ثمانية عشر يوم، اشترك بمظاهرات الثورة في طنطا، ثم سافر إلى التحرير، يتذكر الشاب حماسه لهتافات الثورة "كان نفسي في الحرية"، أما "العيش" فللمحتاجين الذي يوصل صوتهم في الميادين. ظلّ علي مشتركا بالأحداث المتلاحقة للثورة، لا يهدف للانتماء لتيار بعينه "كنت بنزل مع أي حد"، لكنه بعد أحداث الثلاثين من يونيو، وتحديدا بعد فض ميدان رابعة العدوية، ابتعد عن مسار السياسة الذي لم يتركه، مع عضوية والده لجماعة الإخوان المسلمين، واشتراك أخيه بالسياسة منذ عهد مبارك، فلم تكن دقة الأمن على باب المنزل بغريبة عليه، لكنها في هذه المرة أخذته هو، حينما لم يجد الضابط أخيه.

متهما بالانتماء لجماعة إرهابية، وحيازة ألعاب نارية، اعتقل علي لأربعة شهور، ثم تم اخلاء سبيله، لكنه ظلّ بكشوفات أسماء الملاحقين أمنيًا منذ شهر أغسطس الماضي "بيجيلي اتصال ان فيه حملة على الشارع، بنزل لبيت حد من صحابي". أثّرت فترة الاعتقال على عمل علي بمجال البرمجة، لم يجد عملًا بعد السجن، ولم يهنأ بالاستقرار الذي يحتاجه عمله، ما جعله يُفكر بالسفر خارجا، والتركيز في حياته الشخصية، بعدما تأكد له أن من نادوا بالحرية والعيش لا يمثلوا سوى نسبة ضئيلة من الشعب المصري، أما الباقي فلا يرى سوى احتياجه للمأكل والمشرب.

ممنوع من السفر

تكاثفت الحملات الأمنية قبل الذكرى الثالثة للثورة، مع الوضع المٌشدد للأمن في وسط البلد، وشن مداهمات على عدد كبير شقق المنطقة، خاصة المفروشة منها، بدعوى التأمين وضبط الخارجين عن القانون، ضمن تلك الحملات المنع من الانتقال، حال ما حدث مع عمر حاذق، بمنعه من السفر قبل نحو عشرة أيام من الذكرى.

2

وميض أخضر انطلق لحظة الكشف عن جواز سفر "حاذق"، أعاده لإحساس الحياة تحت الحراسة مرة أخرى، التي غادرها في 24 سبتمبر 2015، بعد أن أمضى نحو عامين بسجن برج العرب، من السابعة والربع وحتى الثانية عشر ظهر يوم الخميس الموافق 14 يناير 2014 ظل الشاعر السكندري بالمطار، بعد جولة على عدد من المكاتب الأمنية، احتجز بغرفة أمن المطار، سحبت متعلقاته الخاصة من كاميرا واللاب توب، والهاتف المحمول وإغلاقه، جلس "حاذق" بين المصريين والأجانب المقبوض عليهم وينتظرون ترحيلهم للنيابة، لا يعلم سبب بقاءه، وضياع رحلته بالطائرة المتوجهة إلى لاهاي –هولندا- حيث تقام فاعليات المهرجان السنوي لـ"كتاب بلا حدود"، ليتسلم جائزة القلم الدولية لحرية التعبير، الممنوحة له من مؤسستان أوروبيتان عريقتان هم نادي القلم الدولي، ومؤسسة أوكسفام نوفيب، باعتباره أحد الكتاب ممن تعرضوا للضرر بسبب دفاعهم عن قيمة الحرية، وذلك بحضور نخبة من كُتّاب العالم.

ساعات من التحقيق، متقطعة على مراحل، يظل بها "حاذق" خارج المكتب ثم يعاود، ليستجوبه ضابط الأمن الوطني حسب قوله، عن السجن الذي قبع فيه عقب القبض عليه في 2 ديسمبر 2013، قضية التظاهر المتهم بها، حياته وعمله الحالي، هل ينتمي لحزب أو جماعة، تفاصيل رحلته إلى أوروبا، واللقاءات التي سيقوم بها، والأعمال الشعرية التي سيناولها.. حول كل ذلك ظل الضابط يستجوب الشاعر السكندري، الذي غادره بعد التأكيد أنه لا توجد مشكلة، ومع ذلك بقي "حاذق" بغرفة الاحتجاز، غير مدرك الموقف، إلا حين أخبره أحد الضباط بعد فترة من الوقت أنه "ممنوع من السفر"، وما انتظاره إلا لجلب حقيبته بعد إنزالها من مخزن الطائرة.

3

صدمة انتابت الشاعر، قبل أن يصر على الحصول عن إجابة حول ما يحدث، لتأتي عبر حديثه لضابطين "مش هتسافر قبل مع تحل مشكلتك مع الأمن الوطني"، لكنهما لم يزيدا شيء عن كيفية فعل هذا، فيما نصحه أحدهما بعد تكرار محاولة السفر، لأنه سيتم منعه.

مع الظهيرة استلم الشاعر السكندري متعلقاته، حينها فقط تمكن من فتح هاتفه ومخاطبة أسرته، بعد رفض السلطات منذ احتجازه، واستلم جواز سفره ليرى الختم البارز على صفحة سفره "ملغى"، عاد "حاذق" إلى منزله بحسرة،لم يخففها سوى وصول الكلمة الي أعدها ليلقيها أثناء استلام الجائزة، وبلغها الكاتب علاء الأسواني عنه، حملت حديث عن محتجزين، يمضون ظلما أيامهم داخل الزنازين، فمنذ أفرج عن الشاعر الثلاثيني بين 100 أخرين إثر عفو رئاسي قبل نحو أربعة أشهر، لم يهنأ، حمل مسؤولية إعلاء صوت المحتجزين ظلما، لذا لم يتوان في الكتابة عن حياة السجن، والمعتقلين، فيما لم يغادر الشعر.

جولة أوروبية لقراءة نصوص شعره، أضاعها ختم دون سبب على جواز سفر "حاذق"، واحتفاء بالخارج لم يدركه من نادي القلم الدولي، الذي يحمل الشاعر السكندري عضويه الفخرية، وترجم له كتابه الأول "في محبة الحياة" للألمانية، وفاعليات ثقافية بجامعة ماربورج الألمانية لن يحضرها، كان المقرر مشاركته بها من 20 يناير وحتى 10 فبراير، فيما يحمل الوضع الحالي، والمنع الأمني لسفره عائق "دون معرفة المشكلة" كما يقول "حاذق"، ربما يحول بين سفره لتلبية دعوة فرع القلم الألماني، ليكون ضيفا بمعرض لايبزج للكتاب، ليشهد كتابه المترجم بالمعرض في الفترة من 16-20 مارس المقبل.


 

 

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان