مصراوي يُحاور أول فريق نسائي عربي لسيارات السرعة
حوار-دعاء الفولي:
السرعة تتحكم في حياتهن. يفرضها الاحتلال الإسرائيلي الجاثم على فلسطين. تُغلق الطرق فجأة، فيتعين على المواطنين الانتظار لساعات، ثم الانطلاق كالصاروخ للحاق بالعمل أو الدراسة؛ تفاصيل يومية تحيا داخلها خمس فلسطينيات؛ يضقن بها ذرعا؛ وما أن تسنح لهن الفرصة حتى يخرجن إلى الشوارع بسياراتهن، مستخدمات أقصى سرعة ممكنة، لا لهدف سوى التسابق سويا.
عام 2009 وداخل إحدى حلبات السباق في فلسطين، اجتمعت ميسون جايوسي، منى على، مرح زحالقة، نور داوود وبيتي سعادة من بقاع مختلفة بين القدس والضفة الغربية. وهُناك قررن إنشاء أول فريق نسائي عربي لسباق السيارات، أسمينه "فتيات السرعة"، بعدما دعّمتهن مدربتان بريطانيتان من القنصلية الإنجليزية في القدس.
مصراوي حاور ميسون جايوسي، مديرة الفريق، لمعرفة تفاصيل أكثر عن "فتيات السرعة"، المشاكل التي تقابلهن، مدى مشاركتهن في السباقات الدولية، وطموحاتهن في الفترة القادمة.
-فكرة "فتيات السرعة" جديدة على الوطن العربي.. فماذا عن ردود الفعل التي تلقيتموها؟
"هابطات من الفضاء" هو المصطلح الأقرب لذهني. لم يعترضنا أحد داخل الحلبات، غير أننا رأينا حالة من الذهول بادية على الوجوه "كانت الناس بتشوف سيارات بتعمل دريفتنج على الطريق ولما تنتهي المسابقة بيلاقوا فتاة خارجة من السيارة".
-حدثينا عن كواليس إنشاء الفريق.
بوسائل مختلفة جاءت مشاركتنا في الفريق؛ أنا مثلا كنت أنقل خالد قدورة، رئيس الاتحاد الفلسطيني لرياضة السيارات والدراجات النارية بسيارتي "وشاف إنه عندي ثقة بنفسي فعرض عليّا أروح السباق وقتها".
"بيتي" رأت إعلان الاتحاد عن الاحتياج لمتسابقات في جريدة فذهبت. "مرح" ذات الـ23 عاما، كانت بطلة فعليا في سباق السيارات منذ كان عمرها 19 عاما. أما نور داوود فقد رآها رئيس الاتحاد تُشارك في إحدى سباقات الدريفتينج-إنهاء حلبة السباق دون الاصطدام بالأقماع على أن تسير السيارة بانحراف- داخل رام الله، فعرض عليها الانضمام للسباق الذي اجتمعنا فيه، و"منى" والدتها مُدربة سيارات لذا لم تتردد في أن تسير على دربها.
-هل تستعينون بسيارات مُخصصة للسباق؟
للأسف لا تسمح الإمكانيات بذلك. لذا عدّلت كل واحدة منّا سيارتها العادية لُتصبح ملائمة، حيث نُغير الإطارات قبل السباق ثم ننزعها، أو نُعدل في المحرك ونُضيف بعض القطع.
-وهل تستخدمن سياراتكن في سباق "الدريفتنج" فقط؟
نشارك في سباق آخر يُشبه "الدريفتنج"، ويُسمى "اختبار السرعة"، ويعتمد على وجود أقماع داخل حلبة السباق، ويجب ألا تكسر السيارة أي منها أثناء السباق لكن يتم تقييم المتسابقين حسب سرعة الوصول لخط النهاية وليس انحراف السيارة.
-لماذا لا يوجد سباقات "رالي" داخل فلسطين؟
الرالي يعتمد على المسافات الطويلة التي تقطعها السيارات من نقطة إلى أخرى. وفي فلسطين يبدو الأمر مُستحيلا بسبب نقاط التفتيش والحواجز والمضايقات التي يتسبب فيها الاحتلال الإسرائيلي.
-هل هُناك شروط للأماكن التي يتدرب فيها الفريق؟
الشرط الأهم هو كونها بعيدة عن المواطنين والأطفال للتأكد من سلامة الجميع. ثم يجب أن تكون مُتسعة بشكل كافي ومفتوحة وهذا صعب مع وجود الاحتلال وبشكل عام نعتمد على الأماكن الخالية والطرق المُتسعة "بنضطر أحيانا نتدرب داخل سوق الخضرة يوم الجمعة لأنه بيصير خالي".
-ما عدد ساعات التدريب التي تحتاجونها يوميا أو أسبوعيا؟
ليس لدينا ساعات مُحددة، فالأمر منوط بوجود أماكن مُتاحة.
-وماذا عن المشاكل الأخرى التي تواجهكن كفريق؟
التكلفة العالية التي نتكبدها لتصليح السيارات عقب السباق، أو لإحلال وتبديل القطع، حيث يتحتم علينا أن نُعدل السيارات بشكل دوري. ورغم أن اتحاد رياضة السيارات الفلسطيني يُخفض رسوم مشاركة السيدات في السباق كنوع من الدعم، إلا أننا نحتاج تمويل للفريق. وبجانب التكلفة تبقى مشكلة المُنغصات التي يفرضها علينا الاحتلال، والتي قد تُشكل خطرا علينا.
-إذا هل تعرض لكم الاحتلال الإسرائيلي بسوء أثناء التدريب؟
بالطبع. ففي إحدى المرات كنا نتدرب في منطقة مُحازية لسجن "عوفر" الإسرائيلي، الواقع غرب مدينة رام الله، وكان بصُحبتنا فريق صحفي يُصورنا، ورأينا بعض الجنود في المنطقة المُحيطة "قررنا نطلع من هناك بسياراتنا لأنه الجنود شافونا"، إلا أنهم لم يتركوا لنا فرصة؛ فألقوا قنبلة غاز مُسيل للدموع تجاهنا، ووقعت بشكل مُباشر على بيتي سعادة، أحد أعضاء الفريق؛ فأصابتها أسفل ظهرها بحروق ورضوض استمرت لأيام، ولولا ارتدائها بزة السباق المُخصصة لتقليل الصدمات، لأصبحت إصابتها أسوأ كثيرا.
-تم تنفيذ فيلم وثائقي عن فريقكم.. ما قصته؟
هو فيلم "فتيات السرعة"، ويروي حكايتنا مع السيارات وحياتنا داخل فلسطين. وبدأ العمل عليه منذ أربع سنوات حينما تم دعوة "أمبر فارس"، وهي مُخرجة كندية من أصل لبناني، لمشاهدة إحدى سباقاتنا داخل "بيت لحم". وبعد أن شاهدتنا عرضت علينا تصوير فيلم عنّا، وظلت معنا أربع سنوات تتنقل بين بيوتنا وأعمالنا والسباق. وعُرض الفيلم في أكثر من دولة ضمن جولة تشمل 22 بلد،آخرها كانت مصر في أول نوفمبر الماضي.
-عقب خمس سنوات من إنشاء الفريق.. هل تغيرت ردود الفعل التي تسمعونها؟
"صار لنا كتير معجبين، ناس بتحب وتشجع فينا كتير وبنات حابين يشاركوا في هاي الرياضة.. نحنا صرنا قدوة إلهن". أذكر أننا ذهبنا إلى قطر لحضور عرض فيلم "فتيات السرعة" ورأيتُ الانبهار في أعين بعض الفتيات السعوديات، فُهن مازلن يُعانين من المضايقات بسبب القيادة العادية اليومية.
أعتقد أن ما يساعدنا على الاستمرار، هو أننا كسرنا الصورة الذهنية السلبية عن قيادة المرأة في الوطن العربي، مقود السيارة لا يُحب الرجال أكثر من النساء؛ الأمر فقط مُتعلق بالمهارة والمثابرة، فكل مرة شاركنا فيها في السباقات الداخلية أو العربية بشكل فردي أو جماعي، نكون ضمن العشرة الأوائل على الأقل، رغم أننا الفريق النسائي الوحيد.
-ماذا عن المسابقات التي شاركتم فيها خارج فلسطين؟
للأسف لا يحدث ذلك كثيرا نظرا لعدم وجود دعم للفريق. مثلا لم تسنح لنا الفرصة إلى الآن للمشاركة في أي رالي دولي، لكننا نذهب للسباقات أحيانا بشكل فردي؛ فقد شاركت ذلك العام مع زوجي في رالي الشرق الأوسط بمدينة العقبة الأردنية، فيما نور داوود تعيش في مدينة دُبي وتشارك بالسباقات هناك.
-هل تُحضّرون لسباقات في الفترة القادمة؟
نعمل حاليا على إعادة هيكلة الفريق وتنشيطه، وبدأنا في اجتماعات مع الاتحاد الفلسطيني لرياضة السيارات، كي نُحاول المشاركة في الراليات (السباقات) الدولية، وهذا ما نطمح له في المستقبل.
فيديو قد يعجبك: