إعلان

قصة مواطن فاته ساعات التعويم

06:32 م الأحد 06 نوفمبر 2016

تعويم الجنيه

كتب- محمد زكريا:

قبل عامين كان موعد محمد السيد -اسم مستعار- مع التجنيد الإجباري. دفعه المصير إلى إحدى وحدات الجيش بالإسماعيلية. وفي الطريق من منزله بالقاهرة إلى مقر خدمته العسكرية بالمدينة التي تحتضن قيادة الجيش الثاني الميداني، كان يتحسب تكاليف تنقله بين وسائل المواصلات بالكاد. لم يختلف الأمر كثيرا، قبل أسبوعين فقط، عندما توجه صوب كتيبته بالمدينة المطلة على قناة السويس، لقضاء فترة استدعاء تجنيدية قصيرة. غير أن تكاليف عودته إلى منشأه بالعاصمة، أصابت الشاب العشريني بارتباك شديد، بعد الارتفاع في أسعار وسائل المواصلات المختلفة، عقب يوم واحد فقط من إعلان الحكومة المصرية رفع أسعار المحروقات ليلة إعلان تعويم الجنيه.

في ديسمبر من العام 2014؛ وقت أتم "محمد" الفترة التجنيدية بالكامل، كان يتحمل ما يقرب من الـ10 جنيهات تكلفة انتقال الرحلة الواحدة، ذهابا وأيابا "كنت بركب تيوتا من المرج لموقف إسماعيلية بـ8 جنيه". ومع بداية العشر الأواخر من شهر أكتوبر المنصرم، كان موعده مع مدينة الإسماعيلية من جديد "جيت أركبها لقيتها بـ14 جنيه.. قولت أهي غليت زي ما كل حاجة غليت"، بعدها توجه صوب مقر استدعائه في هدوء.

بعد انقضاء فترة الاستدعاء المقررة بأسبوعين فقط، كان "السيد" يعد العدة للرحيل، يتمم على ملابسه وأدواته الصغيرة، يُراجع المبلغ المتبقي في محفظته "ركنت فلوس المواصلات على جنب". بعدها انصرف في طريق العودة لمنزله بأحد أحياء القاهرة الشعبية، يوم السبت الماضي. قبل أن تعترضه الدهشة الأولى "ركبت تاكسي لموقف إسماعيلية، لقيت السواق بيقولي 15 جنيه.. قولتله أنا جاي من أسبوعين بـ10 بس.. ضحك وقالي أنسى ده كان زمان". أحس الشاب العشريني غرابة في الأمر.

بعدها استقل المجند -على ذمة الاحتياط- إحدى عربات الأجرة "تيوتا"، وفي طريقها إلى حي المرج بالقاهرة، تلمس الشاب الصغير بوادر أزمة "لقيت الناس عمالة تتكلم عن الأسعار اللي غليت.. وأنا مش فاهم حاجة". قبل أن تأتيه الصدمة عندما أخرج 14 جنيها من حافظته لمحاسبة السائق "لقيت السواق بصلي بصة غريبة، سألته في أيه، قالي الأجرة بـ18. لقيت اللي جنبي بيقولي البنزين غلي.. دفعت"، فيما تزال علامات الزهول ترتسم وجهه.

صباح الخميس الماضي، كان "محمد" يتبادل الأحاديث مع رفقائه بالجيش عن الأحوال في الخارج "قولتلهم تفتكروا الناس برة زي ما هي ولا اتغيرت"، هو ما أثار ضحك أحد المجندين "قالي ياعم دول أسبوعين.. أيه هيتغير يعني". غير أن انقطاع رفقاء "الكتيبة" عن وسائل الاتصال بالخارج، لم يُمكن "محمد" من التعرف على القرار الحكومي ليلتها برفع أسعار البنزين والسولار وغاز السيارات وأنابيب البوتاجاز والمازوت؛ والذي أصاب تسعيرة المواصلات بارتفاع متفاوت في وسائلها.

بعد أن وصل الشاب العشريني القاهرة، اتخذ مترو الأنفاق وسيلته التالية "وأنا رايح أدفع طلعت جنيه، قولت أكيد غلي هو كمان.. بس لقيته زي ما هو"، غير أن الأحاديث بين زائريه عن غلاء المعيشة وقسوتها شدت انتباهه، قبل أن يؤلمه مشهد بطله شاب ثلاثيني، يترجى راكبي القطار، طالبا مساعدة تُمكنه من الحصول على عبوة لبن لطفله الرضيع "صعب عليا.. مكنش بيشحت، كان عمال يقول للناس عايز أجيب علبة لبن لابني الجعان". بعدها تساءل عن ما صدر من قرارات في غيبته "قالولي الجنيه أتعوم، والبنزين والسولار غلي". وقتها ترابطت الأحداث داخل عقله.

قبل أن تنتهي رحلته الطويلة إلى المنزل، كان موعد "محمد" مع وسيلة المواصلات الأخيرة "ركبت ميكروباص وزي ما توقعت لقيت الأجرة غليت ربع جنيه"، بعدها تفاعل مع أحاديث الركاب "الناس بقيت هتتجنن، ومش مستوعبة هتعيش ازاي في الغلا ده". بعدها وجه أحد الركاب سؤاله للسائق "غليتوا الأجرة ليه ياسطى"، فيما ابتسم السائق، قبل أن يرد عليه "أسأل السيسي بقى السؤال ده".

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان