جنود القائد "رجائي" يروون لمصراوي حكاياتهم مع شهيد الوطن
كتب- محمد مهدي:
أمام منَزله، سقط العميد عادل رجائي، قائد الفرقة التاسعة المدرعة، مُضرجًا بدمائه، بعد أن تلقى وابل من الرصاص من قِبل إرهابين، هرع الجيران نحوه، هرولت زوجته إليه، حاولوا نقله إلى أحد المستشفيات لكن روحه فاضت إلى بارئها، علت الصرخات، حضر الحزن، ثقيل وقاتم.
ذاع الخَبر في أنحاء البلاد، وصل إلى الجميع، من بينهم جنود شباب، خدموا في سنوات ماضية تحت قيادة الرجل، هالهم ما سمعوه، وتداعت عليهم ذكرياتهم الطيبة مع قائدهم.
مصراوي تواصل مع عدد من هؤلاء، للتعرف على جزء من سيرة الرجل مع مجنديه.
"بيقولوا عميد الفرقة التاسعة اتضرب بالنار النهاردة" جملة قالها أحد زملاء "محمد محمود عبدالراضي" أثناء العمل، لكن وقعها على الأخير كان قاسيًا، حاول التأكد سريعًا من تفاصيل الخَبر، اكتشف استشهاد قائده "عيني دمعت وجسمي قشعر.. حسيت إني مخنوق"، لم يصدق الشاب العشريني الذي انضم إلى الفرقة التاسعة في العام الماضي، أن الرجل الذي طالما تلقى منه معاملة جيدة قد قُتل.
الالتزام
أمور عدة لا ينساها "عبدالراضي" لقائده، أبرزها الالتزام والتواجد الدائم في طابور الصباح، لا يغيب قط، يحث مجنديه على حُب الوطن، قبل أن يتركهم لمتابعة ما يدور في الفِرقة على مدار اليوم "كنا بنستغرب بيجيب الطاقة دي منين"، يباشر الرجل تمارين اللياقة للجنود والضباط، يكافي المتميزين منهم، ويُشهد له بمعاملة عساكره بطريقة جيدة "مشفتوش أهان واحد طول السنة اللي خدمتها".
لم يكن القائد يتعامل بقسوة مع مجنديه، طالما كانت الأمور تسير في طريقها الصحيح، يتصرف بسعة صدر في بعض الأحيان التي تحتاج إلى التعامل كأب لهم، يتذكر المجند الشاب أن العميد سبق وأن عفى عن خطأ غير مقصود لأحد الجنود في ارتدائه الزي المدني، بعد أن تأكد من إتقان الجندي للرماية "ممكن كان يبقى له تصرف تاني خالص".
مواقف عدة لا تسقط من ذاكرة الشاب عن قائده، أبرزهم عندما علم المجندين بالفرقة بترقية العميد "رجائي" وترأسه الفِرقة في يناير الماضي، فرحة دبت في المكان. يقول عبدالراضي: "دا معناه إن الراجل فعلًا محترم ومحبوب".
في سبتمبر 2014، بدأ "محمد رشدي بخيت" خدمته في الفرقة التاسعة، بعد فترة قليلة صارت المطبعة مسؤوليته "كان وقتها رحمة الله عليه مساعد قائد الفرقة"، عُرف عن الشهيد الانضباط الشديد، وسلامة الذمة المالية وحرصه على إتباع التقاليد العسكرية-بحسب حديث رشدي.
هدية للقائد
قُربه من مجنديه دفعهم لتعبير عن مدى محبتهم له، يحكي "رشدي" عن زميله في المطبعة الذي قرر بعد انتهاء فترة تجنيده في القوات المسلحة، أن يطبع اسم الشهيد على عدد من الأدوات المكتبية "بس عملها في مطبعة ملكي بره الجيش"، نحو مكتب القائد تقدم صاحب الهدية، برفقة زملائه، طلبوا لقاء العميد "رجائي"، استقبلهم مستفسرًا عن السبب، قبل أن يفصحوا له عن المفاجأة البسيطة.
عمرو محمد، صاحب الفِكرة والهدية، يقول لمصراوي، إنه يعتز بالفترة التي خدم فيها تحت لواء الشهيد بمنطقة دهشور "دي هدية بسيطة لأنه كان محترم معانا. استقبل القائد الأمر بحفاوة، لكن كان طلب أن يتكفل بسِعر الأدوات المكتبية حتى لا يُثقل على المجند.
في سيناء
وسط الخطر، عمل المجند "م.ا"-رفض ذكر اسمه لسلامته الأمنية- تحت قيادة العميد "رجائي" في سيناء، كان أحد أفراد الفرقة المسؤولة عن دك وتدمير الأنفاق في مدينة رفح خلال عام 2014، يقف الرجل بجانب جنوده، يوجههم، ويشاركهم العمل "كان بيشجعنا ويقولنا إن كل دا عشان مصر وشعبها".
لم يكن قائد الفرقة التاسعة، يُضيق على رجاله، يمنحهم من وقته، يدعمهم طوال الوقت، ويبني معهم جسرا من التواصل طوال الوقت. يُضيف الشاب: "كان يقعد يأكل معانا وأي حد يقصده في خدمة ميتأخرش".
حقوق المجندين
عندما وصل "محمد شراقة" إلى معسكر دهشور، قادما من سوهاج، حملّ عقله الكثير من المخاوف عن حياة الجيش، لكنه اللقاء الأول مع العميد "رجائي" منحه الاطمئنان، حيث اجتمع القائد بالجنود المستجدين حينذاك، تحدث إليهم عن أهمية كل شخص فيهم، ودور كلا منهم في حماية البلد "وإن في أي وقت ممكن نقدم روحنا فداء للوطن".
حديث الرجل إلى مجنديه لم ينحصر في دورهم فقط، أنهى اللقاء بأنه لهم حقوق داخل القوات المسلحة، لا يجب التفريط أو التهاون فيها. يوضح شراقة: قالنا أهم حاجه شرف العسكري ومحدش يدوس على كرامتك".
إلى 7 سنوات مضت، عاد الزمن بالملازم أول احتياطي، محمد جلال غريب، قائد جزيرة المعادي الوسطى-حينذاك- يقف أمام المحكمة الدستور برفقة 17 مجند، كان الراتب الشهري تأخر لـ 24 ساعة "وكان العرف إن بيجي عسكري أو صف ظابط بالفلوس"، اتصل "جلال" برئيس أركان اللواء 71 المسؤول عن تأمين الجزيرة-العميد رجائي- لتبليغه بخبر التأخير، لم تمضِ ساعتين وحدث مفاجأة.
"لقيناه جاي بنفسه بالرواتب وصرف 300 جنيه غدا للجنود وجايب أفرولات جديدة كمان" يقولها "جلال" ممتنًا لموقف القائد، مؤكدًا أن موقفه أثر بالإيجاب على نفوس العساكر.
التقدير
داخل منزله بالشرقية، تلقى "عمر أحمد" خَبر استشهاد القائد، اكتسى قلبه بالحزن، يحكي الشاب البالغ من العمر 25 عاما، أن الشهيد اشتهر بتقديره لأبنائه المجندين المجتهدين "وليا الشرف أني اترقيت لدرجة عريف بأمر منه".
يُعيد الشاب شريط الذكريات، تحديدًا عند سفره إلى سيناء برفقة العميد، تمركزوا في منطقة بعيدة عن مكان مأهول بالسكان، في جنح الليل، سُمع صوت صراخ، اندفع الجميع من بينهم القائد إلى مصدره، وجدوا مجند في حالة صحية متأخرة، خرج "رجائي" سريعًا مغادرًا المكان، لحظات وعاد بسيارته، حملوا المصاب إليه، وانطلق إلى أقرب مستشفى لإسعاف الشاب "ربنا جعله سبب في إنقاذ حياة العسكري".
موقف مشابه، يرويه "أبانوب عصام" الذي عمل تحت قيادة "رجائي" لنحو عام، حيث اشتكى أحد زملائه المجندين من مرض "الزايدة" في لحظة مرور قائد المنطقة، أخبر "أبانوب" العميد بالأمر، في محاولة لإنقاذ المصاب "أمر إني أن عربية إسعاف تطلع على طول وتلحقه".
فيديو قد يعجبك: