بالصور: عم مجدي.. رحلة مواطن ضد الحكومة
كتب- محمد مهدي:
ضجيج الشارع الرئيسي في منطقة ''زنين'' ببولاق الدكرور لا يتوقف، صوت السيارات والدراجات البخارية و''التكاتك'' المارة من أمام المنازل، حركة السير في محور صفط اللبن فوقهم، نَفَس المحلات المجاورة، اعتادوا الأمر، صار طقس ثابت في يومهم، غير أن صخب المعدات الثقيلة التي وصلت إلى المكان في صباح أحد أيام شهر مارس عام 2014 للبدء في أعمال حفر بدون سابق إنذار للأهالي، كان أكثر حِدة على الآذان وثقلا على القلب وضررا على المنازل القريبة من الحفر ''لقيت حيطان الشقة بتنمل والبيت بيتهز'' قالها ''مجدي سيد محمد فراج'' الذي خرج من منزله مسرعا إلى العمال ليتسائل عن سبب فعلتهم ''قالوا لي بنعمل مطلع لمحور صفط اللبن عشان الاختناق المروري.. طيب مش يشوفوا حالة المكان الأول؟!''.
جن الرجل الخمسيني، هرع إلى المسؤولين عن عمليات الحفر يحدثهم عن خطورة الأمر على منازل المنطقة ووجود بنية تحتية تضم مواسير مياه وصرف صحي وغاز أسفل مكان الحفر ليتلقى إجابة واحدة ''احنا عارفين شغلنا كويس''، تركهم غاضبا وهو يضرب كفا على كف ''حل الزحمة في المنطقة نقطتين مرور وكام عسكري والدنيا هتمشي تمام''، بعد أيام بينما يخرج ''عم مجدي'' من المسجد بعد انتهاء صلاة التراويح فوجئ بزحام شديد بالقرب من منزله، أسرع إلى هناك ليجد المنطقة غارقة في المياه ''أول خازوق اتضرب في الأرض كسر ماسورة الطرد بتاعت الصرف وغرق المكان وبيتي بقى عايم في الميه'' حدث ما حذر منه الرجل لكن لم يسمعه أحد.
بحث عم ''مجدي'' عن عمال الشركة المسؤولة عن دق ''الخوازيق'' في أرض المنطقة، لم يجد أحد، ابتعدوا من المكان خوفا من بطش الأهالي، عثر عليهم في النهاية في أحد الشوارع الجانبية ''جريت عليهم عشان يخلصونا من البلوة اللي حطت على دماغنا'' كان يعلم أن لدى الشركة ماكينات لشفط المياه سريعا، وبالفعل قاموا بإنقاذ المنطقة ''بيوتنا نص طوبة مبنية على حوائط حاملة متستحملش''، بعدها رحل عمال الشركة ومعهم معداتهم الثقيلة ''قولنا الحمدلله أديهم اتعلموا من اللي حصل.. وهنرتاح''.
لم يهنأ أهالي منطقة ''زنين'' برحيل شركة الحفر، عادت واحدة أخرى بمعدات جديدة ''المرة دي قالوا هننقل الصرف لمنطقة تانية''، شعر عم مجدي أن ثمة إصرار على استكمال المشروع رغم خطورته على منازل المنطقة ومخاوف الأهالي من تحويله إلى وكر للجريمة بعد غلقه بالمطلع الجديد وتصغير مساحته من 20 متر إلى 3 متر ''روحتلهم وعندي اقتراحات أماكن بديلة''، انطلق الرجل مع عدد من المهندسين المسؤولين عن المشروع إلى منطقة مجاورة تصلح كحل أخر من وجهة نظره ''شارع بعدنا بمسافة صغيرة مساحته 45 متر وفاضية مفيهاش سكان.. ومكان تاني عن سور كلية الزراعة ومساحته متقلش عن 300 متر وفاضي'' شعر بعدها أن الأمور في طريقها للحل.
انتظر الرجل الخمسيني خطوة جادة من المسؤولين لإنهاء المعاناة التي يعيشها أهالي المنطقة بعد الحلول البديلة التي طرحها عليهم لكنه استيقظ في أحد الأيام على اهتزاز شديد في منزله، هرع إلى النافذة ليكتشف بدء أعمال الحفر من جديد، نزل من بيته، اقترب من العمال، طالبهم بوقف العمل ''مش هستنى لما البيت يقع على ولادي ويموتوا''، أذعنوا لكلامه، عاد إلى المنزل فوجده قد امتلأ بالتصدعات في كل الغرف، انطلق إلى قسم شرطة بولاق الدكرور ''دخلت للمأمور قولت له أنا مواطن وهأموت أنا وعيالي لو محدش لحقنا''
حصل عم مجدي على خطاب من قسم الشرطة موجه إلى رئيس حي بولاق الدكرور الذي قرر تشكيل لجنة ثلاثية لمعاينة 3 منازل بالمنطقة ''من بينهم بيتي عشان يشوفوا الضرر اللي واقع علينا''، استقبل اللجنة بمنزله في مارس من العام الحالي، شاهدوا الحالة على الطبيعة، أصدروا تقريرهم الذي يفيد بأن العقار حوائط حاملة، مبني بنص طوبة، تم ترميمه حديثا، وتأثر بأعمال إنشاء مطلع محور صفط اللبن وقد يتعرض لخطورة شديدة في حالة استكمال المطلع دون ترميمه العقار ''كدا يبقى المطلع خطر علينا.. ومينفعش يعملوا حاجة قبل ما نشوف حل لبيوت المنطقة''.
في بداية شهر أغسطس الجاري، نُقلت المعدات الثقيلة من المنطقة ''حسينا براحة وإن الموضوع أخيرًا انتهى'' غير أن المحافظة كانت تحمل في جعبتها ما لم يخطر ببال الموظف بشركة التأمينات الاجتماعية، تم استدعائه من قِبل مأمور قسم شرطة بولاق الدكرور، وهناك أعلموه أن نائب محافظ الجيزة أرسل في شخصه مذكره تفيد أنه قام بقذف وسب أعمال الحفر وأنه المعترض الوحيد على مشروع طلعة صفط اللبن، بعدها بأيام تم إخباره داخل القسم بصدور قرار لإخلاء منزله والسجن في حالة الامتناع عن تنفيذ القرار ''قولتلهم مش هأخلي.. وتم عرضي على النيابة''، تم إخلاء سبيله وتقدم بطعن على القرار بناء على طلب من وكيل النيابة.
في منتصف أغسطس وقفت أمام منزله سيارة شرطة محملة بقوات أمن، صعد أحدهم إلى منزله أخبره أن مأمور القسم الجديد يطلبه للحضور إلى مكتبه ''المحامي قالي روح وشوفهم عايزين إيه''، ذهب إلي القسم ليجد المأمور في انتظاره برفقته مهندس تنفيذي من الشركة المسؤولة عن الحفر وعضو مرشح لمجلس الشعب وموظف بجهاز التعمير ''عملوا ورقة إن الناس تخلي بيوتها بسرعة لمدة شهر مقابل 600 جنيه وترجع لما يخلصوا أعمال الحفر'' رفض الرجل لكنه أمام الضغط-على حد قوله- قام بالإمضاء بالموافقة على الأمر ''وتاني يوم فتحت محضر بأكد إنه تم إجباري على توقيع الورقة دي وإني مش موافق''.
طوال عام كامل أخذ عم مجدي على عاتقه أن يقف أمام ما يعتقد أنه إهدار مال عام وظُلم بينّ من قِبل الحكومة، تقدم خلالها بصُحبة عدد من أهالي المنطقة بشكاوى لمحافظ الجيزة ثم رئيس الوزراء ثم النائب العام ورئيس الجمهورية ''كلهم بعلم الوجوب واستلمت ورق بوصولهم لكن مفيش أي رد''، ومنذ عدة أيام شاهد الرجل عودة المعدات الثقيلة في المكان المُخصص لتشييد الطَلعة ''روحت قدمت إنذار لمأمور قسم بولاق وأنذرت رئيس الحي والمقاولون العرب إن في طعن على قرار الإخلاء ووقف إنشاء المطلع لخطورته على الأرواح'' في انتظار ما ستسفر عنه رحلته الطويلة المرهقة ضد موقف الحكومة المتعنت.
فيديو قد يعجبك: