بالصور.. مصراوي داخل منزل الشيخ "طوبار".. وجاره القبطي: كان أبويا
كتب - يسرا سلامة ومحمد مهدي:
في شارع برسوم مطر في منطقة شبرا، وفي منزل تُظلله الأشجار، قضى الشيخ "نصر الدين طوبار" أكثر من 30 عامًا بين جيرانه الأقباط، لا يعادي أحدًا ولا يُعامل أي شخص بسوء، ولم يُعرف عنه طوال فترة سكنه غير سماحته وحسن خُلقه وحديثه الطيب وباب بيته المفتوح للجميع، وما يزال "عادل حلمي" ابن جاره الذي صار الآن رجلاً ستينيًا يتذكر كيف اشتد عوده في كنف ورعاية الشيخ وأسرته وعلاقتهم الجيدة بأل بيته التي امتدت لعقود "بعتبره أبويا التاني.. رباني مع والدي وكنا عائلة واحدة".
الشيخ كان يعيش في الطابق الثالث والأخير من المنزل في بيت كبير مكون من 5 غرف وصالة واسعة، مع زوجته الشابة وأبنائه الخمسة، لا يُسمع لهم صوتًا، الأدب الجم صفة لصيقة بهم، والمظهر الحسن صورة دائمة للأسرة، والوقار والحزم جزءٍ من شخصية الجار والأب "مكنش يحب الحاجة العوجة"، لكنه لا يخلو من مسحة الفكاهة "كان يهزر لما يكون مزاجه رايق"، لم يره الصغير يضرب أحد من أسرته "عقابه نظرة عين"، يُحب الصدق "لو فيه حاجة حلوة أو سيئة يقول دون إخفاء"، يعتبره المقربين معلم "كنت تحب تتكلم معاه وتحس إنك بتتعلم حاجة جديدة".
في وقت قصير صارت عائلتي "طوبار" وجاره "حلمي" العامل بإحدى شركات البترول، أسرة واحدة كبيرة "المليان يُكب على الفاضي"، يتناولون الطعام سويًا، الأبناء أصدقاء، يتهادون في المناسبات، يذهب إلى الكنيسة لحضور أفراحهم، ويتواجدون في أي ظرف جواره "مكنش في حاجة وقتها اسمها مسلم ومسيحي"، وذات مرة اكتشف الشيخ وجود مصحف ومجسم لإحدى المساجد عند جاره العاشق لجمع "الأنتيكات" فصرخ فيه مداعبًا "المسجد والمصحف دول بيعملوا عندك إيه يا حلمي" وضحك الاثنين.
ينظر الرجل الستيني من شرفته على سور حديدي بالقرب من المنزل، يُشير إليه قائلاً "فيه حكاية لازم تعرفوها عن الشيخ الرحيم" في أحد الأيام أصيب شقيقه الصغير في قدمه بعد أن سقط على أحد الأسياخ المدببة لسور البيت، وقتها لم يكن يدري "عادل" كيف يتصرف في غياب والده، فطرأت على عقله فكرة أن يطلب مساعدة الشيخ، بعد دقائق كان "طوبار" منطلقًا بالطفل المصاب إلى مستشفى الساحل القريبة من المنزل، يتشاجر مع الأطباء لبطء حركتهم، يتوعدهم، يحاول نقله لمكان أخر، حتى ظهر المسؤولين عن المستشفى واعتذروا للشيخ لشهرته وقيمته وقاموا بإسعاف الفتى المصاب "الشيخ هو اللي أنقذ أخويا.. عمري ما هنسى موقفه النبيل معانا".
من أحلى الأوقات التي مرت على "عادل" وأسرته وهم يستمعون فيها لتحضيرات حية لانشادات وابتهالات صدح بها "طوبار" بصوته، ولمعت فيما بعد في سماء الإنشاد، أو غنائه أحيانًا "هل رأى الحب سكارى" للسيدة أم كلثوم، لم تؤثر بالإزعاج على عائلة الجار القبطي، ظهر الود في رغبة من والد "عادل" بتسجيل عدد من الأشرطة لابتهالات "طوبار" من الإذاعة، ظل محتفظا بها حبا وودا للصديق والجار.
تواضع جم بدا على "نصر طوبار" وقت أن علت أسهمه في سماء الإنشاد، لم يختلف في معاملة أهل منطقته، طالته الشهرة والسفر للبلدان، لكنه ظل "على الفطرة"، يقول "عادل" إنه ظل مقتصدا بعد أضواء النجومية في عالم الإنشاد والابتهالات "مش بتاع منظرة"، ظهر في رفض "طوبار" لأن يقبل أي شخص يده "كان بيزعل جدًا وبيشد إيده".
التشدد لم يكن من صفات الشيخ، يحكي "عادل" عن الزمن الذي كان والده مشهور بتربية الكلاب، لم يمانع الشيخ الأمر "كان منفتح ومش متزمت"، وعندما توفى واحد من أبناء الشيخ-مهاب- وهو ابن الـ 17 عاما، اكتسى البيت بالحزن لكن الأب تحامل على نفسه ووضع التلفزيون الذي يمتلكه في شرفة منزله وأشعله بعد 3 أيام من الحادث السيء "كان بيبعت لجيرانه رسالة إنهم يعيشوا حياتهم وميخافوش يشغلوا حاجة عشانه" كان يفكر في الآخر دائما، يُشغله سعادة الغير.
في أوائل الثمانينيات، قرر الشيخ الانتقال إلى منزل جديد في شبرا مصر، رغبة منه في السكن بجوار صديقه إبراهيم الشعشاعي، والعيش في منزل يسع عائلته الكبيرة، مر يوم الرحيل عن دوران شبرا ثقيلا على قلوب جيرانه، اعتادوا جمال صُحبته، ومساحة الأمان التي يصنعها بحضوره، غير أن آثاره ظلت باقية حتى الآن في الحوائط المجاورة والمواجهة للشقة، رسومات لقلوب صنعها الجيران في طفولتهم، تواريخ مرفقة بأسماء الشيخ كُتبت منذ عقود "منقدرش نمسها لأنها من ريحة الحبايب والبيت من ساعتها بحالته".
صلة العائلتين لم تنقطع برحيل الشيخ، فقد ظل "عادل" حافظا لعهد الود بينه والشيخ "حتى اليافطة بتاعت الشيخ اللي في أول البيت سبناها محبيناش نشيلها"، كما استمرت الزيارات بين الأسرتين حتى مرضه الأخير، دمعة انفرطت من الجار حين تذكر وفاته، كان يعمل خارج البلاد وقتها "كلنا اتأثرنا جدا برحيله".
تابع باقى موضوعات الملف:
بالفيديو والصور- مصراوي يروي قصة محمد عمران.. سلطان "القوالة" من مصر القديمة إلى فلسطين
"جدر" الشيخ طه الفشني.. "يمد لسابع أرض" (فيديو وصور)
بالصور.. مصراوي مع أسرة "طوبار".. حكايات شيخ المبتهلين باقية (حوار)
ابن "النقشنبدي": السادات كان يلف خلفه الموالد.. وفرقة أم كلثوم انتظرته على باب المسجد (حوار)
بالصور: محمد الهلباوي.. أنشد فترك الغرب بلا هوية
بالفيديو: محمود محمد رمضان.. سفير القرآن في دنيا المُنشدين
مُريد على الطريقة الحديثة.. رحلة شاب في حب الشيخ عمران
بالصور: "طوبار" في "الخازندار".. أيامه الأولى والأخيرة في دنيا الابتهال
فيديو قد يعجبك: