إعلان

نبيهة لطفي.. سيدة الأفلام التسجيلية

05:57 م الإثنين 22 يونيو 2015

كتبت-رنا الجميعي:

كأنها عاشت حياتين، الأولى بجانب البحر، والثانية بجوار النيل، حيث استقر جسد "نبيهة لطفي" بالقاهرة منذ الخمسينيات، التي نالت من عُمر ابنة صيدا أكثر من ستين عام، لتسكن هُنا بمصر، وتنسج من سنين حياتها قصيدة في حب السنيما والتفرغ لها.

بجنازة السيدة تجاور الفنانون والسياسيون من كافة الأطياف لتسجيل حضورهم بجانبها حتى آخر لحظة، رغم عيشها بالقاهرة لأعوام طويلة إلا أن اللهجة اللبنانية مازالت تُمسك بتلابيبها لا تفلتها، تلك اللهجة التي ساعدتها لأن تكون "فرانشيسكا" اليونانية بفيلم "رسائل البحر"، السيدة المثقلة بالهموم المتمسكة ببيتها القديم قدر الإمكان، لكن جسدها القليل لم يحملها كما ترغب، تنازلت عن حلم البيت مع توحش الرأسمال، وعادت إلى يونان.

 

dbd32b6f7e62dea84721b5cb5ca3ea3f_123523103_147

"ليه تشتري التروماي يا يحيى لما ممكن تشتري التذكرة".. كانت تلك كلمة "نبيهة" بالفيلم، موجهة حديثها للشاب "يحيى"، غير أن كلمتها تلك تليق بها، ولم تكن مُجرد جملة تحفظها كممثلة، فالفتاة التي درست بالجامعة الأمريكية ببيروت اشتركت باعتصام ضد حلف بغداد، كانت نتيجته فصل عدد كبير من الطلبة وتعليق دراسة بعضهم، كانت هي منهم، كما قالت بأحد الحوارات التليفزيونية، لم تتمسك "نبيهة" بوجودها ببيروت، مع السماح للطلبة بالسفر لمصر بعهد الرئيس "جمال عبدالناصر"، وهو ما فعلته الشابة.

"كانت فرصة كويسة دراسيًا".. هكذا قالت "نبيهة" عن دراستها للغة العربية بجامعة "فؤاد"، القاهرة الآن، المدينة التي تحوي "كِل شي" أصبحت مدينتها، تتلمذت على يدي عظام من بينهم "طه حسين" و"سهير القلماوي"، رغم حبها للسنيما لم تُفكر في دراسته، إلا مع إشارة الناقد المسرحي "سامي خشبة" لها للدراسة بمعهد السنيما، قليلات دخلن مجال الإخراج كانت من بينهن "نبيهة".

تتلمذت "نبيهة" على يدي مخرجين كبار من بينهم يوسف شاهين، اقتربت من عالم السنيما مع عملها كمساعدة مخرجة بعدة أفلام، كان من بينهم فيلم "أجازة صيف" مع المخرج سعد عرفة، عملت مع عدد من المخرجين مثل فطين عبد الوهاب "أخف دم" كما قالت، والمخرج خليل شوقي، تعاونت مع رفيق الصبان في سيناريو وحوار فيلم "الإخوة الأعداء".

كممثلة لم تظهر كثيرًا على الشاشة، لكنها كانت وراء العديد من الأعمال، من خلال عملها مع المخرج "شادي عبد السلام" تعلّمت، السيدة الأربعينية التي جلست بمكتبه "مكتب شادي عبارة عن مدرسة"، فكان عالم تعرفت "نبيهة" من خلاله على أناس عديدين، كانت عيني المُخرجة أشبه بعدسة كاميرا، لذا رصدت كثيرًا من تحولات القاهرة، سواء أماكن أو أشخاص، مع حلول ذكرى ألف عام على تشييد القاهرة عام 1969، أخرجت فيلم "ألفية القاهرة"، رصدت تحولات شارع محمد علي في فيلم باسمه، كما أنها لم تنظر إلى تحية كاريوكا كراقصة فقط أو ممثلة، لكنها نظرت إلى الإنسانة "اللي ليها دور وطني"، لذا قامت بفيلم تسجيلي من خلال آراء شخصيات عامة عن "كاريوكا".

الهمّ العام كان جزءًا منها أيضًا، لم تنفصل "نبيهة" عن وعيها العربي، فقامت بتسجيل مأساة مُخيم الزعتر في فيلم "لأن الجذور لا تموت"، على صوت الشيخ إمام بدأ الفيلم، مغنيًا بـ"يا حكاية كل الناس، من قلب الناس للناس"، وانتهى بصوته يقول "يا فلسطينية وأنا بدي أسافر حداكو"، أما ثنايا الفيلم فكانت السيدات هن الصوت الأبرز فيه، حيث حوى وجع المخيم الذي سُوِّي بالأرض عام 1976.

حُب السنيما المُتمكن منها جعلها تقوم بالاشتراك مع فنانين بعدة مشروعات سنيمائية، بوسط القاهرة تأسست جماعة السنيما الجديدة، التي حاولت تجاوز حال السنيما المُتردي، كذلك شاركت في تأسيس جمعية السينمائيات، ومن بعدها حركة صناع الأفلام التسجيلية.

لم تشترِ "نبيهة" التروماي كما قالت، فلم يتحسن حال السياسة كثيرًا ولا السنيما، لكنها اشترت "التذكرة"، حيث ظلت تحفر بمعولها الصغير في جدار السنيما التسجيلية لتصنع اسمها، رحلت السيدة منذ أيام قليلة، عن عمر يناهر الثامنة والسبعون، ليكون آخر أفلامها التسجيلية عن مُعلمها، وتحت اسم فيلم "عالم شادي عبد السلام" أسدلت "نبيهة" الستار على حياتها كمخرجة.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان