إعلان

رسائل "الزنازين".. "بساط ريح" المعتقل في دنيا العتمة (ملف خاص)

05:37 م الجمعة 25 ديسمبر 2015

رسائل الزنازين

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتبت-إشراق أحمد:

أربعة جدران، لا سلطان للزمن عليها، هي بقعة منعزلة للمقيمين بينها، حقيقة يمضي وقت لتصديقها، عالم آخر أُجبر عليه مَن ليسوا بأرباب "السوابق" وذوي الجريمة، لكنهم في لحظة باتوا "سجناء"، أسباب مختلفة وضعها محتجزوهم، غير أنه منذ القبوع خلف "الزنزانة"، وصار الانتظار حرفتهم الوحيدة، يعضون بالنواجز على الأمل، ينسلب منهم بمرور الأيام دون زوال "الظلم"، ليفتحوا له باب آخر في كلمات معدودة، رسائل منهم وإليهم، تعيدهم للحياة في لحظات، تفر بهم بعيدا عن تلك الحجرة المشتدة ظلماتها، فيتنفسون شيئا من "حرية"، حرمّها السجانون عليهم، بإحكام قيدهم ظنا منهم أنه الخلاص، فيما تَعُبر رسائلهم من وإلى أحبائهم محطمة جدران "السجّان" أينما كانت.

"وأحضن جرحكم وألُم شوك الدرب بالجفنين"...
في 15 ديسمبر الجاري، تداولت رسالة للمناضلة الجزائرية جميلة بو حريد، وجهتها للأسيرات الفلسطينيات بسجون الاحتلال الإسرائيلي، كلمات رقيقة الصياغة قوية المعنى سطرتها سيدة قاومت مرضها، سبق أن أمضت نحو 6 سنوات بالسجن، نظير تحرير بلادها من الاحتلال الفرنسي، مواجهةً قبل أكثر من 60 عاما المصير ذاته الذي يلاقيه الفلسطينيون من التنكيل والتعذيب، لتمر السنوات وتكتب أول رسالة قالت بها "مهما طالت أيام السجن القاسية فإن نور الفجر زاحف لا محالة لينهي الاستعمار والمستعمرين، ولن يكون المستقبل إلا لكن ولشعبكن العظيم، وتمنيت لو كنت معكن".

مثل تلك الرسائل تشكل فارقا في حياة المعتقل، لا يعرفه إلا مَن ذاق، لذا كان لعبد الناصر فروانة رئيس وحدة الدراسات والتوثيق بهيئة شؤون الأسرى، مَن حمل مسؤولة إبلاغ رسالة "بوحريد" بفلسطين، والذي أمضى في سجون الاحتلال نحو 6 سنوات، وصف لما تحمله الرسائل من معاني، يتشابك مع إحساس مَن لازالوا بالسجون، فيرى بها "جرعة جديدة من الصمود والثبات في انتظار الحرية".

"هي وسيلة التواصل الإنساني عن بعد مع العالم خارج الأسوار وتبادل مشاعر الحب والوفاء والاشتياق بين الأسير ومَن يحب من الأهل والأصدقاء والجيران"، كذلك حرص "فراونة" على وضع تعريف للرسائل، فقد عرفها صغيرا منذ عاصر السجن وهو لم يكمل الثالثة من عمره، حين اعتقل أبيه، أخذ يتلقاها منه ومن أصدقائه الأسرى، كان ينتظرها "بفارغ الصبر" كما يصف، يحفظها، يخشى عليها من التلف، يردد كلماتها الثورية ومقولات لمناضلين سبقوه، وكذلك كان المشهد، فقط تبدلت الأشخاص، وتغيرت أعمارهم، إذ صار هو الأسير ووالده الزائر.

صورة2

أوائل عام 1988 اعتقل "فراونة" من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي، اعتقال إداري كما يُعرف –دون تهمة-، زج به في سجن النقب، المعروف بقسوته، ليس فقط لسجانيه، إنما لظروف موقعه بالصحراء، لم يكن مضى حينها على خروج أبيه أكثر من 3 سنوات بعد 15 عاما قضاها بسجون الاحتلال، فيما كان أخيه الأصغر عمرا منه قابعا بسجن عسقلان يقضي سبع سنوات، لتمر الأربعة أشهر الأولى بالسجن عصيبة على الشاب حينذاك، حتى تلقى أول رسالة من والديه عبر محاميه، إذ كانت الزيارات ممنوعة على الإطلاق، حينها وفقط ذاق شعور أبيه والأهل الواقعين تحت الأسر، وذاق المفعول السحري لتلك الوريقات "جاءت لتنقلني إلى خارج الأسوار لأعيش بين الأهل والأحبة".

"سأبنى للمنى جسرا على الشطين"...
السجن كله سواء، ظلام موحش يُقبض النفس، يزيدها ألما، لا يفرق بين مكان وزمان الاحتجاز، "الأصعب من السجن نسيان المعتقل" شعور بات مترسخا في نفس طارق محمد، بعد اعتقاله قبل عام وعشرة أشهر، واقتسمه مع شقيقه الأصغر محمود، فالجسد يمكنه تحمل أي شيء، إلا أن يتملك منه إحساس الفقد، خاصة إن كان لا يعلم سبب سجنه، وهو ما حدث مع الشقيقين، بعد مشاركتهم في تظاهرات بالذكرى الثالثة لثورة 25 يناير، فمكث الشقيق الأكبر بالسجن بتهمة "الانتماء لجماعة إرهابية" فيما تحمل بطاقته السياسية انتماء لحزب الدستور، بينما استمر حبس "محمود" احتياطيا حتى الآن.

لا يزال يذكر "طارق" رباعيات صلاح جاهين التي أهدتها له سامية جاهين خلال إحدى الزيارات، فمنذ ذلك الوقت لم تبرحه، يعيد قراءتها لتُطل عينه على كلمات كتبتها له الصديقة بمستهل الكتاب "الرباعيات هونت عليا في فترة صعبة ويارب تهون عليك أنت كمان"، حينها تناسى ذلك الشعور بالنسيان، خاصة وأن الزيارات لم تنقطع، لكن الرسائل لم يعد لها ذلك الوقع المبهج على نفسه وقت سجنه، إذ باتت العلاقة مع شقيقه "محمود" متمثلة في "جواب كل أسبوع".

بالصف الثاني الثانوي كان شقيق "طارق" حين وجد نفسه قابعا في "زنزانة"، دون تهمة مثبتة، لقرابة عامين ظل محمود محمد أحمد حسين يوسف بسجن الاسئناف، لم يغادره إلا لمرات تجديد النيابة، لتهم يحملها محضر 715 لسنة 2014 إداري المرج شمال القاهرة، بزعم انتماءه لجماعة إرهابية وغيرها من التهم، لا حرز لها إلا قميص ارتداه يوم 25 يناير 2014 مكتوب عليه "وطن بلا تعذيب"، بينما كان عائدا لمنزله، لكنه لم يعد لحجرته وعائلته منذ ذلك الحين.

صورة3

"مهما المطر يغيب ندانا يحننه.. ويقول محمود محمد وطن بلا تعذيب.. من غير ما نسجنه" جزء من قصيدة كتبها الشاعر أمين حداد لـ"محمود" أكتوبر الماضي، كانت من بين الرسائل، التي أزالت عنه الشعور بأنه منسي خلف تلك القبضان، حتى أنه أخذ يعيدها في رسائله إلى شقيقه "طارق"، فطيلة عامين صارت الأوراق البيضاء، الأقلام، الألوان الخشبية زاد من يكمل عامه الـ20 داخل السجن يناير المقبل، لا يكتفي بما يُكتب له أو يكتبه هو للأهل والأصدقائه، بل يداوم ممارسة هوايته في الرسم، فيرسل أحيانا رسائل في هيئة رسوم، أملا في إضفاء البهجة على مَن يراها كلما سنحت الفرصة، وما لم يسلبه السجّانون أدواته.

"على نار أنا هنا ووراء السور"...
عمليات التفتيش المباغتة للزنازين، هي العدو الأول للرسائل، وتذكر روضة جمال الشهور الأولى لها في سجن القناطر، وهي لازالت حديثة العهد مع "الجوابات"، لا ترى ضرر من وريقات، عرفت طريقها إليها صدفةً بفعل الفراغ، لتحمل حريتها المكبوتة، واصفة ما تمر به بالكتابة حينا وبالرسم حينا آخر "بخرج من مشهد السجن كأني ببص عليهم من فوق وده أصعب من المشهد نفسه"، حينها ظنت أن إجراءات التفتيش ذاتية فقط، قبل أن تستيقظ فزعة بإحدى الليالي على أصوات السجّانات، لترى أيديهم تمتد بالتقطيع للأوراق واتلاف ما تملكه المحتجزات.

"كانت روحي بتطلع تجري ورا الحاجات اللي بتترمي" كذلك كان إحساس "روضة" بينما تنظر لرسائلها الممزقة، ليمر العام ويُخلى سبيلها دون ثبوت تهمة عليها، وتخرج طالبة الفرقة الأولى بكلية رياض أطفال لكنها لم تعد تلك الفتاة شديدة التعلق بأشيائها، هان كل شيء في عينيها "بقت كل حاجة ممكن تضيع في لحظة ومزعلش عليها"، لكنها رغم ذلك لم تستطع التخلي عن إطلاق طفولتها حين يأتيها نبأ الزيارة، فتقفز من سريرها القريب من السقف بين الأسرة متعددة الطوابق، تهرول ليس لرؤية الأهل لكن من أجل الرسالة المكتوبة التي تعينها حتى الزيارة التالية، فكانت بالنسبة لها "النفس اللي بيتاخد عشان اكمل بيه بقيت الاسبوع".

دقائق وتمر زيارة المعتقلة في يناير 2014 من جامعة الأزهر بتهمة حيازة سلاح أبيض وانتماء لجماعة محظورة، تقبض "روضة" على الجواب المعطى لها، تسرع مرة أخرى عائدة إلى عنبرها، تجلس على سريرها، تتناسى كل شيء إلا كلمات الرسالة، تنهل عيناها منها، تدخل في رحلة، تسافر بها عبر ورقة خارج حدود الزنزانة، تسمع بها صوت الأهل والأصدقاء، فتضحك بصوت جلي حينا، وتبكي حينا آخر، كذلك اكتشفت أنها مثل "أسماء" رفيقتها بالسجن، حين كانت تبتسم متعجبة لحالها وهي تقرأ الجوابات المرسلة إليها.

يتفاوت تأثير الرسالة حسب المرسل والمرسل إليه، فرسالة الأهل غالبا ما تكون "كئيبة" كما قالت "رضوى"، تحمل مشاعر الفقد والحزن لمشقة ما تلقاه أسرة المعتقل، وتأتي رسائل الغرباء المتضامين لتربط على القلوب "بحس أني مش منسية"، فيما تظل "مراسيل" الرفاق من أصدقاء داخل وخارج السجن هي الأقرب، تبعث في النفس السعادة، وتمدها بالصبر والثبات، فلا زالت رسائل صديقتها المقربة "سلمى" المميزة بورقها الأصفر محل حديث بينهما بعد خروجها من السجن، وكذلك كلمات رفيقتها القابعة بالسجن حتى الآن لا تفارق سمعها "خلي بالك من روحك يا هانم عشان السجن بيشوه حاجات فيها من غير ما نحس..لازم ناخد بالنا لنطلع أنيل مما دخلنا".

"وقيد يدي في طول عمركم المجدول بالعار"...
وهناك مَن عايشوا بالسجن حياة هي في الأصل خارج حدود الحياة، تتجلى بها أقصى معاني الفقد، الذي لا يفرقه عن الموت سوى النبض الجاري بالعروق، ففي سوريا ثمة أناس عايشت تحول أشياء عادية مثل رسالة من الأهل إلى شيء "نفيس" كما يصف محمد برو، أحد مَن قبعوا في سجون سوريا، التي رغم قلتها، لكنها الأشد قسوة، ففي ثمانينات القرن الماضي بسجن تدمر قضى "برو" ثمانية أعوام كأنه في قبر، لا يتنسم خبر إلا "عبر شقوق الروح في الرؤى والمنامات"، حتى باتت ثرثرة "الجلادين" كما يصفهم- على بذائتها ملاذا للشعور أن الزمن يمر.

صورة4

بـ"تدمر" كان الظلام هو السيد "منطقة العمى" كما وصف المعتقل السابق، الخروج أشبه بمعجزة إلهية "أكتر من25 ألف شخص خرج منهم فقط 7 آلاف" حسب قول "برو" الذي دلف للسجن فتى ابن 17 عاما، ليخرج منه رجل في الثلاثين من عمره، بسبب منشور وجده أحد أصدقاءه تحت باب منزله، فتحدثوا عنه، لبيتوا محسوبين على التيار الإسلامي بعد وشاية أحد جيرانهم، وتجرعوا العذاب باتهامهم بمحاولة اغتيال الرئيس حافظ الأسد حتى صارت عاصفة رملية أرحم من جلاديهم.

ورقة صغيرة، صفراء لونها، نحو نصف صفحة من جريدة "البعث" الحكومية، عصفت بها الرياح، لتستقر بين قبضان حديد "الزنزانة" المتواجد بها "برو"، كان ذلك في نهاية عام 1982 حين قرر الشباب المعتقل "المغامرة"، وتشكيل برج بشري من ثلاثة طبقات للانقضاض على تلك الوريقة، التي أخذوا يتناقلوها لشهور فيما بينهم، "نحو 200 شخص" يقرأونها سرا صباحا ومساءا حتى نال منها البلى.

"أقول للناس، للأحباب: نحن هنا"...
"التحايل"هو السبيل الوحيد لوصول أو استقبال الرسائل، أمام قبضة أَمنية لا تتيح في أغلب الأحوال حق المسجون في التواصل مع ذويه، ولو تحت أعين السجّان، لذا يعمل المعتقلون بشتى الطرق، على بلوغ نسمة من الحرية المفقودة ولو بشق الأنفس، فعندما يتجلى القمر، تتوجه "روضة" ببصرها نحوه قائلة "سلم لي على بنات بنها ودمنهور"، منفذة اتفاقهن بأن يكون ذلك موعد لقائهن أينما كانوا، فيما لا زالت تتذكر كلمات رفقائها على رسائلهم حين إرسالها ببريد السجن "شكرا لساعي البريد"، أملا في أن يستجيب الوسيط ولا تنقضي شهور دون وصول الرسائل.

كذلك حيوات السجن شاهدة على وسائل ابتكرها المعتقلون، فقط من أجل التواصل مع ذويهم، فلا يزال يحتفظ "فروانة" بعدد من "الكبسولات" والرسائل التي حوتها، حتى أنه حرص على الحديث عنها في كتابه "الأسرى الفلسطينيون..آلام وآمال" االصادر هذا العام- وقال إنها "تشبة كبسولة الدواء في شكلها، وهي وعاء من النايلون، ملفوف جيدا، تغطي بها المادة المكتوبة، التي عادة ما تكون على ورق شفاف وبخط صغير جدا، يتم إغلاقها بالتسخين على لهب ولاعة، ويتم وضع عنوان المادة المكتوبة على ظهر الكبسولة".

صورة5

لا سبيل سوى "الكسبولة" حين يريد الأسير الفلسطيني التواصل مع رفاقه القابعين خلف "زنازين" المحتل أو نقل معلومات مهمة إلى تنظيمه وقياداته خارج السجن، إذ يبتلعها السجين المفرج عنه أو المنقول، وأحيانا يحفظا في فمه أو في فتحة الشرج، ثم يخرجها في المكان الجديد كما قال "فروانة".

أما في سوريا، فقد شهد سجن صيدنايا بداية التسعينات، تغيير بسيط لكنه عظيم الأثر في نفس "برو"، إذ استطاع لأول مرة تسريب رسالة شفهية إلى أهله بعد انقطاع 8 سنوات في غياهب السجن، وذلك عبر الزيارات المسموح بها فقط للتيار الشيوعي "كان أحدهم يمرر في حديثه المراقب من الجلادين والشرطة العسكرية رسائل متقطعة فيذكر خالته أم محمد برو وبعد عدة جمل يذكر حلب ثم يمرر العنوان بجملة أخرى"، ليقوم الأهل بتجميع الرسالة، وإعلام أسر المعتقلين الممنوع عنهم الزيارة أنهم أحياء، وهذا مع ذكر علامة خاصة بالمعتقل "اذكر لوالدتي جرح قديم بركبتي أو اسم طبخة احبها" لتتأكد أسرته صدق وثقة "المرسال".

صورة6

تطور الأمر وصار بإمكان المعتقلين في صيدنايا من كتابة رسائل، عبر ورق السجائر، التي لا تتعدى عقلتي إصبع، عملية شديدة التعقيد، يحفظ "برو" تفاصيلها باللفتة، تبدأ بالكتابة بقلم جاف فرنسي لدقته، والبعض تمرس في الكتابة، فكانت تتسع الورقة بين يديه لـ400 كلمة واضحة ومفهومة، ثم تطوى الورقة وتغلف بشريحة رقيقة جدا من نايلون أكياس الخبز، حتى تصير بحجم حبة الحمص، تحفظ في القلب بين ثلاث شرائح مربعة من عظم الطعام المقدم، سمك الشريحة الواحدة 2 ملم وطول ضلعها 15 ملم، وذلك بعد تفريغ الشريحة الوسطى، لتُضم الشرائح إلى بعضها وتلصق بمادة "الالتيكو"، فيتكون شبه مستطيل من العظم الأبيض، ولا يكتفي المعتقلين بشكله هذا، فيضفوا عليه لمسه فنية، بنحت شكل قلب أو هندسي، يُكتب عليه بقلم "روترينغ" أسود عبارة محببة أو اسم المرسل إليه، ثم تطلى بالمادة اللاصقة، لإكسابها لمعانا، وتوضع بها حلقة ناعمة من النحاس الأصفر، ليسهل تعليقها كحلق أو سلسلة.

"كرسالة من نثرات الوحي أو مرسلة من عالم برزخي هو للموت أقرب" كذلك يصف "برو" وقع وصول الرسالة لأهل المعتقل بسوريا، إذ تُفتح بين جمع الأهل عبر طقس احتفالي، وبعناية فائقة تُقرأ، حتى تأتي فرصة الرد، فيوم السبت الساعة الواحدة بعد منتصف الليل، كان يحرص المعتقلون على تشغيل راديو استطاعوا تهريبه، ليستعموا إلى برنامج "أبناؤنا في العالم"، فعبره فقط كانوا يستقبلون رسائل أهلهم، والتي تأتي مشفرة "والدتي كانت ترسل لي باسم كمال ابن أخيها الموجود بكندا" هكذا ظل الوصال "المتحايل" عليه بين "برو" وأسرته حتى الإفراج عنه.

"فعانقوني عناق الريح للنار"..

لم يستقبل "برو" رسائل تضامن أو دعم من غرباء، كما حدث مع المعتقلين الآخرين، ففي ذلك "مخاطرة" لا يستطيع تحملها غير الأهل "لو انظبط حدا بيراسل سجين هيكون جزاءه الموت"، لهذا كانت تأتيه الأخبار صادمة لحدة تحولاتها "أول رسالة وصلت من الأهل عرفت أن شقيقتي التي تركتها بعمر 12 عاما أصبحت أم وعندها طفل"، فيما جاءت أول رسالة لـ"روضة" مهربة بمعكسر السلام –بداية احتجازها، عبر ورقة صغيرها طمأنها أخيها أنهم سيخرجونها، لتبادله بأول رسالة "عايزة بطانية ومصحف ومش عايزة أكل ولا حاجة خالص.. أنا معملتش حاجة هم اللي اخدوني.. قول لأمي متزعلش مني".

ورغم هذا، سيظل للمعتقلين حياة في رسائل، يحفظها "فروانة" دعما لقضية الأسرى وتوثيقا لانتهاكات المحتل، وتتجنب "روضة" لمسها كي تتعافي من آثارها الحزينة، ويتذكر "برو" تفاصيلها عن ظهر قلب عسى أن يكون يوما قريبا لمحاسبة الظالمين من الحكام، والتذكير بأن الحاضر أسوأ، فيما يتمنى "طارق" أن تتوقف بإخلاء سبيل أخيه "محمود" يوم 26 ديسمبر الجاري –موعد عرض النيابة- بعد 700 يوم داخل السجن، فلا يكون بحاجة مرة أخرى للتواصل مع شقيقه عبر "جواب".

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان