مدنيون قُتلوا "سهوا" في طريق الدول الكبرى

كتبت-دعاء الفولي:

إذا ما بدأت الحرب، كان الرجوع عنها عسيرًا، على إثرها تُدمر المُدن، تنتهي الأحلام، يُقتل المدنيون على قارعة الطرق، لا سيما إذا كانت تلك الحرب بقيادة الدول الكُبرى، حينها تتفاوت أشكال الاعتداء، من قصف يُدمر مدارس أو مستشفيات، أو قتل بالأسلحة النارية، ثم تخرج قيادة الدولة المعتدية فيما بعد معترفة أنها قتلت مدنيين "بشكل خاطئ"، أو قد لا تفعل، فالمدنيين في ميزان هذه الدول لا ثمن لهم.

منذ 14 عاما لم تبرح القوات الأمريكية أرض أفغانستان، بدعوى "محاربة طالبان"، وخلال تلك الأعوام قُتل أكثر من 150 ألف مواطن أفغاني –طبقا لتصريح رمضان دوست عضو البرلمان الأفغاني عام 2011-بسبب القصف وأثناء ملاحقة العناصر الإرهابية، كما يأتي على لسان الطرف الأمريكي، ما أدى لاستنكار منظمات المجتمع المدني لأداء جيش الولايات المتحدة، كـ"العفو الدولية" التي أكدت أن القضاء الأمريكي يوطد "ثقافة الإفلات من العقاب" لدى جنوده الذين قتلوا أفغانيين دون ذنب.

لعل الحادث الأقرب كان في الثالث من أكتوبر الماضي، إذ قصفت القوات الأمريكية مستشفى تابع لمنظمة "أطباء بلا حدود" بمدينة "قندوز" الأفغانية، وراح ضحية الحادث 22 شخصًا. عقب الواقعة أيام صرّح الجنرال جون كامبل، القائد الأمريكي للقوات الدولية العاملة في أفغانستان لأعضاء بالكونجرس، إن قرار شن الغارة كان خطأ اتخذ في إطار هيكلية القيادة الأمريكية، غير أن القائمون على المنظمة قالوا إن ما فعلته القوات كان "جريمة حرب"، مطالبين بفتح تحقيق عاجل من قبل وزارة العدل الأمريكية، ووزارة الدفاع وفريق أمريكي أفغاني مشترك.

القصف ليس الطريقة الوحيدة، ففي سبتمبر 2011 قتل جندي أمريكي مراسل مؤسسة "بي بي سي" بأفغانستان، أحمد أوميد، بعد أن ظنه متمرد خلال عملية رد على هجوم استهدف مكاتب إذاعة وتلفزيون أفغانستان، وكان الجنود حينها يحاولون تطهير المبنى بعدما فجر انتحاريان قنابل في المكان وشاهدوا شخصا "يقبض على شئ في يده ويحاول اخراج شئ اخر بيده الاخرى فجاء الاعتقاد بأنه انتحاري يحاول تفجير قنبلة" فانفتح عليه الرصاص.

وبشهر مارس من نفس العام قتلت قوات أمريكية خاصة ابن عم للرئيس الأفغاني حامد كرزاي، بطريق الخطأ عندما داهمت منزلا في جنوب أفغانستان، وكانت تلك الحادثة قد سبقتها أخرى وسقط فيها 9 أطفال أفغان، ما أثار غضب "كرزاي" ورفض اعتذار قائد القوات الأمريكية، قائلًا "هذه الاعتذارات ليست كافية ولم تعد مقبولة".

قوات الناتو –حلف شمال الأطلسي- كان لها دور في قتل الأبرياء بأفغانستان أيضًا. أنقذت قوات الناتو الصحفي البريطاني ستيفن فاريل من أيدي طالبان عام 2009، لكن قُتل في العملية زميله الأفغاني سلطان منادي واثنين من المدنيين الأفغان، كما قُتلت عاملة الإغاثة البريطانية ليندا نورغروف، عام 2010، بواسطة قنبلة ألقتها القوات الامريكية الخاصة عليها وهي تحاول إنقاذها في إقليم كونار.

والعراق أيضا..

بدأت القوات الأمريكية عملية الانسحاب من العراق أواخر 2011، إلا أن أيدي الولايات المتحدة طالت المدنيين عقب ذلك أكثر من مرة، لعل أبرزها ما حدث بمارس الماضي، حين استهدفت القوات نقطة تفتيش تابعة لتنظيم "داعش" فقتلت أربعة مدنيين بينهم طفل.

اعترف الجيش الأمريكي بالأمر بعد تحقيق استغرق شهورا، وجاء فيه أن نقطة التفتيش كانت هدفًا مشروعًا وأن "كل التدابير المعقولة" اتخذت لتفادي وفيات غير مقصودة وأنه لم يمكن رصد وجود مدنيين حتى بعد أن أطلقت الطائرة الحربية أسلحتها، سوريا أيضًا كانت من الدول التي وقع فيها مواطنين عُزل أثناء قصف القوات الأمريكية لمواقع "داعش"، طبقًا للمرصد السوري لحقوق الإنسان، غير أن الجانب الأمريكي نفى ذلك مؤكدًا أنهم اتخذوا تدابير تحول دون سقوط مدنيين.

إسرائيل "المظلومة" دائما

ترتكب إسرائيل جرائم مُمنهجة ضد الفلسطينيين، ولا تتورع عن التفاخر بما فعلت، لكنها ترفع عن نفسها الحرج أحيانًا حين يزداد الضغط الدولي، فتُعلل الإبادة بالخطأ غير المقصود.

ما حدث بغزة عام 2014 خير مثال، إذ استمرت الغارات الإسرائيلية على القطاع 50 يومًا، استشهد فيها أكثر من 1500 مدني منهم 500 طفلًا، طبقا للأمم المتحدة، إلا أن الحكومة الإسرائيلية شككت في هذه الأرقام، قائلة: "الضرر الذي وقع على السكان المدنيين هو نتيجة الآثار المؤسفة-وإن كانت مشروعة-والعرضية لعمل عسكري مشروع بالقرب من المدنيين ومحيطهم، ونتيجة القيود التي لا مفر منها على القادة فهم ليسوا معصومين من الخطأ ومعلومات الاستخبارات ليست مثالية، كما أن الأنظمة التكنولوجية تخفق في بعض الأحيان".

كذلك في أكتوبر الماضي وبمدينة بيت لحم، اُستشهد الطفل عبد الرحمن عبيد الله، بيد قناص إسرائيلي، وصرّح الاحتلال بعد تحقيق مزعوم في ملابسات مقتله أن القناص أخطأ الإصابة، فقد كان يستهدف أحد النشطاء المعادين للنظام، لكن عبد الرحمن كان يقف بجانبه فأردته الرصاصة قتيلا.

 اليمن الجريح

بدأت عملية "عاصفة الحزم" التي ترأسها السعودية بجانب 9 تسع دول عربية أخرى، منهم مصر والإمارات والأردن، في مارس المنصرم، ضد جماعة الحوثيين باليمن، ورغم أن العملية تستهدف الجماعة المتمردة غير أن الموطنين العُزّل لم يسلموا من القذائف.

الغارات التي شنتها قوات التحالف العربي قتلت 131 مدنيًا بسبتمبر الماضي، بينهم نساء وأطفال، بالقرب من مضيق باب المندب، وقال سكان محليون حينها، إن غارة جوية خاطئة أصابت ريفيين كانوا يشاركون في حفل زفاف، حسبما جاء بموقع روسيا بالعربية، الذي نقل على لسان مسعفين بمنطقة "ذباب" إن طيران التحالف قصف بالخطأ تجمعًا لعدد من السيارات حيث كان العشرات من النسوة والرجال يقيمون احتفالًا بمناسبة زواج أحد أبناءهم.

من جانبه نفى التحالف أي دور له في الهجوم، وقال العميد الركن أحمد العسيري، المتحدث باسم التحالف العربي لوكالة فرانس برس "لم يشن التحالف غارات في تلك المنطقة في الأيام الثلاثة الماضية"، واصفًا الاتهامات بأنها كاذبة.

وفي أكتوبر أيضًا قُتل 16 مدنيًا وجُرح 70 بسبب قصف قوات التحالف لأحياء عدة في تعز وبعض الأسواق، لذا دعت منظمة العفو الدولية لتشكيل لجنة للتحقيق في "الانتهاكات والتجاوزات من قبل جميع أطراف النزاع في اليمن"، موضحة أن أكثر من 2100 من المدنيين، بينهم 400 طفلًا قتلوا وأكثر منذ بدء النزاع في مارس، واتهمت المنظمة التحالف العربي بالمسؤولية عن الغالبية العظمى من القتلى والجرحى بين المدنيين، كما قالت إنه استخدم في الغارات الجوية "قنابل عنقودية محظورة تم إنتاجها أو تصميمها في الولايات المتحدة".