"الإفطار الأخير".. عن تعرية المجتمع وفضحه - (عرض كتاب)
كتب - أحمد جمعة:
في دنيا الفساد والإفساد يطالعنا الروائي والقاص هشام شعبان بروايته الجديدة "الإفطار الأخير" في 80 صفحة ذات القطع الصغير، عما يدور في باطن هذا المجتمع، عارضًا ومُعريًا عوراته والتي تشابكت فيها السياسة بالدين بشكل فج، حتى اتُنهكت القيم وانتزعت معاني الشرف والتي ثبتت في الريف المصري مع تطور الزمان.
لم يُخفِ شعبان في روايته، حال الساسة ودهاليز الحكم، فهناك من يُحرك في الخفاء الأحوال ويخطط ويقود، حتى في مجلس النواب، فالترشح في حد ذاته بناءً على توصية ورضا من رجل السلطة والمتحكم في المرشحين والذي وصفه بـ"الرجل الكبير".
في جولة شيقة حول هذا الموضوع تدور فلك الرواية، والتي عرضَ من خلالها القاص كيف وصلت الأحوال إلى حد الإنقلاب المجتمعي على ما هو طبيعي إلى ما هو غير محتمل؟. لن تقف الرواية عند "الكبار" أو غصون الأشجار، بل يُعمق "شعبان" في حكايته عن العباد الذين ضلّ سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يُحسنون صنعا.
ويتعمد شعبان ألا يترك قضيته التي بنى عليها مجموعته القصصية الأولى "رجل العباءة" والتي صدرت له عن دار "شمس" للنشر عام 2013، وهيّ "فجور المشايخ"، تلك القضية الذي جسدها في صورة "الشيخ عيسوى" إمام جامع الدعوة بقرية الحجر، الذي يضع وجهه تحت نعل سيده، حتى يتجرًأ على ما يحفظه ويفُهمه للعامة وينسى -بل إن صح يتناسى- الأيات والأحاديث النبوية؛ فها هو الذي يعامل زوجته كما يعامل "حمارته"، وينتهك الحرمات حينما يضاجع في الحرام من لم تحل له، ويتملق السادة للوصول إلى مقاعد الشرفاء.
ثمة قصة صاغها "شعبان" بإحكام عن السلطويين والذي يسعون إليها ما استطاعوا إلى ذلك سبيلًا، بطريقهم وبأساليبهم المشروعة منها والمُحرمة؛ حين يدفع كاتبنا برجل امتلك وسيلة إعلامية مصاحبة للتطور التكنولوجي الذي يشهده العصر، هو "الدكتور محمود البياض" الذي أراد تجديد عهد عائلته مع الترشح لانتخابات مجلس النواب، متخذًا ما هو غير شرعي للوصول إلى مصدر "الشرعيات".
يُعرفنا هشام شعبان على نوع جديد ممن يسعون إلى السلطة مستغلين إعلامهم المرئي وما أكثرهم خلال الآونة الأخيرة، الذين يخرجون علينا مدعين الوطنية وهم يضربون الوطن في مقتل بأسلحتهم الفتاكة التي لا تصيب الجسد قط، بل تهرول نحو العقول كما تستشري المخدرات في أنسجة المتعاطين، رغم عدم آهليتهم لذلك، فصاحبنا حصل على شهادة الدكتوراة في إدارة الأعمال بمبلغ 10 آلاف دولار من جامعة كامبريدج.
ثم يصحبنا الكاتب إلى بيئة أصابها العفن؛ تلك التي قامت على الرشاوى والعمولات وعدم الاهتمام بما يقدمونه من خدمات وسلع، فها هيّ مجموعة تعمل في الخفاء دون رقيب أو حسيب، تضر ولا تفيد، تؤذي ولا تنفع، مثلها "شعبان" في صور عدة؛ منها المهندس عنتر مدير الإدارة الزراعية بالبلدة والذي خصص لقاءً شهريًا يأتي فيه "عنتر" الذي حول أرضًا زراعيًا إلى ملعب كرة قدم دون وجه حق، مقابل الحصول على 500 جنيه نظير عدم تحرير محضر التعدي على الأراضي الزراعية، بخلاف المعلم عبده والذي أوكلت له مهمة شراء متطلبات "الإفطار الأخير" الذي أمر "محمود بيه بإعداده لأهل قريته" في خيمة انتخابية مهيبة، يقوم بشراء "الخضار الفاسد" من مزرعة خليفة، متخذًا تحت ذلك شعار "عرض وطلب.. خيار وفاقوس"، ثم لا يهملنا الكاتب مع ذلك، فيدفع بنا نحو التعرف على من هو "أوقح" منهم؛ "الجزار السلاموني" الذي ابتاع "اللحوم الفاسدة" من ذبيحته الميتة".
تمر بنا الأحداث وتتشابك، يتكاثر الفساد حتى تكتمل الصورة، يأتي مشهد "الخيانات" الذي يتصدره حسن ذلك الشاب الذي يعمل مع الدكتور البياض في قناته الفضائية، حين يجتمع مع زوجته الشقراء على فراش واحد، في المقابل تعرّف ذلك الرجل "العتيق" على خطيبة حسن "وعد"، يعرف الرجلان الحقيقة.. وعندها يسنا سيفيهما للانتقام، فمن يقضي على من بعد الإفطار الأخير؟.
ينتهي الكاتب إلى مشهد لم يكن متوقعًا أن تهبط ذروة الأحداث عنده.. فها هم "الحرافيش" قد تجمعوا في مجلس الدكتور البياض في انتظار الولائم الإنتخابية، الرجلان يعدان العدة للانقاض بعد نهاية اليوم، لكن الأمور تأخذ منحنى غير الذي خُطط له، فالموائد التي وضعت كانت كما أعدت، فما خبُث لا يُخرج إلا نكدا، يهرولون جميعًا مما امتلئت به البطون الخاوية على عروشها منذ "سحور" أحد أيام شهر رمضان، يتدافعون من "السم" الذي يفتك بهم، حتى يسقطون مغشى عليهم، وقد تبدلوا لأشباه وحوش مفترس تنتظر دفعة جديدة ستدخل إلى السياج لتؤدي خدمة مليك بالسوط في عالم سفلي مظلم وقاحل.
"جرس إنذار" يدقه هشام لهذا المجتمع، التحذير يأتي من نواحٍ شتى، بداية من الرأس حتى الذيل، الكل في "الإفطار الأخير" مُتهم، سيلقى عقابه، لكن السخط يأخذ بين طياته أنُاس كانت أقصى طموحاتهم الحصول على "لقمة هنية".
فيديو قد يعجبك: