لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

يحيى حقي.. قنديل يقطر نورًا

03:58 م الأربعاء 07 يناير 2015

الأديب يحيى حقي

كتبت - دعاء الفولي:

نحيل الجسد، قصير القامة، ممسكا بعكازه المزركش، المسبحة، نظارات لا تفارق عينيه، مبتسما بوداعة، مظهره بسيط، تأثيره عظيم، كتب الأديب يحيى حقي ذات مرة أن اسمه اقترن برواية ''قنديل أم هاشم''؛ فضاق ذرعا بذلك، وكأنه لم يخط غيرها. ربما في اللاوعي ارتبط اسمه بها لأنه ''قنديل''، ينثر ضوءًا على الذين عايشوه، يتلقف قصص الكتاب الصغار لينشرها بنفس راضية، يطور القصة القصيرة المصرية، يخدم المجتمع حتى قبل أن يصبح كاتبا، تمر سنون حياته، يموت، وتعيش مبادئه والكلمات.

بينما يستقلا الأوتوموبيل الخاص به، اعتاد ''حقي'' الحديث مع الكاتب نجيب محفوظ، كان الأخير موظفا معه في مصلحة الفنون والأول رئيسه الذي يكبره بخمس سنوات فقط، فقد ولد ''حقي'' 7 يناير عام 1905. في الأوقات التي عملا فيها معا لم يعهد صاحب ''القنديل'' التسلط على موظفينه، كان يأنس بهم، يزور ''محفوظ'' بحجرته المجاورة له، ويرد أديب نوبل له الزيارة، كانا خارج إطار العمل أديبين يجتمعان في السهرات الثقافية، وحاول ''حقي'' التعامل بنفس المنطق في العمل؛ فرفض ''محفوظ'' الذي لم يتنازل لمرة واحدة عن النهوض واقفا بمجرد حضور ''حقي''، ظلا 4 سنوات سويا بين العمل الحكومي والأدب ونادي القصة، احتفظ ''نجيب'' بفضل مديره عليه، وفي عام 1988 عندما حصل على جائزة نوبل، سُئل عن شخص يرشحه لنيلها فذكر اسم ''حقي''، مبررًا ذلك بأنه: ''كان معلما لكل المبدعين وأبا لكل الأدباء''.

مهرولا جاء الشاب إبراهيم مبروك من الإسكندرية، أقبل على سامي فريد الصحفي بمجلة ''المجلة'' وقتها، طلب منه قراءة نص كتبه بعنوان ''نزف صوت صمت نصف طائر''، وعده ''فريد'' أن يعرضه على ''حقي'' الذي كان رئيسا للمجلة، حيث كان مسئولا عنها من 1961 وحتى 1970، أخبره أن ''حقي'' على وشك السفر إلى فرنسا في الصباح التالي، توسل له الشاب أن يتصل به، وعندما فعل ''فريد'' وقرأ عليه النص، فأخبره أن أن تخرج القصة القصيرة في العدد القادم، ولما كان العدد قد اكتمل، فاختار رئيس التحرير إحدى المقالات ليحذفها مُبدلا إياها بقصة مبروك، وعقب نشر القصة، حضر ''مبروك'' إلى مكتب ''حقي''، فاحتضنه مرحبا بما كتب، المواقف التي ساعد فيها الأدباء البادئين كثيرة، لا يفسرها سوى افتتانه بالكتابة، فلا يعذر المُتيم إلا متيم مثله.

بمجلة ''المجلة'' كان هناك شُرفة، يطل منها كُتاب الستينات على المصريين، ظلت هكذا حتى تم إغلاقها عام 1971، في عهد السادات، وكان ''حقي'' قد تركها لخلافات بينه ومسئولي المؤسسة، اُغلقت طاقة كان يطل منها من لا مكان لهم، لكن ''حقي'' ظل قدر استطاعته، كوة تسير على الأرض، أو ربما لأنه كان ''مؤدبا أكثر مما يجب'' -كما تندّر عليه أصدقاؤه دائما- فلم يرد من عرض عليه أعماله بعد ابتعاده عن المنصب.

صاحب ''القنديل'' ولد في منطقة لها أصول نورانية، السيدة زينب، بدرب الميضأة، له أصل تركي، غير أنه انصهر في الأحياء المتوسطة، لكنه احتفظ بلفظة ''أفندم'' يستخدمها في معظم حديثه، تعلم في كُتاب السيدة، والتحق بمعهد المحاماة وخرج منه ليعمل بالسلك الدبلوماسي، لم تتصف الأسرة الكبيرة بالاستعلاء، على عكس أغلب الأتراك وقتها.

لا انفصام بين كتابات ''حقي'' الشفافة التي تجسدت بأعمال عدة، كـ''صح النوم''، ''أم العواجز''، ''فكرة فابتسامة''، ''خطوة في النقد'' وغيرها، وبينه شخصيا، كان يقف للخادمة في بيوت أصدقائه إذا ما جلبت شيئا، يشتري المثلجات لخادمة ابنته ''نهى'' إذا خرجت معهما لترعاها، لكنه كان حادا فيما يتعلق بكرامته، إذ رفض عرضا من سامي فريد بعد إغلاق ''المجلة'' ليكتب في الأهرام، بأي مبلغ يطلبه، عنفّه قائلا: ''انت كمان؟ عاوزين مني إيه؟ صدقت إني بشحت''، وبذات الكرامة صاح عام 1974، أنه لم يعد لديه ما يكتبه، حتى تُوفي عام 1992، والقنديل ما زال يقطر نورا حتى الآن، وسيرة عطرة، وكتابة ''خيّشت'' في عقل الأدباء والقراء.

لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة للاشتراك ...اضغط هنا

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان