''محمد وأحمد'' ضحيتا السويس.. الموت تحت أقدام ''الاشتباه''
كتبت-دعاء الفولي:
ثلاث أيام قبل الحادث، كان محمد سعودي يقف مع صديقه سعيد عبد الكريم قريبا من المنزل، يخبره الأول عن شكل زفافه المزعم إتمامه بعد شهرين، في الشارع، بين جنبات بيوت السويس حيث يسكنا، صوان كبير سيضم العروسين، سعيد سيحضر باقي ''الشلة'' كي يقوموا بواجب الرقص في فرح العريس، الوالدة لم تتوقف عن الزغاريد، ابنها البكر تزوّج لتوّه، لم يعلم ''عبد الكريم'' أثناء محادثتهما الأخيرة في الشارع، أنه سيتسلم جثة محمد وأخيه الأصغر أحمد، محملتان بدماءهما السائلة، بسبب طلقات رصاص تعرف طريقها إلى رأسيهما، وأنه سيذهب مع الأصدقاء لحمل نعش الأخوين، بينما ستتوقف الوالدة عن الزغاريد للأبد.
صباح أمس الاثنين بمنطقة عرب المعمل، لقي الشابان حتفهما على متن دراجتهما النارية، حيث استقلاها ذهابا إلى العمل، وذلك بعد أن أطلق عليهما أحد ضباط الشرطة بكمين مروري النيران، وكانت النيابة العامة بالسويس قد قررت برئاسة المستشار، أحمد عبد الحليم، المحامي العام الأول لنيابات المحافظة، اليوم، حبس ضابطي شرطة، 4 أياما على ذمة التحقيقات.
تربى محمود غريب مع الفقيدين في المنزل، هو ابن عمهم الأكبر، لم يكن في السويس حال سماعه بالخبر، إذ يعمل بأحد الشركات الخاصة بالقاهرة ''كنت بتباهي بيهم وسط صحابي''، المصارعة الرومانية كانت رياضة الأخوين، يمارساها منذ 10 سنوات، حصل محمد ذو الست وعشرين عاما فيها على بطولات عديدة محلية، ممثلا مؤسسة الجيش ''لدرجة إنه مكتوب له في البطاقة مصارع روماني دولي''، بينما كان أحمد على نفس مسار الأخ، اعتادا الذهاب معا إلى التمرين بنادي المدرسة العسكرية. الواقعة صدمت محمود، لكن حالته لا تُقارن بالوالدة ''عندها هستيريا.. كانت بتزعق امبارح وبتقول ولادي دخلوا الجنة عشان عمرهم ما أذوا حد''.
''لمة'' الأصدقاء انفضت على فراق محمد وأحمد كما قال سعيد، هو أصغر من محمد بعام، كان ينتظر الفرح ''محمد كان الكبير في وسط شلتنا وكان أول واحد هيتجوز''، أحمد أخبر سعيد مرارا أن حمل الأب الذي يعمل بالمقاولات سيخف إذا تزوج محمد، ومن جهة أخرى كان الأخوان يعملان لمساعدة الوالد، فبعد أن حصلا على شهادة الدبلوم؛ بدءا العمل، لم يتسن لـ''عبد الكريم'' توديع محمد كما يليق به، ليس هناك سرادق عزاء حتى يعود الحق، لكنه شارك في حمل نعشيهما أثناء الجنازة ''كانت نص السويس معانا.. لو هما بلطجية زي ما الإعلام بيقول.. هيمشوا وراهم ليه ناس كتير؟''، انتظر الصديق مع الأهل بجانب المشرحة، يحاول التخفيف عن الأم عبثا ''اللي طالع عليها تقولي محمد مش هيشوفك تاني يا سعيد ومش هتلاقي حد يضربك ويهزر معاك''، أما كريم أحد أعضاء ''الشلة'' فقد سبق الأم في الانهيار؛ فانكفأ على وجهه يحتضنهما، يوزع الهلع بين الجثتين ''كريم كان على وشك إنه يشرب دم محمد من كتر ما هو مكنش مصدق إنه مش هيشوفهم تاني''.
''كانوا عيال وخايفين''، هكذا وصّف محمود هروبهما إلى حارة جانبية من سيارة الشرطة، كانت رخصة القيادة في حوزة محمد، على حد قوله، إلا أن رخصة الدراجة انتهت ''لو انت عايز توقفهم هتضربهم بالنار ليه.. وانت عارف إن الضرب من المسافة دي يموّت''، الذهول كان سيد الموقف عقب إطلاق النيران، حتى أن أهل المنطقة رشقوا سيارة الشرطة بالحجارة، فما كان من قائدها سوى الفرار، محمود مارس المصارعة لفترة أيضا، فالعائلة معروفة باهتمامها اللعبة، من ضمنهم البطل إبراهيم فرج الذي مثّل مصر في الأولمبياد بلندن عام 2012، كان ابن العم ينصحهم ألا يتركوا الرياضة أبدا، وقد أخذا بنصيحته ''دول حتى مكانوش بيشربوا سجاير''.
خلّف الشابان أب وأم ينتظرا الثأر، وثلاث إخوة أصغرهم روان ذات السبع أعوام وأكبرهم نورهان التي تمت خطبتها مع بداية السنة الحالية، ''حسبي الله ونعم الوكيل'' هي إرثهما عند الأصدقاء، يرددها سعيد بالتوازي مع ذكر الحادثة، يظل مستمسكا بالدعاء لهما وقراءة الفاتحة، وقول: ''كانوا من أنضف الناس اللي عرفتهم في حياتي''.
لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة للاشتراك ...اضغط هنا
فيديو قد يعجبك: