''حنا'' العائد من ليبيا.. للغربة وجه واحد
كتبت ـ هاجر حسني:
عصفت الأيام بكل ما لديه من صبر فضربت به عرض الحائط، تضارب أيام العمل وعدم استقرارها حطمت كل ذرات الأمل في أن يحظى بحياة أفضل حتى لاحت فكرة الهروب من كل ذلك واضحة جلية، لم يكن الرحيل خيارٌ سهل في بادئ الأمر، لحظات تفكير اعتصرت عقل ''حنا النقاش'' قبل أن يتخذ قراره بترك 32 عام وراءه ويلملم ما تبقى من نفسه المحطمة ويشد الرحال على بلد آخر، لعله يجد هناك ما فشلت محاولاته في الحصول عليه في مصر.
''سرت'' المتطرفة
كانت ليبيا هي الوجهة التي قرر ''حنا'' أن تكون بدايته الجديدة، بالطبع لم تكن هي البلد الأفضل ولكنها كانت المتاحة منذ عامين تقريبا، أيام طويلة قضاها بين أهالي مدينة ''سرت'' لم يرى فيها ما ينم عن سلوك عنصري أو متطرف، حتى وقع حادث مقتل الدكتور مجدي صبحي وزوجته بنفس المدينة، فبدأت المخاوف تتسرب إلى قلب ''حنا'' وكل مسيحي يعمل هناك ''سرت من المناطق الآمنة جدًا، كانوا عارفين إني مسيحي، لكن الفكر المتطرف ده دخل ازاي أنا مش عارف''، ألقاها الشاب الثلاثيني باستنكار، مشيرًا إلى تنظيم أنصار الشريعة الذي كان وراء حادث مقتل الدكتور وحوادث الخطف التي تلت ذلك.
باتت الحياة في ''سرت'' صعبة ومقلقة، الترقب يحيط بالمسيحيين وتخوفاتهم تتجسد أمام أعينهم لزملاء لهم في مدن أخرى ''الوضع مبقاش آمن ومن هنا بدأت المخاوف وكان الحل إننا نسيب البلد''، انهارت أحلام الشاب الثلاثيني التي ترك ''حاله ومحتاله'' في مصر وظن بأنه من الممكن أن يجد ما نشده من عمل وحياة كريمة في بلد آخر، سبعة منهم قرروا العودة إلى مصر هم من اتخذوا المبادرة وقرروا المجازفة ''قالولنا احنا هنمشي وكان الكلام إننا نسافر وراهم على طول، وبعد ما مشيوا بساعتين تقريبا جالنا اتصال من حد فيهم وقال إنهم اتخطفوا واللي خطفوهم ملثمين''.
كلاهما مُر
التردد كان سيد الموقف، هل الرحيل والمخاطرة بالتعرض للخطف هو الحل الأسلم، أم من الأفضل المكوث داخل ''السكن'' والاكتفاء بالتواري عن الأنظار، لم تكن مساحة الوقت الممنوحة لحنا ومن معه كافية لاتخاذ القرار السليم، سيارات دفع رباعي طوقت السكن الذي يُقيم به حنا والتي اتخذت في هيئتها الشكل العربي ''البيوت هناك نظام عربي، عبارة عن أحواش وكل حوش فيه سكن أو اتنين، وكل بيت فيه حوشين وبيحيطهم سور'' وصفها حنا بمحاولاته لتقريب الشكل إلى الذهن، وقع الأقدام والطرق على الأبواب كان كافيا ليتيقن أن دورهم قد حان، ''كانوا 14 واحد ملثمين وكان معاهم سلاح تقيل خبطوا على الناس اللي فى السكن اللي جنبنا وسألوهم انتوا مسيحيين ولا مسلمين''.
لم يكن يتوقع المسيحيين أن الاحتفاظ بنسخة صغيرة من الصليب على رسغ اليد كقيمة روحانية سيتسبب لهم في يوم بمقتل أحدهم، يقول ''حنا'': ''كانوا بيطلبوا منهم يكشفوا أيدينا علشان يشوفوا في صليب ولا لأ، وكنت شايفهم بيربطوهم من إيديهم بحزام بلاستيك ورا ضهرهم''.
بأنفاس مكتومة هرول ''حنا'' إلى الهاتف ليستعين بمالك السكن ولكن الرد جاء بعدم قدرته على التدخل في الأمر خاصة وأن الغرباء كانوا مسلحين، المشهد كان مُهيبًا؛ راقبه ''حنا'' من خلف أحد الشبابيك الموجود بالسكن ''كنا مرعوبين، منظر السلاح والوقت متأخر.. فزع''، مرت دقائق طويلة قبل انصراف المسلحين ومعهم 13 شخص كانوا حصيلة هذه الليلة 2 يناير.
في طريق العودة
صباح اليوم التالي حضر مالك السكن، والذي أكد أن وجود ''حنا'' وزملاؤه في سرت بل وليبيا كلها أصبح صعب، وحثهم على ترك البلد في أسرع وقت ''خرجنا من السكن وقضينا يوم كامل في الجبل، وبعدها كلمت حد مصري معرفه وقالي تعالوا اقعدوا عندي لحد ما ادبرلكم عربية تمشيكم بره البلد''، كانت السيارة التي ستقل ''حنا'' وزملاؤه جاهزة وبعد تواصلهم مع أشخاص في نفس الظروف وصل عددهم إلى 16 شخص جاهزين للعودة إلى مصر.
الصعوبات التي واجهت المجموعة منذ أن قرروا العودة لم تنته عند هذا الحد، يقول حنا ''بعد ما ركبنا العربيتين طلب السائق في نص الطريق فلوس زيادة على كل فرد، واحنا مكنش معانا فلوس كتير، أصل السواق ده هو اللي كان وصل السبعه الأولانيين وابتزهم برضه قبل ما يبلغ عنهم ويتخطفوا''، مبرر ''حنا للاستعانة بالسائق الذي أوشى بأصدقائه كان لأنه الوحيد الذي يعلم خبايا الطرق وهو القادر على إخراجهم منها.
بعد مفاوضات استطاع حنا أن يخفض قيمة الفرد من 100 دينار إلى 60 دينار وكان الاتفاق أن يصل بهم إلى الجمرك المصري، قطع الفارون من الجحيم في ليبيا مسافة طويلة حتى أصبحوا على بعد 80 كيلو من الجمرك المصري وهنا كانت مفاجأة أخرى ''وصلنا لمنطقة اسمها مساعد والسواق قال إن العربية عطلت، وكلم عربيتين تانيين علشان ياخدونا بس قالنا كل واحد هيدفع 20 دينار زيادة وطبعا احنا رفضنا''، رفض المجموعة لدفع المزيد لم يكن فقط لمجرد العند ولكن لأنهم تركوا ورائهم كل ما جمعوه من نقود وملابس ومقتنيات وفروا بـ ''هدوم النوم'' كما أكد ''حنا''.
صعدت المجموعة مرة أخرى إلى السيارات التي تم استبدالها دون أن يدفعوا دينار آخر ''كنا مطمنين لأن المنطقة تابعة للجيش المصري ومكانوش هيعرفوا يعملوا حاجة''، قطعوا المسافة المتبقية حتى وصلوا إلى الجمرك المصري حينها فقط شعروا بأنهم استردوا أرواحهم التي ظلت خارج أجسادهم طوال يومين حفتهم فيها المخاطر من كل جانب.
الترقب مستمر
التجربة التي اختبرها ''حنا'' تركت آثار لن تمحوها الأيام بسهولة ''لغاية دلوقتي أعصابي مش مستقرة، مش قادر أنسى الموقف، أول مرة اعيش حاجة زي دي''، ولكنه عاد مرة أخرى تاركًا خلفه آمال ترك مثلها قبل أن يرحل إلى ليبيا ''أنا راجل صنايعي يوم شغل وعشرة لأ، محدش بيرفص النعمه لو كنت لقيت شغل هنا مكنتش فكرت في السفر والمنيا أصلا من المحافظات المعدومة، نفسي محدش تاني يسألني ايه اللي خلاك تسيب البلد''.
حتى الآن مازال ثلاثة أفراد من عائلة حنا عالقين بليبيا بعد خطفهم من قبل الجماعات المسلحة، ''ابن اخويا واتنين ولاد عمي مخطوفين هناك، منعرفش عنهم حاجة لغاية دلوقتي''، تصريحات السفير بدر عبد العاطي وزير الخارجية بعدم وجود معلومات مؤكدة عن المختطفين، وعدم وجود وسائل لها لتأمين الأرواح في ليبيا، زادت من القلق الذي يعيشه حنا وعائلته، فعلى الرغم من ترددهم على الوزارة لاستطلاع الجديد إلا أنهم لم يجدوا ردا شافيا حتى الآن ''احنا صعايدة وعندنا اللي بيموت بيتنسي بعد 3 أيام، لكن دول احنا منعرفش عنهم حاجة، وقوع البلاء ولا انتظاره''.
من وجهة نظر حنا الدولة لم تتخذ أي خطوة ايجابية في سبيل عودة الأقباط المختطفين ''مصر مش عاجزة انها تجيب الناس دي'' بعفوية نطقها، واستشهد بقصة اختطاف الطيار الأردني من قبل جماعة داعش فعاد خلال 24 ساعة ''دي دولة عارفه قيمة الفرد فيها مش بتقول لأولادها احنا حذرنا ايه اللي وداكم هناك''، رغم استياءه إلا أن حنا مازال معلقا آماله على خروج الرئيس عبد الفتاح السيسي ليطمئن أهالي المختطفين بأي معلومات جديدة عن ذويهم المختطفين هناك.
لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة للاشتراك ...اضغط هنا
فيديو قد يعجبك: