إعلان

أحمد أمين.. واجه مبارك بـ''7 جنيه'' وصنع متحف الثورة بـ''مشمع''

12:52 ص الأحد 25 يناير 2015

أحمد أمين ممثلا عن كلية التجارة جامعة عين شمس

كتب- أحمد الليثي ومحمود جمال:

وسط حالة من الهرج وقف شاردا، سماء ملبدة بالغازات والأدخنة، وأصوات الصراخ تتعالى على رحيل الأحبة -أو إصابتهم في أحسن الأحوال، سيارات محترقة، ولهب يتصاعد من بيت الحُكم ''الحزب الوطني''، رجال الشرطة يجروّن أقدامهم هربا من الزحف الصامد، وعربات الإسعاف تتوالى، فيما تحتل بقعة حمراء -خطتها الدماء- الكعكة الحجرية، بعيون ذاهلة وجسد يقاوم السقوط، راح ''أحمد'' يُقلب وجهه شطر المكان، فتش في جيوبه فلم يجد سوى سبع جنيهات فقط، لكنه قرر البقاء، مُقسما على ألا يرحل أو يغادر الميدان إلا بزوال مبارك وحكمه.. فكان له ما أراد.

خط السير في يوم جمعة الغضب يحفظه عن ظهر قلب، من العباسية وصولًا لجامع الفتح برمسيس حتى ميدان التحرير مرورا بشارع الجمهورية عانى الشاب العشريني الأمريّن ''عدينا على يجي 10 كماين وقعدنا حوالي 4 ساعات في مطاردة، غاز وخرطوش وحي.. نلف شوارع ونرجع تاني''، تتبدل ذخيرة الشرطة، وتنفد، و''أمين'' ومجاوريه لا يعرفون الملل، فقلوبهم لا ترضى سوى بالدخول إلى قلب الميدان حتى ولو كلفهم ذلك الموت.. على أبواب الميدان وبينما يهتف ''يسقط يسقط حسني مبارك'' استقبلته قوات الشرطة بقنبلة غاز في وجهه طُرح على أثرها أرضا، قبل أن يعاونه الرفاق ''يومها كان فيه مشاعر غريبة عمري ما حستها، كأن المظاهرة كلها اخواتي؛ اللي يجيب للناس ميه واللي يأكلنا، اللي ينقذ جريح واللي يرش خل، قلت هو أنا أحسن من الناس؟.. العمر واحد والرب واحد''.

في ظهيرة الخامس والعشرين من يناير كان ''أحمد أمين'' ممثلا عن كلية التجارة جامعة عين شمس في ميدان التحرير؛ حين قررت إدارة الكلية تأجيل امتحانه إلى الجمعة 28 من الشهر ذاته لظروف طارئة، لا يعلمها ''مكنتش عارف إنه في ثورة ولا حاجة بس كنت طهقان م البلد زي كل الناس'' فما كان منه إلا أن سار مع من توجه قبل التحرير، شم ريح الثورة، وانتشى من عبير الميدان، وانفضت المظاهرة ليلا، ذهب إلى منزله بـ''المنيب'' وظن أن الأمر ولى وأن ما جرى محض محاولة لم يُكتب لها النجاح، غير أن كلية التجارة أصرت على إيفادة ثانية ليعيد الكرة؛ وقتما وقف ''أمين'' على باب الكلية –صباح الجمعة 28 يناير- يقرأ تلك الورقة التي تفيد تأجيل امتحانه إلى أجل غير مسمى، فشد الرحال إلى التحرير وسط مسيرة حاشدة خرجت من أمام الجامعة.

الساعة تدق الرابعة والنصف عصرا، التاريخ 28 يناير 2011، يلتقط ''أمين'' أنفاسه بالكاد، الشرطة ولت، والليل يسدل أستاره، يراجع الشاب مظاهر الدم، فتسقط من عينه دمعه تُقويه، البرد قارص، وقطع الخشب والنار لا تُخفف الألم ''كنت بنام على غرف التهوية بتاعة المترو عشان الصهد''، يومان مرا، الأمطار تهطل بقوة، ينام ''أحمد'' 3 ساعات يوميا يقطعها هجوم البلطجية وصدهم من قبل حماة المكان، وأساطير الاختطاف لمن يخرج، وسط طين الحدائق يرقد، ويشكر السماء على سطوع الشمس في الصباح ''كنا بنحس إن ربنا معانا وبيبعتلنا رسايل.. ميهمناش مبارك والحوش اللي معاه''.

حكايات التحرير لا تُنسى وقصص ''ولاد'' الثورة لا تنتهي، التقى ''أمين'' بمجموعة من ممثلي الفرق المسرحية بجامعة القاهرة، وكان هو يعد ديكورات المسرحيات في جامعة عين شمس، قرروا أن يصنعوا شكلا فنيا للميدان، بمشمع صغير وألوان بسيطة، ومجموعة كراتين كانت ''مقادير الطبخة''، فصنعوا أول معرض/متحف للثورة، راح يكبر ويكبر حتى وصل إلى 9 باكيات، ومع كل يوم يزيد حجم المشمع ومعه تزيد الإبداعات ''كان معانا خطاط واللي كان بيرسم كاريكاتير واللي يكتب نكتة، ناس تمضي اسمها، وواحد يتريق على مبارك.. كان الإقبال رهيب''.

في الصف الثاني من أصل ستة يحفظ ''أمين'' موقعه داخل الأجساد البشرية التي حمت الميدان في موقعة الجمل، هل البلطجية، علا صوت ''أحمد'' بقوة ''مش عايزينهم يستفزونا''، بدأت طوبة من قبل المقتحمين، فتم الرد بطوبة، العين بالعين، فأمطرت السماء أحجارا ''قعدنا أكثر من 10 ساعات نقاوم''، حجر أصاب قصبة قدمه اليسرى، فأكمل، تبعه آخر في مشط القدم، لم يأبه، قبل أن تخترق عويناته الطبية ''زلطة''، هشمتها، وصنعت أخدودا أسفل عينه اليمنى، حاكها الطبيب في ثلاث غرز.

يومين كاملين عاشهما داخل الخيمة، لا يعرف الحركة لكنه بطل مُكرم، يُشار إليه بالبنان؛ كواحد من أولئك الذين أجهضوا الثورة المضادة ''كانت الناس بتتلم حوالينا.. في يوم جت فلاحة من بني سويف وقالتلنا وهي بتعيط: أنا طلّعت كل اللي في البيت عشان أخبز لكوا شوية العيش دول.. شدوا حيلكوا يا ولاد''، خرج ''أحمد'' مرتين من الميدان، الأولى لشراء أخشاب ومشمع من السيدة زينب لتثبيت أعمدة الخيم للمبيتين كمهمة جديدة صار وكيلها الأول في التحرير ينادونه بـ''مهندس الديكور''، والثانية حين استأذن صبي القهوة لإدخال شريحته داخل الهاتف المحمول –للقهوجي- بعد أن غاب الشحن عن ''عدته'' قبل نحو أسبوع، يُحدث والده فيأتي الصوت بعصبية ''يا ابني أمك بتموت حرام عليك.. ممنوش فايدة اللي بتعمله''، يغلق الهاتف وهو يقول لنفسه ''ولو.. هننجح''.

الميدان صار دولة، رواده يعرفون مصر الحقيقية، و''أمين'' يزاول أنشطته بوجه باسم، وقلب منشرح، يلون للأطفال علم مصر بالمجان، يثبت دعائم الخيم مع أصدقائه، بعد خطاب مبارك المحبط يوم 10 فبراير، يرفع حذاءه في وجه الصلف ''قلنا مفيش مرواح.. يا يمشي يا بلاش، مفيش حلول وسط''، يطلبه بعض الشباب لبناء ''حمامات'' خشبية والإعداد لمنصة إعلامية للميدان فيتلقى الأمر طوعا، فيما تأتي الأخبار بدنو الرحيل، بعد قليل يخرج عمر سليمان ليلقي خطابا للشعب، مبارك يتنحى، تتعالى الصيحات، تقفز الأجساد وبينهم ''أمين'' غير مصدق، قبل أن يفترش الأرض كعجوز أعيته السنون ''حسيت بتعب الـ15 يوم في لحظة.. وبصيت للسما وشكرت ربنا''.

في الوقت الذي بدأت الوفود تهل على الميدان للاحتفال بملابس زاهية يرفرفون بالأعلام ويمسكون بـ''البلالين''، كان ''أمين'' يقطع المسافة من التحرير وصولا إلى منزله بالمنيب سيرا على الأقدام، بملابس مهترئة وبطانية التحف بها جسده الهزيل، وعيون تقطر دمعا على والده الذي استقبله بالأحضان ''من يومها وأبويا بيحترمني وبيكبرني''، فيما تمر أعوام أربع ولا يزال الشاب العشريني متمسكا بالأمل وسط سنوات عامرة بالإخفاق ''فخور باللي عملته، بيأس ساعات، لكن أقول ربنا مش هيضيع مجهود كام واحد كان نفسهم البلد تنضف''.

 تابع باقي موضوعات الملف:

"فلان الفلاني".. الثورة بنت المجهولين "ملف خاص"

2015_1_25_18_8_4_974

مصطفى.. ''اللي كان يومها واحد من الحراس الشعبيين للمتحف''

2015_1_25_2_26_51_805

سهام شوادة.. الثورة يعني ''عيش وملح''

2015_1_25_1_44_48_456

عم فولي.. ابن المطرية يتعلم الثورة على الطريقة الإنجليزية- فيديو

2015_1_25_2_49_47_80

''الششتاوي''.. الثورة تحت أقدام الأمهات

2015_1_25_2_8_55_528

محمد عمران.. أن تختار بين الثورة و''بنتك''

2015_1_25_1_22_19_540

نساء عائلة "سلام" بالإسكندرية.. الثورة تمد لسابع جد

2015_1_24_23_30_26_252

مها عفت.. أول من حَمل "علم الثورة" في الميدان

2015_1_25_0_44_55_519

يحكى أن ''عبدالله'' هتف.. وشبرا كلها ردت وراه

2015_1_25_16_27_39_559

''فنانة'' و''بتاعة سندويتشات'' و''مسؤول شواحن''.. أبناء ''أسماء'' في الميدان

2015_1_25_2_47_28_846

القصة وراء صورة "ماجد بولس".. ياما في موقعة الجمل حكايات

2015_1_25_1_42_41_222

في بورسعيد.. من الأم إلى ابنتها ''الثورة أبقى وأهم''

2015_1_25_2_57_24_312

''فاتن حافظ''.. الثورة ''من طأطأ لـسلامو عليكو''

2015_1_25_2_4_34_14

قاسم المزاز.. ''دليفري'' المستشفى الميداني

2015_1_25_2_34_56_662

حكاية جمال العطار مع الثورة.. باع "البيزنس" واشترى البلد

2015_1_24_23_19_3_638

للتحرير تفاصيل يعرفها "محمود نصر"

2015_1_24_22_45_31_693

محمود جمال يكتب.. من دفتر مذكرات فلان الفلاني "اللي كان يومها ثائر"

2015_1_25_17_43_25_958

 

لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة للاشتراك ...اضغط هنا

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان