''أحمد سيف الإسلام''.. محامي الغلابة يقابل قاضي السماء
كتبت- أماني بهجت ورنا الجميعي:
يعرف الرجال بجنائزهم، واقع عايشه من حضر تشييع جنازة المحامي الحقوقي ''أحمد سيف الإسلام''، شمس لم تهدأ حدتها للتخفيف عمن أصابهم الحزن، مياه تُوزع، وسيارات مكدسة على الجانبين، كاميرات تلتقط اللحظات الأخيرة، وحشود أتت من كل فصيل، لم تقتصر على مجال السياسة فقط، اتشح الجميع بالسواد، وصمت غطى مسجد ''صلاح الدين الأيوبي'' بالمنيل، فيما سارت بعض الهمسات بين قائليها، راغبين ألا يخدشوا سكينة حلت على الأستاذ.
امتلأت ساحة المسجد وفاضت حتى خارجها امتداد إلى القصر العيني، فيما هرولت الأقدام بغية اللحاق بالصلاة على من لم يترك مظلومًا يومًا، اختلط الجمع بين شخصيات عامة أتت للواجب، أناس مقربون، وزملاء امتد العمر بينهم وبين ''سيف الإسلام'' إلى أربعين عامًا، جنازة لم يشهدها سكان المنيل من قبل ''هو فيه خناقة ولا ايه كل دي جنازة'' استفهام قالته إحدى العابرات تبعته إجابة لأحد المشاركين ''دي جنازة الأستاذ أحمد سيف الإسلام''.
لم يسعفهم الوقت لحضور صلاة الجنازة فوقفوا على الجانب الآخر من المسجد حاملين اللافتات ''مات المناضل المثال''، فيما لم ينطق أحد بهتافات سياسية في قرار اتخذه الجميع دون سابق إعلان، غير أن أحدهم حينما رأى وزير القوى العاملة السابق ''كمال أبو عيطة'' هم بمناداته ''يا بتاع العسكر'' فأسكته من حوله خشية شيوع القلق بين المشيعين.
وجوه يعتريها الحزن والفقد، وقفوا متأهبين للحاق بالجثمان إلى مثواه الأخير، طريق مزدحم بالسيارات صاحبة الوجهة الواحدة، غير من اتخذوا من أتوبيسات النقل العام مواصلة لهم، سيدة كبيرة اصطحبتها ابنتها في الأتوبيس من المنيل وصولًا إلى كوبري السيدة عائشة، ''مقابر التونسي هنا'' قالها سائق الأتوبيس، لافتًا الانتباه إلى مكان الجنازة، نزلت السيدة ومن ورائها الشباب المشاركين، فيما طلبت السيدة من إحدى السيارات التابعة لصف طويل من المشيعين التوقف لها وتوصيلها حيث يرقد الجثمان.
خفت الشمس حدتها، وأرسل الجو نسمات لمتشحي السواد، ترجل البعض سيرًا على الأقدام في طابور لحظه سكان المنطقة، ويقين تام بالوجهة التي جمعتهم، كلما هم أحدهم بمجرد النظر إلى أحد القاطنين تكون الإجابة ''أدام على الشمال''.
مقابر تحف الجانبين وصولًا إلى مقابر عائلة ''موسى محمد'' التي سكن بها ''سيف الإسلام''، تكدست الحشود على مرمى البصر، داعيين الله بتغمد الجثمان الرحمة، نهنهات شقت الأجواء الحزينة، وعزاء شمل الجميع بالنظرات وبعض الكلام القليل.
المحامي الذي أمضى عمره في الدفاع عن المظلومين في السجون، كانت الداخلية ضيفًا ثقيلًا على جنازته، لكنها كانت السبييل الوحيد لإلقاء صغيريه ''علاء'' و''سناء'' النظرة الأخيرة على والدهما.
حالة من احتداد المشاعر سادت الجنازة، فيما أخذ بعض الأصدقاء في توجيه رسالة للمشيعين بالاصطفاف لتقديم العزاء لابن الأستاذ المعتقل، إلا أن كثرة العدد حالت دون تنظيم الأمر، فتغيرت الخطة وحاول الرفاق إبعاد الجميع، لتتمكن قوات الأمن من الدخول والتحفظ على ''عبد الفتاح''، فيما ألقى كلمة قصيرة وجه فيها رسالة للجميع، أنه سيحضر عزاء والده بمسجد ''عمر مكرم''، منهيًا حديثه ''أبويا مات شهيد وانتوا عارفين مين اللي قتله''.
واجه الرفاق بعض الصعوبة في إبعاد من جاشت مشاعرهم، لتمكين الأقارب من توديع صاحب الضحكة البشوشة، فيما جلست سيدة إلى منتهى الحدث رغم الكلمات الحادة للجميع في المغادرة، حزن ساد وجه السيدة البسيطة، وعينان اغرورقت بالدموع، تتذكر وقوف ''سناء'' بجانب ابنها أحد معتقلي أحداث المطار ''الألتراس''.
''أنا جاية هنا عشان سناء، كفاية وقفتها جنب ابني لما كان محبوس'' عرفت السيدة خبر وفاة والد المعتقلة من أحد أصدقاء ابنها ''سامح شبرو''، السيدة لم تتعد معرفتها بأحمد سيف الإسلام إلا من خلال ابنته ''كانت بتجري أول يوم العيد ورا عربية الترحيلات وتنادي على اللي فيها واحد واحد عشان تحسسهم إن فيه حد فاكرهم''.
انفرط عقد المشيعين واحدًا تلو الآخر، بينما بقت هي مصرة على البقاء رغم مناشدات المتكررة بالرحيل، تأمل في توديع ''سناء'' وتعزيتها ''جاية أقف جمبها زي ما وقفت جمبي، الله يرحمه بحق ما ساعد كل مظلوم''.
لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة.. للاشتراك...اضغط هنا
فيديو قد يعجبك: