أحمد سيف الإسلام.. وتعيشي يا ضحكة الحرية
كتبت-إشراق أحمد:
حول قضبان حديدية دارت حياته، رغم كرهه للقيود، لكنه قدر أبى أن يبرحه، كما رفض هو أن يتركه وإن جاءته الفرص، ظل على ابتسامته، فلا مكان للانكسار وإن وهن، فالوقوف بظهر الضعفاء يمنح قوة، لا يعرفها إلا مَن ذاق، لذا كان تلبية نداء الحرية واجب مهما كلفه الأمر، من المحيا إلى الممات ظل أحمد سيف الإسلام على عهد، شاركه فيه زوجة وأبناء ثلاث، كلما اقتربوا من الحرية ذراعًا، هرول إليهم السجن باعًا.
أربعة مرات تم اعتقال ''سيف الإسلام'' منذ عهد السادات وحتى مبارك، ''الحرية للأرض'' النداء الذي ساقه إلى القضبان للمرة الأولى، خرج في المظاهرات احتجاجًا على خطاب السادات وتأخره في اتخاذ قرار الحرب مع إسرائيل ، حُرم الأب من حريته، التي تنفسها حينما رأى ابنه البكر ''علاء''.
في سجن القلعة 1983 كان اللقاء الثالث والأطول عهداً بالقضبان، قضى المحامي 5 أعوام بتهمة الانتماء لتنظيم يساري، وكأنه قدر كُتب، كانت قبضة السجن أسبق إليه من ضمة يد صغاره؛ ولدت الابنة الثانية وهو بمحبسه، لتنقضي الأيام على الأب بالسجن، يحصل فيها على ليسانس الحقوق رغم انهائه لدراسة العلوم السياسة، فيما تتولى رفيقة الكفاح ''ليلي سويف'' استكمال المسيرة، لم يعرف الزوجان أن الأبناء سوف يحملا اللواء والمصير ذاته؛ فقد احتضنت القضبان أبناء الناشط السياسي ثلاثتهم.
عكاز ظل يصاحب جسده المنهك سنواته الأخيرة، لكن ذلك لم يمنعه من الصمود للاعتراض، وإن بُح صوته وابتعد عن ساحات القضاء والنيابة، فقول كلمة يدفعه ضميره إليها هو المهم، ''أوعوا تخلوا حد يسلب منكم إنسانيتكم'' رسالة تلفظ بها ''سيف الإسلام'' في مركز هشام مبارك الذي ساهم في تأسيسه 1999، بجواره كانت رفيقة الدرب ليلى سويف، حينها كان الحديث عن المحتجزين في السجون من مختلف الاتجاهات، لكن ما شملت الكلمات ذكر لأبنائه ''علاء وسناء''، المتهم كل منهم بالتظاهر دون تصريح، فما كان للقضية الكبرى أن تقتصر على حياتهم حتى لو تعلق الأمر بفلذة أكبادهم.
''أنا آسف إني ورثتك الزنازين اللي دخلتها.. لم أنجح في توريثك مجتمع يحافظ على كرامة الإنسان وأتمنى أن تورث خالد حفيدي مجتمع أفضل مما ورثتك إياه'' كلمات توجه بها المحامي الحقوقي بإحدى المؤتمرات إلى ابنه الذي يقبع في السجن للمرة الرابعة، فالتاريخ آثر أن يعيد نفسه مع آل سيف ليس فقط في مرات اعتقال الابن والأب لكن في ظروفه، الابن الاول لـ''علاء'' يُولد وهو بالسجن، بينما حمله الجد ''سيف الإسلام'' كأنما يستعيد اللحظة التي فقدها.
القضبان رغم قسوتها لم تنل من سيرة المحامي الحقوقي، ولا إيمانه بما يرى، البعض اختلف على ابنه، لكن الأصل ظل متفق عليه، حتى اللحظات الأخيرة، عبرت عنه كلمات ''منى'' في أيام مكوث أبيها في المستشفى ''مبهورة بطاقة الحب اللي بتلازم تحركات بابا''.
15 أغسطس الماضي توقف قلب المحامي لدقائق، ليعود فاقدًا للوعي كأنه رافضًا لما يحدث، بابتسامة جاءه علاء وسناء لزيارته في مستشفى المنيل الجامعي، لكن دون جدوى لم يتحسن الأب، نظرات حانية ورثها الأبناء عن أبيهم تبادلونها، قبل أن يعود الشقيقان إلى السجن مرة أخرى، ليتوقف قلب الأب معلنًا وفاته عن عمر 63 عامًا، وتحول القضبان حتى الرمق الأخير بين شمل العائلة، لكن تبقى ضحكتهم من خلفها باقية.
لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة.. للاشتراك...اضغط هنا
فيديو قد يعجبك: