''نيشان'' من أرمينيا للصاغة.. والمهنة ''ساعاتي''
كتبت - نوريهان سيف الدين:
ملامح شقراء تميزه عن غيره من ذوي البشرة المصرية الخمرية، لكنة متكسرة رغم إجادته التامة للعربية، خطوات متمهلة يخطوها يوميا من مسكنه بحي "الظاهر" إلى "صاغة الحسين"، بيت يملكه من بابه ليست فيه سوى حجرة واحدة، تراصت أمامه الساعات والأدوات، بينما وضع هو منظاره الأنيق فوق أنفه، شارعا في إصلاح الساعات، قائلا بحسرة "آه ع الدنيا، زمان كنت بصلح الألماظ مش الصيني".
من "أرمينيا" جاء "نيشان بواجيان"، متخذا مهنة إصلاح الساعات وسيلة ليتكسب بها رزقه، هو الذي نشأ في عائلة احترفت جمع الجواهر الثمينة والتجارة فيها، مالكا لموهبة الدقة في ترصيع الذهب بالأحجار الكريمة والمجوهرات يدويا، إلا أنه بمرور الوقت واقتحام الشركات الكبرى لدنيا الصاغة، لم يجد سوى مهنة "الساعاتي" في وسط أحضان الصاغة القديمة، لتكون سلواه عن أيامه الأولى.
منهمكا في إصلاح ساعة سويسرية قديمة مملوكة لأحد أصحاب محال الذهب القريبة، قال "مسيو نيشان": "زمان كنت بصلح كل حاجة تيجي تحت ايدي، وبعدها نزلت مع والدي في تجارته"، وهو الذي لم يحصل على شهادات طيلة حياته إلا أنه يستطيع التحدث بالإنجليزية والفرنسية، فضلا عن الأرمينية لغة جاليته الأصلية.
"الخواجة" كما يلقبه جيرانه في إحدى الحواري الضيقة، يقولون إنك تستطيع ضبط ساعتك عليه، فـ"عماد" العامل بأحد محلات البازار بقبو الصالحية، قال:"من وانا عيل صغير بشوفه جاي يوماتي يفتح دكانته ويمشي، بس دلوقت عشان السن ممكن ماينزلش يومين تلاتة"، موضحا أنه من أحرص الناس على ألا يشاركه أحدا في مهنته ودكانه، أو أن يستأجر صبيا يساعده في إصلاح الساعات.
بيت صغير ذو مدخل حديدي ضيق، موضوع مفتاحه ضمن سلسلة مفاتيح "الخواجة"، يفتح أبوابه مع قدوم الخامسة مساءً، ويفتح أيضا معها مؤشر "إذاعة أم كلثوم"، وينصرف صاحب المكان مع قدوم العاشرة مساءً بعد أن ينتهي الأثير هو الأخر من بث برنامجه اليومي، وخلال هذا الفترة يستقبل زبائنه، من بين مالكي "ساعات التوكيل" الأصلية قيمة الثمن، وبين مشتروا الساعات التقليد،قائلا: "كله بتمنه".
ملقاط حديدي رفيق، وعدسة مكبرة، وحفنة من "أحجار وبطاريات"، هل كل أدوات "الخواجة نيشان" في مهنته التي أوشكت على الانقراض –على حد تعبيره، فالساعات القيمة الأن تشترط ألا تصلح الأجزاء إلا من خلال التوكيل، أما الساعات الرخيصة فإصلاحها أكثر من ثمنها الأصلي، وهو ما يجعل المجال أمام "المسيو نيشان" قاصرا على تركيب أحجار التشغيل وضبط العقارب التالف تقديرها للوقت، ليقول: "زمان كنت برصع الساعات الدهب واظبطها، دلوقت المكتب مليان ساعات صيني، بس انا لازم اشتغل".
لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة.. للاشتراك...اضغط هنا
فيديو قد يعجبك: