على طريق ''الصعيد'' رفيقات في انتظار ''ركوبة''..صور
كتبت- دعاء الفولي وإشراق أحمد:
متراصين على الطريق الخالي على عروشه إلا من سيارات تمرق سريعًا، ست فتيات وسيدة مسن، جماعة يسيرون خوفًا وتنتظر أقدامهن، إشارة منهم، يتوقف السائق يهرولون إليه أيا كان مكانه، ساعات تنقضي من أجل الوصول إلى ''العمار'' حيث المدرسة أو السكن ومثلها بالعودة لمنازلهم الصغيرة التي يستقبل الطريق إليها لافتة زرقاء كبيرة ترحب بالوافدين إلى ''مدينة الفيوم الجديدة''.
مع دقات العاشرة صباحًا تخرج ''إسراء رجب'' من منزلها بقرية ''الأنصار''، تبكر من الرحيل آملة في الوصول بموعد المدرسة في الثانية عشر، دقائق من السير وتصبح على الطريق، ساعة من الوقوف وإذا حالفها الحظ جاءت سيارة بعد وقت أقل، عربات ''ملاكي'' تمر لكن لا تفكر في إيقافها ''محدش بيرضى يقف''، رحلة يومية تقوم بها الفتاة منذ التحقت بمدرسة ''الثانوية بنات'' في ''أهناسيا''، 15 كيلو متر تقطعها مع رفيقاتها من منازلهم ومثلها بالعودة، معًا يسرن، ويمكثن بالصحراء، ولولا ذلك ما ذهبت ابنة الصف الأول الثانوي ''ببقى خايفة ولو لوحدي مش هروح''.
معاناة لأهالي قرية ''الأنصار'' وغيرها من القرى الثلاث المتواجدة على طريق ''الصعيد'' تزداد عند الفتيات اللاتي يضطررن للخروج من قراهم إلى دراسة، حيث لا تتوافر مدارس للمرحلة الثانوية على عكس غيرها من سنوات التعليم، مجموعات يخرجن معًا إلا قليل يدفعن الحال للسير بمفردهن.
''أسماء رجب'' ذات الستة عشر عامًا وقفت بمظهر مميز لارتدائها النقاب، لجانبها ''إسراء'' صديقة طفولتها من الإبتدائي، كان قد مر على وقوفهم أكثر من ساعة إلا ربع الساعة، قبل أن تأتي سيارة أشبه بالبوكس تقلهن ''ساعات بنقف بالساعة ومبنلاقيش حاجة''.
المدرسة الأبتدائية والإعدادية اللتان تعلمت بهما الطالبة المنتقبة كانتا بجانب المنزل، ومع الثانوية اضطرت الخروج من قرية ''الأنصار'' الصغيرة الأقرب لمحافظة الفيوم إلى مركز ''إهناسيا'' بمحافظة بني سويف، تبتغي بذلك علمًا حسب كلامها، رغم عدم انتماءها لمنظومة الثانوية العامة ''أنا دخلت ثانوي صناعي عشان بحبه''، قسم ملابس هو ما تنتمي إليه الفتاة في الصف الثانوي الأول ''اتعلمت أخد مقاسات وأقص كويس وحاجات تانية مبيخدوهاش في ثانوية عامة''.
الذهاب إلى المدرسة بعيدًا عن المنزل لم يكن شيئًا تميزت به ''رجب''، أختها الأكبر ''أماني'' كانت تفعل كذلك ''ودلوقتي هي في أولى كلية آداب''، الوالد والوالدة يشجعونهما على الدراسة رغم الظروف ''بابا بيقولي ذاكري كويس عشان تجيبي درجات حلوة''، لكن التشجيع لا يمنع الحذر، خاصة أن طالبة الثانوي الصناعي تذهب إلى المدرسة في الفترة المسائية ''بروح 10 الصبح وبرجع 4 ونص أو خمسة''؛ فتهرول في العودة للمنزل خوفًا من الظلام كحال طالبات المرحلة الثانوية الفنية من بنات قريتها على عكس بنات الثانوية العامة اللاتي يدرسن بالصباح.
خُطبت الطالبة إلى جار لها بالمنطقة، كان شرطها الأول ''أكمل تعليمي ومسيبش المدرسة''، لم يمنعها ''أحمد'' خطيبها الذهاب ''بس بيخاف عليا بسبب الطريق واللي ممكن يحصل''، تذهب مع ''إسراء'' صديقتها بنفس المستوى الدراسي يوميًا وتعود معها، لكن عندما تغيب إحداهما تضطر الأخرى للحركة وحيدة، حتى مع عدم وجود بنات أخرى من نفس المدرسة ليسرن معًا ''وساعات ولاد معانا في المنطقة بيوصلونا''.
لا تخلُ الأيام من مواقف تصعب على طالبة الثانوي الفني الأمر ''بنتعرض لمضايقات أحيانًا لأننا على طريق سريع''، سيارة يركبها بعض الشباب يستغلون فرصة وقوفهما بمفردهما للمعاكسة، وأحيانًا تتأخر الفتاتان عن المدرسة بسبب عدم ركوبهما مع سيارة مارة لعدم الاطمئنان ''بتبقى فيه عربية ساعات بتعدي رايحة سدمنت ومبرنضاش نركب لما السواق بيبقى شكله مش مريح ومفيش حد راكب معاه''.
جوار الفتيات الست انتظرت، ملامحها مختلفة عنهم وإن كان سمار اللون سمتهم، في العقد السادس من عمرها بينما هم في صباهم، تحت لهيب شمس الظهيرة وقفوا متراصين، هن بغطاء رأس أبيض، وهى بخمارها الكحلي، ''لقيت البنات دول قلت أستنى معاهم'' أطمأنت ''نعيمة علي'' بعدما خرجت من منزلها بقرية ''الأنصار''، لتقف بالجهة المقابلة في انتظار سيارة تستقلها إلى ''سدمنت'' ومنها إلى ''أهانسيا'' حيث تستقر، تركت السيدة منزلها منذ ثلاثة أشهر رغم سكنها له مع ابنيها بسبب الصعوبة التي تجدها ذهابًا وإيابًا ''بركب مواصلتين''.
تضطر السيدة للمكوث على الطريق مرتين بالأسبوع كلما قررت المجيء لزيارة المسكن الصغير بينما تحيط بها الصحراء المتخلل لها قطع من الأراضي الزراعية تظهر على مسافة منها، ''أي عربية على الطريق توك توك أو عربية زي دي'' تنتظر السيدة الستينية مشيرة إلى ''تروسيكل'' يُستخدم في الغالب للبضائع لكن لا ضير منه هنا في نقل الأشخاص، رغم المبلغ الزهيد الذي تدفعه السيدة للانتقال جنية ونصف، غير أن صعوبة الانتظار وحيدة، وحمل هم إيجاد صحبة خلاف الصعود إلى السيارات المرتفعة تتحمله المسن، فهى على عكس الفتيات لا تخاف التواجد على الطريق ''ربنا معايا مابخافش من حاجة'' قالتها بلهجتها الريفية موقنة أن السيارات الخاصة لن تقف لرفقاء حواف الطريق ''هيقفوا لنا أحنا الغلابة''.
عدد الطالبات القليل يجعل المدرسة وكذلك الاتفاق مع سيارة خاصة تقلهم أمر صعب ''محدش بيرضى يجي عشان العدد قليل'' قالتها ''إسراء'' بينما كل أمنياتها تتلخص في ''يبقى في مواصلات'' تقلها إلى مدرستها''.
الحظ كان رفيق وقوف الفتيات والسيدة المسن على غير العادة هذه المرة، ظهرت سيارة نقل أفراد ''بوكس'' كُتب على خلفيتها ''تركب ادلعك تنزل أودعك''، اندفعت الطالبات ومعهن ''نعيمة''، كانوا أسرع منها في الوصول والصعود بينما انتظر السائق حتى تصعد السيدة الستينية، حاملة جلبابها الأسود لكي تستطيع وضع أقدامها على أعتاب السيارة، حضور ''خيري شعبان'' السائق لـلعربة كان محض الصدفة، في الصباح الباكر اعتاد اصطحاب فتيات الثانوية العامة إلى مدارسهم، بينما مجيئه إلى القرية دفعه لإقلال الوقوف على الطريق ''العربيات قليلة هنا جدًا فلازم أركب الناس''.
لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة.. للاشتراك...اضغط هنا
فيديو قد يعجبك: