من يد إلى يد: رحلة كتاب.. ''بروفايل''
كتبت- دعاء الفولي:
الأوراق لا تهم، مُصفرّة أم بيضاء، ناعمٌ ملمسها أو أكثر خشونة، قديمة كصفحات التوراة أم حديثة، مترابطة أو مُفككة من المنتصف بفعل الزمن، الغلاف الخارجي قد يحمل أسماءً عديدة، ورسومات شتّى توحي بفحوى المكتوب بالداخل، الأوراق تُصنف قبل القراءة، رواية، شعر، قصة، عن السياسة، وعلوم أخرى، تتناقلها الأيدي، الأعين والعقول، مثواها قد يكون درجًا لمكتب طالب بالثانوية العامة، قاع حقيبة فتاة جامعية، رف فاخر بغرفة أديب ضاق ذرعًا بالعالم؛ فدسّ روحه بين الكُتُب يتشرّبها.
تبدأ الرحلة من خيال مُفكر، خلق ذهنه عالم خاص، يُفرغه بكتاب، يقدم معلومات حقيقية، أو يصطحب القراء لأرض الفردوس، يروي قصصًا لن تحدث، فيصدمهم بخبايا نفسه الأمّارة بالإبداع، وقبل أن يقع الكتاب بين أيديهم، هناك دار نشر تتبنّى الفكرة، مطبعة تُنفذ، ومَكتبة تضع الناتج على الأرفف عندها، يأتي أحدهم وينظر للكتاب، ثم يشتريه عائدًا به للمنزل، حاملًا إياه كطفل وليد يتنفس لأول مرة.
بعد فِترة زمنية، يقرر المشتري لسبب ما بيع الكتاب، تمتد إليه يده على الرف المعجون بالتراب ليأخذه، يكاد الكتاب يتميز من الفزع، كأنه يُباع في سوق الرقيق، لو كان للصفحات أحبال صوتية؛ لصرخت الكلمات تُعنّف الفاعل، تصفعه على الوجه، أو تتوسل إليه باكية ألا يفرط فيها، يصل الكتاب لمثوى جديد، غُرفة مظلمة معبأة برائحة أصدقائه، بين مجلة وقصة أطفال وكتب من نوعيات مختلفة، مصباح المخزن الباهت يُضيء، يدلف الرجل الذي اشتراه من صاحبه، ويُحمل حتى يصل لمرقد آخر.
بين ازدحام المتفرجين يجد نفسه، البعض يُمسكه، يُقلب صفحاته بعناية، ثم يضعه كما كان، يسمع صاحب الفرشة صارخًا بالناس أن يقتربوا ليروا ''الكتاب بـ2 جنيه يا أستاذ''، يعي أن ذلك مبلغًا زهيدًا مقارنة بالرقم الذي بيع به في المرة الأولى، يمسك به آخر بلا اهتمام، يطوّحه في الهواء بعد قراءة الفهرس؛ ليسقط ببقعة مختلفة منكفئًا على وجهه، صاحب الفرشة المثقف يبدأ مشادة كلامية مع من ألقاه ''إنت لما بتعامل الكتاب وحش يا أستاذ كأنك بتشتمني أنا''، رغم معرفته أن المواطن العربي لا يقرأ يوميًا إلا 6 دقائق طبقًا لتقرير اليونسكو، في مقابل 36 دقيقة كمتوسط عالمي، يبتهج لعلمه أن هناك من لا يزال مهتما.
لا يرى الكتاب أعلى من مستوى نظره، أقدام تمر مُسرعة، أيدي تشتري إخوته لأسعارهم الزهيدة فقط دون نية لقراءتها، هكذا سمع من رجل يتكلم مع صديقه أمام الفرشة، لا يخلُ الأمر من الفصال في السعر، الخصلة التي تُصيب صاحب الكتب بالجنون ''هتفاصل في إيه، الكتاب دول جوز جنيهات هيرخص إيه عن كدة؟''، يسمع هذه الجملة مرارًا.
ما يزيده حسرة هو نسبة القراءة غير الضخمة بمصر، إحصاءات 2009 التي أنتجها مركز دعم واتخاذ القرار، تؤكد أن القراءة تحتل المرتبة الثالثة بقائمة اهتمام الشباب المصري، وأن 2 مليون ونصف أسرة مصرية فقط يقوم أحد أفرادها بالقراءة بشكل منتظم.
لازال على الرصيف، يتمنى أن يُعامل بشكل أقل امتهانًا، أن يعرفه العامة، ينتظر التنقل من كف لآخر بفائدة، يد تكتب عما بداخله، أخرى تقلب صفحاته في حين يحكي صاحبها لأطفاله المكتوب فيه، ثالثة لمعلم بحصة أساسية محدثًا التلاميذ عن أهميته، يجعلهم يقرأونه بإجلال، كما يفعلون مع الكتب المدرسية، يد إعلامي يسرد فصوله بأحد القنوات، ويتابعه المشاهدون غير منصرفين عن القناة بمجرد رؤيته على الشاشة.
لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة.. للاشتراك...اضغط هنا
فيديو قد يعجبك: