نادين طربية الحشاش .. تأثير هكسلي في شعر خليل حاوي
بيروت (رويترز) - استخلصت الكاتبة اللبنانية نادين طربية الحشاش من خلال ما أسمته عمليات التناص أن ممن أثروا في الشاعر خليل حاوي فكريا وشعريا اثنان أثرهما معروف هما انطون سعادة وتي.اس.اليوت والثالث لم تجر الاشارة الى أثره قبلا وهو الدوس هكسلي.
كانت الكاتبة تتحدث في كتابها الذي حمل عنوانا هو (التناص وقراءة النص الغائب في شعر خليل حاوي ..من 'نهر الرماد' الى 'بيادر الجوع'). الكتاب الذي صدر عن دار (بيسان للنشر والتوزيع) جاء في 224 صفحة متوسطة القطع.
اشتمل الكتاب على خمسة فصول وتمهيد عن حياة الشاعر وباب خاص بالمراجع. العناوين الرئيسية للفصول الخمسة هي (المؤثرات العامة في شعر خليل حاوي) و(التأثير الغربي في شعر خليل حاوي) و(التأثير الاسطوري في شعر خليل حاوي) و(التأثير الديني في شعر خليل حاوي) و(خليل حاوي والتراث العربي.)
في الفصل الثاني قالت الكاتبة إن خليل حاوي اتصل بالغرب الاوروبي خصوصا خلال دراسته في جامعة كيمبردج وتحصيله للدكتوراه في الادب والفلسفة.
ولا بد من الإشارة هنا الى ان اتصال خليل حاوي بالحضارة الغربية جرى قبل سفره الى بريطانيا إذ كان كما يقول بعض من عرفوه استاذا في الجامعة الامريكية في بيروت من أكثر الناس ثقافة غربية وشرقية في مجال الفكر والادب والنقد الادبي.
وتحدثت عن تأثير انطون سعادة زعيم الحزب السوري القومي الاجتماعي الفكري والأدبي والنقدي في خليل حاوي وتأثير الشاعر الامريكي البريطاني تي.اس.اليوت فيه شعريا. والأمران معروفان وليس الكشف عنهما بجديد.
وقالت عن تأثير الكاتب البريطاني الدوس هكسلي "لم يشر أحد في علمنا الى أن حاوي قد تأثر بهكسلي وهذا أمر غريب لان الشاعر نفسه قد أشار في تقديمه لقصيدة 'نهر الرماد' الاولى و'البحار والدرويش' الى هذا القاص والشاعر والمفكر."
وكان حاوي قد قال في مقدمة تلك القصيدة متحدثا عن الانسان المعاصر إنه طوّف في المجهول مع يوليس أحد ابطال هوميروس ومع بطل رواية جوته 'فاوست' ضحى بنفسه ليفتدي المعرفة ثم انتهى الى اليأس من العلم في هذا العصر. تنكر له مع هكسلي "فأبحر الى ضفاف 'الكنج' منبت التصوف.. لم ير غير طين ميت هنا وطين حار هناك.. طين بطين."
الى هنا والنص يشير الى استشهاد حاوي بهكسلي أما تأثره به فقد سعت المؤلفة الى اثباته بعد ذلك.
قالت نادين طربية الحشاش "من الغريب ألا يكون أحد من الباحثين على ما نعلم قد أشار الى التقاطع بين فكر الدوس هكسلي وخليل حاوي على الرغم مما في فكريهما من تلاق بيّن في بعض المسائل."
أضافت تقول إننا "اذا استعرضنا حياة الدوس هكسلي وجدنا أمورا مشتركة بينها وبين فكر حاوي في كثير من شعره وبين ما جاء في قصيدة 'البحار والدرويش'."
وقالت إن هكسلي قام برحلات مع زوجته عام 1919 وان ذلك يبدو من خلال مقدمة قصيدة حاوي مشابها لرحلات يوليس التي ذكرها حاوي. والواقع هنا هو ان الكاتبة نفسها تقيم تشبيها بين رحلة يوليس ورحلات هكسلي وهو أمر لم يتطرق اليه الشاعر في مقدمة القصيدة وانما ذكر الاثنين بالتتابع.
ومضت تقول "كما نجد موقف هكسلي في حياته مشابها للثنائية التي تتناولها قصيدة 'البحار والدرويش' فهكسلي نفر من مادية الغرب وتحول
العلم عن طبيعته وهجر الفكر في ما بعد الى التصوف فهو يراوح في فكره بين العلم والتصوف وهذا بالتحديد ما يمثل ثنائية القصيدة : الرحلة الفاوستية في العلم (الغرب) والرحلة السلفية الغيبية في التصوف (الشرق) ولكن حاوي يختلف في موقفه النهائي عن هكسلي لانه ينبذ كلا من الموقفين."
والواقع ان استدراك الكاتبة وهو صحيح لا يكفي اذ يبدو ان حاوي استحضر موقفي فاوست وهكسلي ليرفضهما معا رفضا قاطعا وليقول إن الانسان في هذا العصر مقضي عليه وانه "مبحر ماتت بعينيه منارات الطريق 'مات ذاك الضوء في عينيه مات' لا البطولات تنجيه ولا ذل الصلاة."
وتتحدث عن شبه بين هكسلي وحاوي في القصيدة المذكورة فتقول إن هكسلي في رواية 'بعد عدة اصياف' يقول "اسبانيا وانجلترا وفرنسا وألمانيا وأمريكا.. كلها كانت تتساقط وتتساقط حتى في الاوقات التي تبدو فيها انها ترتفع. تدمر ما تبنيه عن طريق حركة البناء نفسها.
"وهذا الموقف شبيه جدا بموقف حاوي في 'البحار والدرويش' حيث يقول في المدن الغربية (ذلك الغول الذي يرغي )فيرغي الطين محموما وتنحمّ المواني (واذا بالارض حبلى تتلوى وتعاني )فورة في الطين من آن لآن/ فورة كانت أثينا ثم روما (وهج حمى حشرجت في صدر فان )خلفت مطرحها بعض بثور (ورماد من نفايات الزمان..."
واستطردت تقول "كما نجد هكسلي يقول في مكان آخر 'العلم يمكن ان يكون شرا للعلماء حتى عندما يبدون وكأنهم مخلصون'.. وهي نفسها الفكرة التي نقلها حاوي عن الغرب في البحار والدرويش... لذلك اشار حاوي الى سقوط الحضارات في الغرب..."
وفي الخاتمة قالت "..يمكننا ان نقول إن ثمة تناصا جليا بين شعر حاوي وكل من نص هكسلي واليوت وهذا التناص لم يظهر في شكل مسطح مباشر بل هضم الشاعر ما اختزنه من تأثر وأعاد فرزه بطريقة جديدة."
ورأت ان هذا التناص تكرر بصور مختلفة خاصة في قصيدة 'الارض الخراب' لاليوت.. فانه جاء على مستوي مختلف وتلقح بأفكار جديدة استلهمها حاوي من معاناته وثقافته التي اضافها الى اعماله اللاحقة."
من جورج جحا
(إعداد جورج جحا للنشرة العربية - تحرير محمد هميمي)
فيديو قد يعجبك: