''السفاري''.. مغامرة رملية تجذب السياح لـ شرم الشيخ
الأناضول:
من الصعوبة معرفة ما الذي يجذب السياح من مختلف بقاع الأرض إلى ''رحلة السفاري'' في صحراء جنوب شبه جزيرة سيناء (شرق مصر)، حيث يذهبون بإرادتهم لخوض مغامرة تتطلب منهم قيادة درجات نارية وسط الكثبان الناعمة والتلال المتعرجة لمسافة 7 كيلومترات تحت أشعة شمس شديدة، لكن اصطحاب هؤلاء السياح في تلك الرحلة كان المغامرة بذاتها لفريق ''الأناضول'' للأنباء.
ففي مدينة شرم الشيخ السياحية، تبقى رحلة السفاري مطلباً بين أوساط السياح فور وصولهم إلى المنتجعات والقرى والفنادق، حيث يجدون ملاذهم في استكشاف روعة الاحتماء بشمس الصحراء وسط اختراقهم للرمال صعوداً وهبوطاً، خلال جولة تستمر لمدة 45 دقيقة، يتعرفون فيها على قدرتهم على تجاوز المخاطر، كالمتاهات والمهابط الرملية طوال رحلة السفاري.
الأمر كان يسيراً في بدايته حيث يتم الاتفاق مع أحد المسؤولين عن تلك الرحلة، الذي يصطحب الفوج في إحدى الحافلات، وبعد أقل من عشرة دقائق تجد نفسك أمام مكان فسيح ذو بوابة خشبية يقف على عتبتها أربع أشخاص لتلمح في الداخل عدد من الدراجات النارية تنتظر السائح المغامر ليركبها، فينطلق إلى الصحراء وسط صف واحد مع زملائه دون أن يتخلف عنهم.
لكن لبدء الرحلة طقوس عند الرجال الأربعة، الذين يوزعون أنفسهم بمهارة عالية على الفوج السياحى، فيجد السائح نفسه محوطاً بمن يكشف له أسرار تلك الرمال، فيعلمه كيفية تجاوز المرتفعات والمنخفضات من خلال تخفيض السرعة، وماذا يفعل حتى لا يترك دراجته تغوص في قلب تلك الرمال وتنغرز، ومتى يتوجب عليه زيادة السرعة وأن يبقي في الوقت نفسه مسافة بينه وبين زميله الأمامى، تمكنهما من السير بسلاسة.
ثم يأتي دور بضعة أشياء احتياطية تحمي المغامرين في رحلتهم من حرارة الشمس، والأتربة، وكذلك نثر الرمال في حال السرعة، وهي أشياء تشكل مكسبًا لأصحاب المكان، وأماناً للسياح الذين يتركون الدليل يقوم بلف الشال (الوشاح) حول وجوههم فيما لا تظهر سوى أعينهم، كذلك النظارة التي يفضل البعض ارتداءها بدلاً من الشال، لتمكنهم من الرؤية وسط غبار الصحراء.
وبدا أن مهنة الدليل (المرشد) لرحلة السفاري التي يقوم بها السياح لا تتوقف على مهارات معرفة كيفية التعامل مع الرمال فحسب، لكن بحسب ما قاله محمد الريس ''29 سنة''، ويعمل دليلاً للسياح طوال الرحلة، فإنها تتطلب معرفة لغات غير العربية والإنجليزية، فـ''الريس'' ،الذي يجيد الحديث بالروسية والإيطالية، يقول لمراسلة ''الأناضول'' إنه ''في طريقه لتعلم الفرنسية، وإذا استطاعت أن أتعلم لغات العالم كله فسأفعل، فأنت أحب مهنتي التي أعمل بها بها منذ أكثر من 8 سنوات''.
''الروس والطلاينة (الإيطاليون) أكثر الناس قدوماً للسفاري، فالروس مثلا الأجواء في بلادهم باردة جداً، غير أن الإيطاليين غالبيتهم يأتون بعد انتهاء الامتحانات، وتظل حركتهم وافدة حتى شهر سبتمبر/ أيلول، وبالنسبة لهم السفاري رحلة أساسية لا يخلو منها برنامجهم في شرم الشيخ''، بحسب ''الريس''، ذو البشرة الداكنة.
وينطلق ''الريس'' بين سائح وآخر، لحث السياح على زيارة الأهرامات في محافظة الجيزة (غربي القاهرة)، حيث تعتمد مصر على قطاع السياحة في توفير نحو 20% من العملة الصعبة، مضيفا: ''مثلما جاءوا إلى السفاري نحاول ننشط السياحة في بلادنا، قبل الثورة (25 يناير/ كانون الثاني 2011) كان الوضع أفضل، رحلة زي دي (مثل هذه) كانت ممكن تبقى (تتضمن) 40 موتوسيكلاً (دراجة نارية) لكن بعد الثورة 13 موتوسيكلاً فقط''.
وقبل أن يكمل حديثه عن الأوضاع في بلاده، تقول لينا، وهي سائحة روسية: ''متي يمكنني أن أزور القاهرة محمد؟''، فيبادرها بالسؤال: ''ألستِ خائفة مما تسمعينه في وسائل الإعلام؟''، فتجيب لينا، التي حضرت مع ابنها الوحيد: ''هذه ثاني مرة آتي فيها إلى شرم الشيخ، في البداية كنت خائفة على ابني قبل رحلة السفاري خاصة أنها المرة الأولى بالنسبة له، لكن الآن أشعر أننا تعلمنا معاً أشياء جديدة، أهمها كيفية قيادة الدراجات وسط الصحراء''.
لكن بدا أن قيادة الدراجات ليس الشيء الوحيد الذي يجذب السياح إلى رحلة السفارى، كما تقول لينا، ''لم أكن أتخيل أن أجلس بين الجبال أشرب شايًا مخلوط بتلك الأعشاب (تقصد الحبك وهو عشب يشبه النعناع).. أشعر أنني واحدة من العرب هنا''.
كانت لينا تتحدث عن ذلك المكان، حيث أشار الدليل إلى أنه ''واحة البدو''، فجلسنا على الأرض على طريقة ''الجلسة العربي''، وأمامنا النخيل وكذلك المناضد الخشبية المنخفضة فيما يبقى الشاى بالحبك واجب الضيافة الذي يرفض أهل البدو أخذ ثمنه.
لكن وسط تلك المتعة، لا يخلو الأمر من بعض ملامح الإرهاق على وجوه السياح. يفسر ذلك أحمد عبد المنعم، وهو دليل آخر في رحلة السفاري، بأن ''بعض السياح لم يعتادوا الحر والجهد، فأحياناً الموضوع يتجاوز مجرد التعب العادي، فبعضهم يتعب خلال الطريق ونحن داخل الصحراء، ويقف بدراجته لا يستطيع الاستمرار، فنكون إلى جواره إما نعيده إلى نقطة البداية أو يركب إلى جوار أحدنا حتى نكمل الرحلة''.
ما وصفه عبد المنعم عن مخاطر الرمال والمجازفة التي يتعرض لها رواد رحلة السفاري، لا تساوي شيئاً بجوار تلك الروح التي انبعثت بين صفوف السياح، المتعب منهم والمتعثر أحياناً، حيث شعر الجميع بالرغبة في إكمال الرحلة، خاصة مع غروب الشمس، حيث يقول عبد المنعم إن ''السفاري من أمتع رحلات شرم الشيخ، وحتى إن تعرض أحدهم لمخاطر الصحراء، سيصر على خوض المغامرة من جديد''.
فيديو قد يعجبك: