إعلان

معامل الفضاء.. خطوة نحو استيطان الكوكب البعيدة (تقرير)

11:43 ص الإثنين 28 أكتوبر 2013

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتب- محمد منصور:

قبل أكثر من 40 عاماً، انتهت رحلات برنامج ''أبوللو'' الفضائي باستكشاف القمر، وبدء العلماء في مرحلة جديدة، غزو الكواكب، ورغم نجاحهم المشهود في إرسال البشر إلى القمر إلا أن محاولات الوصول إلى الكواكب الأخرى ستكون مختلفة بشكل جذري؛ فالقمر يبعد عن الأرض بمسافة تُقدر بآلاف الكيلومترات، على عكس الكواكب التي يبعد أقربها عن الأرض بملايين الأميال، والرحلة إلى القمر قد تستغرق أياماً معدودة في الوقت الذى تستغرق فيه الرحلات إلى أقرب كوكب للكرة الأرضية شهور عدة.

كيف يمكن للبشر أن يتحملوا الحياة في ظروف فضائية بالغة التعقيد والصعوبة؟ سؤال حاول العلماء الإجابة عليه عبر تصميم ''معمل الفضاء'' الذى يتيح لرائد الفضاء تجربة الحياة لفترات زمنية طويلة بعيداً عن الكوكب الأزرق.

''سكاي لاب'' أبو المعامل الفضائية
في 14 مايو من عام 1973 أطلقت وكالة الفضاء الأمريكية ''ناسا'' أول معمل فضائي، ليستقر في مداره قبل أن تلحق به المجموعة الأولى من رواد الفضاء بأيام قليلة عبر سفينة فضائية التحمت بالمعمل في رحلة استمرت 28 يوما.

وبعد فاصل زمني لا يزيد عن شهر، وصلت المجموعة الثانية من رواد الفضاء ليستقروا على متن المعمل لمدة 56 يوما، انجزت المجموعة الثانية معظم المهام الموكلة إليها وعادت إلى كوكب الأرض لتسافر المجموعة الثالثة التي قضت 84 يوماً داخل المعمل الفضائي.

بعد عودة المجموعات الثلاث إلى الأرض، بدأ دور علماء الفسيولوجيا، فقد قام مجموعة من الباحثين في ''ناسا'' بدراسة تأثير التواجد خارج محيط الكرة الأرضية على الأجساد البشرية، وقاموا بعمل مجموعة من الدراسات التي استهدفت حساب ترسيب المعادن في الجسم نتيجة طول فترة البقاء خارج مجال الجاذبية، علاوة على دراسة أثار النوم ودلائله في الفضاء والمؤثرات التي حدثت على الجهاز التنفسي واستهلاك الأكسجين.

كذا دراسة كميات ثاني أكسيد الكربون والإشارات الكهربائية الصادرة من المخ ومدى ارتخاء العضلات والقدرة على السيطرة على الأطراف؛ بالإضافة إلى دراسة الآثار النفسية التي تعتري الرواد نتيجة عزلتهم في الفضاء.

محتويات المعمل الفضائي
''سكاي لاب'' يمثل أحد أضخم المُعدات التي تم إطلاقها إلى الفضاء الخارجي دفعة واحدة، فقد بلغ وزنه 88000 كيلوجرام وتعدى حجمه 365 مترا مكعبا، وهو الحجم الذى يعادل مركبة الفضاء ''أبوللو'' خمسين مره كاملة، وبلغ طول هيكله الأسطواني حوالى 36 متراً فيما بلغ قطره 7 أمتار.

وبالإضافة إلى التجهيزات العلمية والتقنية المتقدمة، احتوى المعمل على 10 خزانات المياه و11 ثلاجات لحفظ الأطعمة وعدد من الدواليب لحفظ الملابس و210 بنطالا قصيرا ومكنسة كهربائية لشفط البقايا والفضلات ودراجة ثابته لتنشيط الدورة الدموية ومكتبة للاطلاع وتمضية الوقت و55 قالب صابون و96 كيلوجرام من المناشف و108 قلم للكتابة و104 فيلم تصوير فوتوغرافي و5 وحدات تجميد سريع للطعام.

الحياة داخل المعمل
الطعام: بلغ وزن الأطعمة في ''سكاي لاب'' 913 كيلوجراما، وتوفرت في ثلاث صور رئيسية ''مجمد وجاف ومحفوظ''، وبلغ عدد علب الطعام المحفوظ 87 ألف علبة واحتوت على أطعمة سهلة الهضم، غنية بالألياف حتى لا يتخلف عنها فضلات بشرية كثيرة.

الماء: توفر الماء على ''سكاي لاب'' لثلاثة أغراض رئيسية هي الاستحمام وطهو الطعام والشرب، وبلغ وزن الماء داخل المعمل حوالى 2720 كيلوجرام.

النوم: التصقت أسرة المعمل بالجدران وتوافرت بها معدات تدفئة كهربية، وكان رواد الفضاء ينامون في الوضع واقفا، حيث أن وضع الاستلقاء المألوف ليس بذي أهمية في الفضاء حيث يتعرض الجسم لحالة انعدام الوزن وبالتالي لا وجود للاتجاهات في الفراغ.

النظافة: خصص العلماء في ناسا مجموعة من الملابس الداخلية والخارجية لرواد الفضاء لتغيير ما يرتدونه بانتظام، وبقيت الملابس المستعملة بدون غسيل. وكان باستطاعة الرواد أخذ ''دُش'' في أماكن مجهزة مكونه من أوعيه أسطوانية يندس داخلها رائد الفضاء ويغسل جسده عن طريق أنابيب دقيقة دائرية تحيط به من جميع الجوانب، ويحيط الأسطوانة غطاءُ من البلاستيك كيلا يتناثر رذاذ الماء في باقي أنحاء المعمل، ويتم جمع المياه المتخلفة عن الاستحمام لإجراء دراسات كيميائية عليها تشمل قياسات لإفرازات الجسم والغدد.

تجارب المعمل
شارك 202 عالماً متفرغا في تجارب ''سكاي لاب'' بالإضافة إلى أكثر من 400 عالم نصف متفرغ، وتنوعت جنسيات العلماء لتبلغ 25 جنسية، ونظراً لتركيز الرحلات على دراسة تأثير الفضاء على الجسد البشري، أوليت عناية خاصة للتجارب الطبية التي تم إجرائها جنباً إلى جنب مع تجارب علمية ودراسات للمواد الأرضية:

التجارب الطبية: يعانى رواد الفضاء من حالة انعدام الوزن بسبب عدم وجود جاذبية في الفضاء الخارجي، الأمر الذى ينتج عنه العديد من التغييرات في السلوك البشرى على المستوى البيولوجي والفسيولوجي والسيكولوجي ومن هنا بدأ العلماء في وضع خطط تشمل دراسة كافة العوامل التي تؤثر على الإنسان في الفضاء، والتي لا تتوقف على انعدام الجاذبية فحسب، بل على تعرضه للإشعاعات الكونية الضارة أيضاً، وشملت التجارب عدد من الفحوصات في الفضاء لصحة قلب الرواد ودراسة أثار الجاذبية العكسية على النصف السفلى من الجسم ودراسة تكوين خلايا الدم وتحللها.

ضم المعمل أجهزة كاملة لخلع الأسنان ومعالجتها كما احتوى على صيدلية متكاملة، ولم تكتفي الدراسة بالإنسان فحسب، بل امتدت لتشمل الحيوانات والحشرات، فلقد اصطحب الرواد سمكتين من نوع فيرون و6 جرزان داخل أوعية زجاجية وسرب من الذباب وأخر من العناكب بالإضافة إلى 1000 بيضة من بيض الحشرات والآفات التي تُصيب الزراعات بالمرض.

التجارب العلمية: عوضاً عن إجراء تجارب الرصد الفضائي من على سطح الكوكب الأزرق، استغل العلماء المعمل الفضائي لإجراء العديد من التجارب العلمية، ويعتبر المرصد الفضائي الفلكي ذو الثمان عدسات أحد أكبر الأجهزة التي تم إرسالها للفضاء منذ بدء غزوه، وقد حمل التلسكوب على متن شبكة من القضبان المتصالبة وخُصصت خلايا شمسية على جوانبه لتغذيته بالكهرباء، وتركزت معظم الأبحاث العلمية على الشمس، ووجهت عدسات المرصد إلى النجوم والمجرات لتأخذ لها مئات الصور النادرة.

ومن أهم التجارب العلمية التي قام بها الرواد على سطح المعمل الفضائي هي تجربة لحام ثلاث معادن في الفضاء بواسطة شعاع إليكتروني يتم إطلاقه بواسطة بندقية خاصة.

تجارب الظواهر الأرضية: اعتمدت تلك التجارب على تقنيات الاستشعار عن بعد، ولطالما اعتبرت تلك الدراسات فتحاً جديداً لرفاهية البشر، إذ أصبحت لتلك الأبحاث علاقات مباشرة بالحلول الجذرية للمشاكل اليومية للإنسان، وعبر الاستنتاجات العلمية، تمكن العلماء من تحديد درجات خصوبة التربة ومدى ملائمتها للزراعات وحركة المعادن المنصهرة في باطن الأرض وعلاقتها بالتغير في المجال المغناطيسي لكوكبنا وحساب مخزونات المياه الجوفية والبترول علاوة على تتبع حركة الاعاصير والرياح الشديدة وموجات تسونامي العملاقة.

معامل الفضاء.. إلى أين؟
الحقيقة أن النتائج المبهرة التي حققتها الرحلات الثلاث إلى المعمل الفضائي الأول فاقت كل التوقعات، وبعد ثبوت قدرة الإنسان على العيش في الفضاء، لمدة ناهزت الثلاث أشهر على الأقل، مثلت الرحلات ذخيرة كبيرة للعلماء ووضعتهم على الدرجة الأولى في سُلم الوصول إلى الكواكب البعيدة.

العالم المتقدم يخطو بخطى وئيده- نتيجة ضعف التمويل-لكنها مستمرة التقدم في محاولة فهم تأثير الفضاء على البشر، فيما يرضخ عالمنا الثالث للفقر والأمية والمرض.. فهل نصحو ذات يوم لندرك أن الأخرين وصلوا إلى كوكب ما في مجرة ما في الوقت الذى نكافح فيه للحصول على شربة ماء نظيفة أو إيصال الطاقة إلى منازل مغمورة معزولة!

بعد عدة سنوات من الدوران حول الأرض، سقط المعمل الفضائي الأول ''سكاي لاب'' متحطماً في غرب أستراليا، ليصبح حطامه المتناثر شاهداً على رغبة الإنسان في استيطان كواكب أخرى قد تحمل للبشرية الحل فى استمرار نقص الموارد الأرضية وندرتها.

لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة.. للاشتراك...اضغط هنا

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان