إعلان

تقرير: رغم مدرعات أمريكا.. نزيف الدماء مستمر وأرواح الجنود تصعد لبارئها

05:47 م الأربعاء 03 أغسطس 2016

الجيش المصرى بسيناء

كتب - مصطفى ياقوت:

في النهار الأول من شهر يونيو الماضي، طالع أحمد عادل، المجند السابق بصفوف قوات الشرطة العسكرية بمنطقة الشيخ زويد بشمال سيناء، المواقع الإخبارية، قبل أن يقع ناظره "مصادفة" على اسم شقيقه الأصغر محمود، ضمن أسماء الشهداء الذين لقوا مصرعهم جراء انفجار عبوة ناسفة في مدرعة عسكرية كان يقودها محمود، في موقع خدمته شرق العريش.

استعان الحاج عادل، بهاتفه المحمول، محاولًا التواصل مع زملاء محمود، ورؤساءه؛ ويُمني النفس بكذب الأنباء المتداولة عن استشهاد نجله الأصغر، وهو الذي هاتفه قبلها بـ3 أيام، ليطمئن على أحواله والدته، وشقيقه الأوسط، محمد، الذي يعاني من إعاقة حركية. إلا أن أحدًا لم يجرؤ على الرد بصدق المعلومة أو كذبها، قبل أن يفاجئ بعدها بدقائق بقدوم جثمان محمود ملفوفا بالعلم الوطني، للصلاة عليه داخل أحد مساجد القرية.

دعم أمريكي

0

وسعى الجيش لتدعيم صفوف قواتها المرابطة لمكافحة العناصر الإرهابية -خاصة بشمال سيناء- في سبيل وقف نزيف الدماء الذي حصد مئات الأرواح، ما بين مجند وضابط، والذي شهدته البلاد عقب ثورة 23 يونيو 2013، واستخدمت خلاله التنظيمات الإرهابية، سُبل مختلفة، برزت خلالها استهداف المدرعات العسكرية بعبوات ناسفة، مزروعة علىالطرق المحددة لسير المركبات العسكرية والشرطية.

وتسلمت مصر عبر ميناء الإسكندرية، في 12 مايو الماضي، الشحنة الأولى من المركبات المدرعة المضادة للألغام والكمائن (MRAP) من الولايات المتحدة، تمهيدًا لتسليمها إلى الجيش.

وتمتاز المدرعة بمواصفات مميزة جعلت الكثير من الخبراء يصفونها بأسد الجبال، وفق موقع Military.com، المختص بالشئون العسكرية، وذلك لقوتها وقدرتها على مواجهة التضاريس الخطرة وكذلك قدرتها على اختراق مناطق الصراعات، وقدرتها على تمشيط الطرق لباقي القوات بواسطة ماسح أمامي، وتحمل الانفجارات الناتجة عن ألغام شديدة الانفجار.

"الدماء" لم تتوقف

18 قتيلًا و47 مصابًا من صفوف الجيش والشرطة، هم حصيلة التفجيرات التي استهدفت مدرعات أمنية، منذ اليوم التالي لاستلام مصر تلك الشحنة من المدرعات التي "صممت خصيصًا" لحماية الجنود من تفجيرات العبوات الناسفة، والألغام الأرضية، وغيرها من الأنواع الأخرى من الهجمات، بعد أن ثبتت كفاءتها في الحفاظ على أرواح الجنود في عمليات الجيش الأمريكي بأفغانستان، بحسب بيان السفارة.

شهر مايو نفسه، شهد سقوط أكثر من شهيد ومصاب، إثر استهداف آلياتهم بعبوات ناسفة، ففي الخامس عشر منه، أعلن مصدر أمني، استشهاد مجند، وإصابة 4 آخرين، عقب قيام مجهولين بزرع عبوة ناسفة على جانب الطريق في مدخل منطقه المساعيد غربي العريش، وتم تفجيرها عن بعد، بواسطة شريحة اتصالات، قبل أن يٌعلن استشهاد ضابط جيش، ومجندين بعدها بـ 6 أيام، بالشيخ زويد.

وفي 29 مايو، أعلنت وزارة الداخلية، مقتل ضابط شرطة، وإصابة خمسة آخرين؛ إثر تفجير مدرعة لقوات الشرطة بجوار مدرسة وسط العريش، وشهد آخر أيام شهر مايو، استشهاد 6 مجندين إصابة 6 آخرين، في تفجير مدرعتين على طريق قرية الخروبة بالشيخ زويد، بالطريقة ذاتها.

الرئيس عبد الفتاح السيسي، قال خلال لقاء تليفزيوني خص به فضائية القاهرة والناس، يونيو الماضي، إن الإرهاب في سيناء "محصور في منطقة محدودة"، بما يمثل من 2 إلى 3 بالمئة فقط من مساحة سيناء، تزامنًا مع موافقة مجلس النواب على تمديد حالة الطوارئ بعدد من مناطق محافظة شمال سيناء، لمدة ثلاثة أشهر، اعتبارا من 29 أبريل الماضي، وفقا للقرار الجمهوري الصادر بهذا الشأن.

ولم يكن شهر يونيو، بعيدًا عن حوادث استهداف المدرعات الأمنية بسيناء، ففي 19 يونيو، قالت مصادر أمنية إن 3 مجندين سقطوا مصابين إثر انفجار عبوة ناسفة استهدفت مدرعة حال سيرها قرب مدينة نخل في وسط سيناء، أعقبها بأربعة أيام، وفي 22 من يونيو الماضي، انفجار عبوة ناسفة، في مدرعة لقوات الشرطة جنوب مدينة رفح، أسفرت عن إصابة 3 مجندين. وفي 25 من الشهر نفسه، استشهد مجندين من قوات الأمن، وأصيب 3 آخرين، بذات الأسلوب، على طريق قرية الجورة جنوب مدينة الشيخ زويد.

حادثة مشابهة وقعت في اليوم الـ29، عندما أصيب ٤ أفراد من قوات الشرطة بالعريش، بمدرعتهم، حال سيرها علي طريق ساحل البحر بالمدينة.

آخر الحوادث المماثلة في يونيو، وقعت تزامنًا مع الاحتفال بالذكرى الثانية لثورة 30 يونيو، سقوط ضابط شرطة، وإصابة أربعة آخرين في انفجار عبوة ناسفة، أثناء مرور مدرعة للشرطة بالعريش، وفق بيان صادر عن المركز الإعلامي بوزارة الداخلية، فيما أعلنت مصادر طبية بمدينة رفح، في اليوم ذاته، إصابة مجندين بجروح، عقب انفجار آلية أمنية على طريق الشيخ زويد بعبوة ناسفة زرعها مجهولون.

وأعلنت القوات المسلحة، على لسان متحدثها الرسمي العميد محمد سمير، في مايو من العام الماضي، إنتاج أول مدرعة كاملة تسمى "تمساح" بمواصفات عالمية، بعد أن تفقد الرئيس عبد الفتاح السيسي، مصنع المركبات المدرعة، المنوط بتصنيع "تمساح" حيث يقوم المصنع بإنتاج المركبة المدرعة "تمساح"، والتي تستخدم في عمليات مكافحة الإرهاب، وتسع من 4 إلى 6 أفراد، ومجهزة بتدريع وتسليح طبقًا لأحدث نظم التسليح العالمية.

يوليو الماضي، شهد في عاشر أيامه، مقتل ضابط شرطة، ومجند، وإصابة 3 آخرين، جراء انفجار استهدف مدرعة بوسط سيناء، بحسب وكالة رويترز. وفي 16 يوليو، ذكرت سكاي نيوز، أن ثلاثة جنود أصيبوا في استهداف مدرعة أمنية بعبوة ناسفة جنوبي مدينة العريش، قبل أن يصاب ثلاثة آخرين، في حادث مماثل، بشارع جسر الوادي بالعريش، في 25 من الشهر الجاري، نقلًا عن مصادر طبية.

وفي الجمعة الأخيرة من يوليو، أفاد مصدر أمني، أن مجندين استشهدا، وأصيب 5 آخرين في انفجار عبوة ناسفة استهدفت مدرعة أمنية عند المنطقة الصحراوية "طلعة البدن" في منطقة القسيمة وسط سيناء.

ووفق مصادر أمنية، تعرض 4 مجندين، للإصابة، مساء الأحد الماضي، في استهداف مدرعة شرطية باستخدام عبوة ناسفة، أمام فندق شهير على طريق ساحل البحر في مدينة العريش.

مصر تتحدى بـ"فهد"

المهندس عبد الصادق عبد الرحيم، رئيس مجلس إدارة مصنع "قادر"، التابع للهيئة العربية للتصنيع، أكد خلال الاحتفالية التي أقيمت اليوم، أن المُدرعة "فهد"، والتي تسلمت وزارة الداخلية 25 عربة منها من إجمالي 88 عربة مدرعة، تلعب دورًا هامًا في اقتحام، ومداهمة، ونقل، وتأمين مناطق مكافحة النشاط الإرهابي في شمال سيناء، مؤكدًا أنه تم تطوير إنتاج "فهد"، والذي تنتجه الهيئة منذ عام 1984، ليصبح مُقاوم للعبوات الناسفة، تحت مسمي "فهد 300".

يرى الخبير العسكري، اللواء نبيل ثروت، أن استيراد شحنة مدرعات أمريكية، يعد دربًا من دروب سياسة تنوع مصادر السلاح التي يتبعها الرئيس عبد الفتاح السيسي، في تدعيم صفوف القوات المسلحة والشرطية، مشيرًا إلى أن هذا التنوع يحمل دلالة على أن تطوير الآليات العسكرية لن يقتصر على الدول التي تجمعنا بها علاقات دبلوماسية قوية فقط.

تطوير الآليات العسكرية

يعتقد ثروت، أن سقوط قتلى جراء استهداف عبوات ناسفة للمدرعات الأمنية، بالرغم من استلام مصر للشحنة، وتصنيعها لآليات عسكرية متطورة، عبر الهيئة العربية للتصنيع، يعود إلى عدم موائمة تلك الآليات للعمليات العسكرية المصرية في منطقة شمال سيناء، لافتًا إلى أن إدارة البحوث والتطورات التابعة للقوات المسلحة، تعكف حاليًا على تطوير وتطويع أجزاء ميكانيكية في المدرعات المستوردة من الولايات المتحدة الأمريكية، وفق طبيعة الاستخدامات العسكرية المصرية.

ويشير الخبير العسكري، إلى أن عدم الدفع بتلك المدرعات حتى الآن، ربما يعود وفقًا للخطة الزمنية المحددة سلفًا، بالخطط العسكرية الموضوعة من القوات المسلحة وقادتها.

يُخالفه في الرأي اللواء نصر سالم، رئيس جهاز الاستطلاع الأسبق بالقوات المسلحة، والمستشار بأكاديمية ناصر العسكرية، حيث يرى أن تطوير الآليات المستوردة، جائز من الناحية الفنية، لكنه يُخالف العقد المبرم بين المُصدر والمستورد، لما للجهة المٌصنعة من حقوق ملكية فكرية، وعقود صيانة وإمداد بقطع غيار، مما يعني أن أي تعديل يتم للآلة يُعد مخالفة لبنود التعاقد.

 

مدرعات "مُحصنة"

كبير المسؤولين العسكريين بالسفارة الأميركية في القاهرة، اللواء تشارلز هوبر، أكد، في بيان السفارة، أن المركبات المضادة للألغام لتي تسلمتها مصر، تتيح لها قدرات حيوية ضرورية في الوقت الذي تشهد فيه المنطقة حالة من عدم الاستقرار، موضحًا أن تسليم هذه المركبات يأتي ضمن برنامج منح المواد الدفاعية الزائدة التابع لوزارة الدفاع الأميركية والذي يتم بموجبه نقل المركبات، دون أي تكلفة على الحكومة المصرية.

 

ويوضح سالم، أنه لا يمكن الجزم بوجود مدرعة -على المستوى الدولي- تستطيع الوقاية التامة من أثر انفجار العبوات الناسفة، حيث يستطيع لغم بوزن 5 كجم فقط، أن يتسبب في تدمير دبابة تزن 50 طن، لافتًا إلى أن نسب سقوط ضحايا جراء العبوات الناسفة، تضاءلت كثيرًا في الآونة الأخيرة، بحسب رؤيته.

وهو الأمر الذي وافقه الرأي فيه، الخبير الاستراتيجي والعسكري، جمال مظلوم، مؤكدًا أن أقصى ما يمكن أن تقدمه المواصفات الفنية الحديثة في تصنيع المدرعات، هو القدرة على التقليل من حجم الخسائر، وليست الحيلولة دون حدوثها.

يلفت مظلوم، إلى أن الأجهزة البحثية بالمصانع الحربية، تمكنت من صناعة معدات كان تصنيعها محظورًا في مصر، مستندًا في تحليله إلى تصريحات الفريق عبد العزيز سيف الدين، رئيس مجلس إدارة الهيئة العربية للتصنيع، التي أكد فيها أن الهيئة واجهت مشكلة في تصميم "فهد 300"، من حيث حظر استيراد "الشاسيه" الخاص بها، وهو ما تغلت عليه الهيئة من خلال تصنيعه ذاتيًا.

عواقب التأخير

استيراد المدرعات وتطويرها لم يستفد منه الشهيد محمود عادل طه، الذي لم يتم عامه الـ25، سبق وأن حكى لوالده، في آخر إجازته، عن مستقبله الذي يحلم به عقب إنهاء خدمته الوطنية، بعد 3 شهور، موقنًا منذ أول أيام تجنيده، أن الموت قريب، وأن إرادة الله ستنفذ وقتما يشاء.

يروي الحاج عادل لـ"مصراوي"، عن آماله في أن يكون محمود خير معينًا، ومعيلًا، لأسرته، بعد أن فقد رب البيت وظيفته، وفشل ابنيه في الحصول على مصدر رزق ثابت، تبلغ به الأسرة حاجاتها، في الوقت الذي يستحيل عليه محاسبة المقصرين في تأمين نجله، و"وتكاسلهم" عن الدفع بالمدرعات الـ"مُحصنة"، فـ"من يُحاسب المسئول غير الله!".

"المسؤولون وعدونا بحاجات كتير قدام التليفزيونات، وقفلوا مكاتبهم في وشنا"، يقولها الحاج عادل، باحثًا عن متنفس يشكو إليه قلة حيلته في الحصول على وظائف لنجليه، اللذان وُعد مرارًا من مسئولي المحافظة، بتوفيرها لهما، ودفع تعويضات مادية، وتوفير فرصة حج لزوجته، التي بات الحزن رفيقها منذ استشهاد محمود.

طرق الحاج عادل، أبواب المحافظ عدة مرات، كان آخرها صباح اليوم، يستجديه تنفيذ وعوده التي أطلقها -طوعًا- عبر وسائل الإعلام، إلا أن "المسؤول حلو أوي قدام الكاميرا وبعد كدة خلاص"، ويبقى القدير وحده هو الملاذ الأخير أمامه ليبث له شكواه، قائلًا "فوضت أمري إلى الله".

فيديو قد يعجبك:

لا توجد نتائج