إعلان

بواقي السكر.. سموم يأكلها المصريون (تحقيق)

10:48 ص الخميس 21 مايو 2015

تحقيق- نور عبد القادر ومحمد أبو ليلة:

في ديسمبر الماضي ألقت أجهزة الأمن القبض على صاحب مصنع غير مرخص يقوم بإنتاج الحلويات بمحافظة الجيزة، واكتشفت بداخل المصنع ستة أطنان من حلوى المولد النبوي تم تصنيعها باستخدام خامات غير صالحة للاستهلاك الأدمي وغير مطابقة للمواصفات، الأمر نفسه تكرر في عدد من المحافظات خلال الشهرين الماضيين، في محافظة الغربية أيضا تم رصد أكثر من طن حلوى فاسد يباع للمواطنين، كل هذه الأطنان تم تصنيعها في مصانع غير مرخصة ولا توجد عليها أي رقابة.

منذ ثورة يناير وحتى الآن وصلت نسبة انتاج المصانع الغير مرخصة المسماة بـ"بير السلم" والتي تنتج مواد رديئة وغير مطابقة للمواصفات القياسية إلى 80 % من المنتجات التي يستفيد بها المواطن، كان أشهرها مصانع الحلويات.

وحسب بيان أصدره الدكتور حسين منصور رئيس وحدة سلامة الغذاء بوزارة الصحة فإن 90٪ من كميات المواد الغذائية واللحوم والألبان المتواجدة في الأسواق غير خاضعة للرقابة علي الإطلاق، بسبب انتشار تلك المصانع الغير مرخصة والتي تبيع منتجات منتهية الصلاحية وليس بها مواصفات قياسية.

"للأسف هناك مصانع تستخدم بواقي السكر ورواسبه، في إنتاج الحلويات، وهذه الرواسب تحتوي على مواد كيماوية نتيجة عمليات تبخر وتصنيع السكر، وحينما تدخل في صناعة الحلويات تتفاعل مع مكسبات الطعم والرائحة المضافة للحلويات، لكن هذه المواد تصيب الإنسان بتسمم حاد أثناء تناولها".. يؤكد ذلك الدكتور محمود عمر مؤسس المركز القومي للسموم في لقاء خاص بمصراوي.

حلوى بها سُم

صناعة الحلويات في مصر تتم عبر عدة أنواع من السكر منها "بواقي" السكر ومنها مواد سكرية خالصة، كمادة السكروز والجلوكوز والفركتوز وسكريات صناعية، وحسب حديث الدكتور عبدالرحمن عطيه، خبير الاغذية والصناعات الغذائية، لمصراوي فإن الأفضل في صناعة الحلويات خاصة حلاوة المولد هو الاعتماد على مادة السكروز، مؤكدا أن مادة الجلوكوز والفراكتوز من بواقي ومخلفات السكر ولهذا لا يمكن أن تقوم صناعة الحلويات عليهم لخطورتهم على الصحة العامة.

ويتابع: السكريات الصناعية يتم استيرادها من الخارج، وبدائل السكروز هو الجلوكوز والفراكتوز ولا يمكن أن تعتمد صناعة الحلويات عليهم ومن لا يلتزم بذلك يعتبر مخالف للاشتراطات الصحية، لأن السكروز هو معيار جودة الحلويات.

في منطقة قريبة من ميدان رمسيس بوسط العاصمة، وتحديدا في شارع باب البحر، يوجد عدد كبير من مصانع بير سلم لإنتاج جميع أنواع الحلوى خاصة حلوى المولد، مصراوي قام بجولة في عدة مصانع لإنتاج الحلوى في ذلك الشارع، وخلال جولتنا داخل ثلاث مصانع صغيرة تتنج حلويات، كان المكان شبه عشوائي، الذباب يحوم حول كل شبر من المصنع، بجوار علب الحلوى حشرات متواجدة بكثافة، لا وجود لمنظفات أو مبيدات لتلك الحشرات المقيمة بالمكان.

المصنع يوجد بداخله ما لا يقل عن 8 أفراد يقومون بصناعة وتجهيز الحلوى، ملابسهم كانت متسخة، لا يرتدون قفازات في أيديهم، أثناء تحضير مواد الحلوى وتقليبها، مواد الحلوى يتم تجميعها في أواني متسخة، وهناك صدأ يجتاح أركان الأواني المخصصة لطهى الحلوى، لا توجد إرشادات صحية بالمكان.

مخاطر بواقي السكر

لاحظنا  تواجد خمس "أذانات" أواني كبيرة، من النحاس داخل أحد المصانع كان مثبت عليها ريش حديدية لتقلب المواد الخام المستخدمة في صانعة الحلوى ، عدد من مواد السكر و جوز الهند ومادة النشا وزيوت وسمن، بداخله ثم تدور هذه الريشة في الأذان تحت إشعال النيران ، تستمر  لخمس ساعات حتى تنصهر مواد السكر والعسل وبعدها يتم إضافة الألوان الصناعية.

أحد العاملين بالمصنع ويدعى سعد سمير قال لمصراوي أن تصنيع حلوى المولد تتم من خلال مواد السكر والعسل الصناعي، وشرح لنا طريقة التصنيع قائلا: نجمع تلك المواد ونقوم بتسويتهما علي النار ثم نضيف لها صبغة حسب اللون المراد، بعدها نصب الحلوى في فورمة حسب الشكل، فورمة العروسة والجمل والأشكال المختلفة، والفورمة عبارة عن لوح خشبي مصنع بالأشكال سالفة الذكر، وبخصوص  صناعة الحلويات الأخرى كالهريسة وغيرها يؤكد "سمير" أنه يستخدم مادة الدقيق والسميد وبعض أنواع السكر والمسلي، يتم قليهم ووضعهم في "صينية" داخل الفرن، بعدها يتم تقطيعها وتغليفها.

مؤكدا أن يستخدم مواد  صحية في صناعة  الحلوى، قائلا: "نحن نبيع لمحلات مشهورة، ولم يشتكى أحد منا قبل ذلك"، وحينما سألناه عن مواد السكر المستخدمة في تصنيع  حلوى المولد، أكد أنه يستخدم مادة الجلوكوز والفراكتوز لأن ثمنها  منخفض مقارنة بمادة السكروز، كما أن مكسبات الطعم  والصبغة التي يضعها  على مواد "بواقي "السكر، تعطى الحلوى نفس الطعم الذي كان يكتسه من مادة السكروز، التي وصفها بباهظة الثمن.

"بعض مواد السكر التي يستخدمها صناع الحلوى في مصانع بير السلم تحتوي علي مواد مسرطنة وتؤدي إلي ضعف المناعة كما تؤثر علي نخاع العظام.. يوضح  الدكتور أحمد الخطيب، استشاري التغذية العلاجية والسمنة، مضيفا  أن خطورة هذه المواد تصل إلي تدمير خلايا المخ وضعف التحصيل الدراسي والأنيميا وتؤثر علي الشهية بأن يضرب الأطفال عن تناول الطعام، كما أن هناك مواد في صناعة الحلوى تسبب قلة التركيز عند الأطفال والنزلات المعوية والإسهال والقيء لارتفاع السموم في هذه المواد.

4 حالات تسمم يوميا

ويشدد خبير الصناعات الغذائية عبد الرحمن عطية لمصراوي، على ضرورة أن تكون الحلوى المنتجة من تلك المصانع طازجة متميزة بالليونة "قبل أكل الحلوى لابد من التأكد من عدم وجود رائحة تأكسد أو  تغير في اللون أو الطعم".. حسب قوله.

ويتابع: لابد أن تكون طازجة متميزة بالليونة واللون المشرق الزاهي وشرائها من أماكن البيع الموثوق بها، والابتعاد عن الأماكن الرخيصة، والباعة الجائلين لضمان جودة صناعتها، وكذلك الابتعاد عن شراء الحلوى الجافة المخزونة لفترات طويلة نظرا لتأكسدها، وتناولها تؤدي إلى الإصابة بالحساسية، والاضطرابات المعوية والتسمم .

كان المركز القومي للسموم أعلن في بيان أصدره في شهر أغسطس من العام الماضي أن معدل الإصابة بحالات التسمم ارتفع للضعف، وأضاف البيان الذي حصل مصراوي على نسخة منه أن عدد الحالات المصابة بالتسمم والتي دخلت ا لمركز القومي في القاهرة فقط، وصل لـ 120 حالة شهريا بمعدل 4 حالات يوميا في الأوقات العادية، وتصل إلي 50 حالة يوميا في الأعياد والمناسبات،  مضيفا أن 50٪ من المصابين بأمراض مزمنة جاءت بسبب تلوث الغذاء وسوء تخزين اللحوم التي يتناولها المواطنون.

الدكتور محمود عمر خبير السموم ومؤسس المركز القومي للسموم يؤكد أن بواقي السكر جزء أساسي من المواد التي تصيب المواطنين بالتسمم نتيجة لتناول حلويات تم إنتاجها من مصانع غير مرخصة وتستخدم تلك المواد الرديئة، موضحا أن "بواقي" السكر بعض المصانع تقوم بإلقائها في النيل لأنها ملوثة، لكن مصانع بير السلم وبسبب عدم وجود رقابة حقيقة من الدولة يستخدموها في صناعة الحلويات لأنها توفر لهم أموالا طائلة.

وأضاف أن تلك المواد "بواقي السكر" قد تصيب الإنسان بنزلات معوية حادة وإسهال وربما يصل الأمر للإصابة بتسمم حاد، وتزيد خطورتها مع الأطفال وتصيبهم بالجفاف والنزلات المعوية، لأنها لم تمر بمراحل التعقيم  ولم تمر بالتسلسل الطبيعي لمصانع السكر، وتنشر تلك البواقي بمحلات الحلويات في الأقاليم، وبالأخص خلال موسم مولد النبوي.

كما يؤكد الدكتور عبد العزيز محمود، مدير معهد السكر سابقا في تصريحات مقتضبة لمصراوي أن هناك خطورة  من استخدام بواقي ومخلفات السكر في مصانع الحلويات، مضيفا بواقي الانتاج تستخدم كوقود أو سماد عضوي، إذا تم استخدامه في الحلويات يؤثر على صحة الإنسان بشكل كبير.

لا رقابة على مصانع الحلويات

مصر تستهلك 3 مليون طن من السكر سنويا، وحسبما يؤكد رئيس شعبة السكر والحلويات باتحاد الصناعات حسن الفندي في حديثه لمصراوي فإنه لا يمكن حصر العدد الفعلي لمحلات ومصانع الحلويات، قائلا: 70 % من مصانع الحلويات  في مصر لا تخضع للرقابة ولم يتم تقيديها بالجهات الرسمية سواء شعبة السكر أو وزارة الصحة وإدارات التموين.

لكن "الفندي" دافع عن محلات الحلويات ومصانع بير السلم التي قال أنها غير مرخصة، مؤكدا أن شعبة السكر تحذر استخدام بواقي أو فضلات مصانع السكر، مشيرا أن  انتهاكات مصانع الحلويات قد تتعلق بالخامات الأخرى المضافة للحلوى كمكسبات الطعم والرائحة، منتقدا  الطريقة التي يتم الرقابة بها على مصانع ومحلات الحلويات.

ويتابع: مفتشي الأغذية بوزارة الصحة يقومون بسحب العينات، دون مراعاة طريقة الحفظ  والتخزين  لحين عرضها للتحليل بالمعامل الرسمية، وهو الأمر الذي يبرر ما يقال أن العينات غير صالحة للاستخدام الادمي أو هذه  المصانع تحتوى على مواد  تسبب التسمم، نظرا، لأن حرز العينات لم يتم بالطريقة السليمة والصحيحة لها.

وحول دور الرقابة أفاد دكتور محمد سعيد، مدير الرقابة الغذائية سابقا، أن هناك إدارة للرقابة الغذائية بكل محافظة تتولى المرور على محلات الحلويات للتأكد من سلامة طرق التخزين والمواد المستخدمة من محليات وسكروز نقي، ويتم أخد عينات لتحليلها لضمان خلو الحلويات من الشوائب أو وجود مواد الجلوكوز والفراكتوز بنسب تفوق السكروز النقي، لان بعض المحلات تحصل على تلك المنتجات من مصانع السكر لرخص أسعارها مقارنه بمحلول السكر النقي وهو السكروز .

وتابع: راقب  للتأكد من تطبيق اللوائح والاشتراطات الصحية المقررة سواء في مباني هذه المنشآت أو شروط النظافة العامة والنظافة الشخصية للعاملين بها وحصولهم على الشهادات الصحية التي تثبت خلوهم من الأمراض المعدية، وتطبيق الأساليب الصحية في جميع مراحل إعداد وتحضير وتصنيع المنتجات الغذائية وتسويقها، والتأكد من وجود وسائل حفظ للحلويات ولو خالف أحد تلك المحال الاشتراطات وكانت غير مطابقة ويتم مصادرتها وتوجيه تهمة الغش لصاحب المنشأة وغلقها من قبل مراقب الاغذية .

موضحا أن الرقابة تزيد فقط في المواسم والأعياد وتتولى فرق مركزية من القاهرة التعاون مع المحافظات لتركيز الرقابة بالأقاليم التى تتنشر بها المخالفات الصحية والمحلات غير المرخصة التي تتولى استخدام خامات ومواد غير صالحة للاستخدام الادمي.

183 طن فاسد من بواقي السكر

جهاز حماية المستهلك هو الأخر أكد في بيان له إن الأسواق تغزوها الحلوى غير المطابقة للشروط،  والتي تستخدم بواقي السكر وأنواع رديئة من الخامات، وإن على المستهلك شراء حلوى المولد النبوي من المحلات والأماكن المرخص لها ببيع وتداول الحلوى الموثوق فيها، وأن تتوافر فيها الشروط الصحية عند عرض الحلوى، مع التأكد من وجود تاريخ الإنتاج والصلاحية واسم المنتج والمصنع، مدونة على الحلوى، وناشد الجهاز المستهلكين ضرورة معاونة الجهاز، بالإبلاغ عن أية شكاوى لديهم حتى يتمكن من اتخاذ الإجراءات ضد المخالفين، وضبط الأسواق.

وحصل مصراوي على بيان من جهاز مباحث التموين يحدد عدد الضبطيات التي حصل عليها الجهاز خلال الستة أشهر الماضية من أغسطس عام 2014 وحتى أواخر فبراير من العام الجاري حيث تم ضبط أكثر من 183.820 طن من مخلفات وبواقي السكر، وتم تحرير لهم 101 قضية تحت بند الغش الغذائي.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان