إعلان

شباب الربيع العربي من الثورة للسياسة

01:04 م الثلاثاء 04 يونيو 2013

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

القاهرة – (بي بي سي):

يعتقد الكثيرون أن التخبط الذى تعاني منه ثورات الربيع العربي راجع إلى عدم وجود قادة فعليين لهذه الثورات. فالثابت أن الحراك الشعبي الذى اسفر عن تغيير الأنظمة العربية كان في معظمه تلقائيا وعفويا في بداياته على الأقل. ومن المؤكد أيضاً أن الشباب العربي كان هو بوتقة هذا الحراك وقاطرته.

بعد تغيير الأنظمة في تونس ومصر وليبيا واليمن عاد الكثيرون من الشباب إلى بيوتهم وجامعاتهم ودراساتهم وأعمالهم. لكن بالنسبة للبعض منهم كان التغيير دائماً ومستمرا لم يقبلوا العودة إلى سابق حياتهم ومساراتها المعتادة. تمسكوا بتحقيق الحلم ومبادئ الثورة التى آمنوا بها.

بي بي سي ترصد في هذا التحقيق تجربة اثنين من شباب ثورات الربيع العربي وهما يتلمسان طريقهما كي يكونا قادة المستقبل في بلديهما مصر وتونس.

بدايات واحدة وطرق متعددة

يختلف أحمد صقر عن أميرة اليحياوي فى كثير من جوانب تجربتهما السياسية لكنهما ينطلقان من قاعدتين متقاربتين.

ينحدر أحمد من أسرة تنتمي إلى الطبقة المتوسطة في مصر، تلك الطبقة التى انسحقت بين رحى الإمكانيات المادية المتواضعة والتطلعات والأحلام بغد أفضل. بعد عدد من الانتكاسات الوظيفية والتنقل بين عمل وآخر لم يكن أحدها على مستوي تطلعاته قرر أحمد الرحيل والذهاب إلى دبي بلد الأحلام لمن يرغبون في تحقيقها ولمن يعمل بجدية -حسبما قال لي.

لم ينتظر أحمد طويلا لتحقيق النجاح والثروة الصغيرة التى آمنت له حياة معقولة من بيت أنيق فى واحدة من أرقي مناطق القاهرة وزواج مستقر . ومع ذلك كان هناك شئ غائب. ''الأمان في حضن الوطن والأم '' كما قال لي. كان أحمد يحلم دوما بالعودة ليحقق لمصر ما تستحق.

وجد أحمد ضالته في رسائل على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك تدعو إلى الثورة على نظام مبارك مستلهمين الثورة التونسية. لم يتردد لحظة في أن يحجز لنفسه تذكرة بلا عودة من دبي إلى القاهرة، وتوجه من مطار القاهرة إلى ميدان التحرير.

قصة ''أميرة'' مع الثورة التونسية تختلف قليلا وذلك يعود في جزء منه لأصولها العائلية فهي ابنة القاضي التونسي المعروف مختار اليحياوي الذى كتب إلى الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن على رسالة مفتوحة يطالبه فيها بتطهير القضاء ''الفاسد'' ففتح بذلك على نفسه وعلى عائلته أبواب الجحيم.

نالت أميرة وهى بعد في السابعة عشرة من عمرها نصيبها من قمع نظام بن على ووجدت نفسها في مواجهة الوجه القبيح للشرطة التونسية. أمام مدرسة الصادقية وهى بعد في السابعة عشرة قام أحد أعوان بن على بضربها على أحد ساقيها مسببا لها كسرا. تتذكر أميرة أن هذه الواقعة تركت في نفسها أثرا لا ينمحي. ''كل شي تبدل بعد هذا اليوم، لم اعد ابنة القاضي المرموق بل صرت بنت المعارضة''. المواجهة غير المتكافئة لم تثن أميرة ولم تردعها. على العكس صارت كما تقول أكثر تحديا لكل رمز من رموز السلطة بقية حياتها. صارت اميرة متمردة على المدرسة والشرطة وحتي السلطة الأبوية.

بعد هذه الواقعة صارت عائلة أميرة أكثر خوفا منها وعليها فأرسلتها إلى فرنسا لإتمام دراستها الجامعية. تتذكر أميرة في الم وسخرية كيف قضت أسابيع طويلة في باريس دون مأوى أو نقود بعد أن نفدت أموالها واوقف نظام بن على التحويلات القليلة التي كانت ترسلها إليها أسرتها.

وزاد الأمر تعقيدا عندما فقدت جواز سفرها فأصبحت ضائعة بلا هوية لسنوات.

''رفضت أن أكون لاجئة في فرنسا أفضل أن أكون منفية من تونس على أن أصبح لاجئة إلى فرنسا''، تقول لي.

تلوح لي بجواز سفرها التونسي وتقول ''لم ولن أحمل جواز سفر أخر. والفضل لبوعزيزي أعاد إلى هويتي وأعادني لبلدي''.

العودة لمواجهة التحديات

يتذكر كل من أحمد وأميرة جيدا الفرحة الغامرة التي عايشاها لحظة سقوط بن على ومبارك. عاشت أجيال في كلا البلدين تحلم بهذه اللحظة ولم يتخيل المتظاهرون في الشارع أن السقوط سيكون سريعا.

''كانت أسعد لحظة في حياتي'' يقول أحمد . ''لكن الهدم اسهل بكثير من البناء'' تضيف أميرة.

يستعيد أحمد ذكريات خوض أول انتخابات في حياته عن حزب العدل الذي شارك في تأسيسه بعد انهيار النظام السابق. ''كان من المهم والضروري أن نخوض الانتخابات لا تمام الحلم الذي حلمناه. دخلنا الانتخابات بنقود قليلة جدا وبإرادة كبيرة للغاية''.

لكن أحمد لم ينجح في الفوز بمقعد في البرلمان لكنه لم يفشل تماما - حسبما يقول - حيث تمكن من الحصول على أصوات وضعته في المرتبة الثانية في واحدة من أصعب الدوائر الانتخابية، دائرة قصر النيل. ''كانت تجربة جيدة وتعلمت منها الكثير'' كان علينا أن نغزل ''برجل حمار'' كما يقول المثل''.

لم تفلح التجربة في إثناء أحمد عن الاشتغال بالسياسة وسنحت له الفرصة مجددا عندما عٌرض عليه منصب كمستشار في وزارة التعاون الدولي لكنه تردد كثيرا في قبول المنصب. العمل في وزارة كمال الجنزوري وتحت إدارة الوزيرة فايزة أبو النجا- أحد رموز نظام مبارك- النظام الذي ثار عليه وتلقي بسبب تظاهره ضده رصاصات مازالت حية في جسده حتي اليوم.

''لم يكن اختيارا سهلا ابدا'' يقول أحد، ''ولذلك رفضت العرض الاول والعرض الثاني لكنني قبلت العرض في المرة الثالثة. اقتنعت أن شيئا لن يتغير داخل النظام وقررت أن ''أدخل النظام '' كي اصلح من الداخل. كي اسبر غور الدولة العميقة''.

لم تدم وزارة الجنزوري طويلا وبقى أحمد ليعمل في أول وزارة في ظل حكم الرئيس محمد مرسي لكن الأمور في أروقة الوزرات المصرية بقيت على حالها تقريبا- كما يقول أحمد الذي كان حريصا على الا يوجه انتقادات لحكم الإخوان ولا الرئيس مرسي فهو يعتبر نفسه ''لا منتميا حزبيا '' كما قال لي، ومن غير الانصاف أن ينتقد طرفا سياسيا دون الطرف الأخر في الوقت الراهن. لكنه لا ينكر أنه واجه الكثير من الاحباطات والتعقيدات البيروقراطية. لذلك لم يتردد في قبول العمل في جهاز تنمية سيناء في محاولة منه لكسر الجمود والعمل مع الناس على الأرض.

الطريق وعر صعب ويكتنفه كثير من الصعوبات. يقف أحمد أمام شاطئ مدينة العريش ويسألني ''هل صادفك في العالم أجمل من ذلك؟ الشمس والبحر والسماء''. يحلم أحمد ببيت صغير على البحر لكن الأحلام لا تصنعها الأحلام والحقيقة قد تكون مريرة. سيناء تعيش منذ الثورة حالة من الانفلات الأمني وغياب الأمن ترك اثرا على حياة الناس فيها بشكل مباشر.

يحاول أحمد أن يكسب ثقة المجتمع المحلي بالعيش بين أبناء سيناء واللقاءات المتكررة معهم ومحاولة الوقوف على المشكلات التي تؤثر على حياتهم لكنه يجد نفسه بين شقي الرحي. فمن ناحية يواجه التشكك من جانب أبناء سيناء الذين يشعرون بالغبن من تعامل السلطات معهم بالتشكيك والريبة ومن جانب أخر يواجه البيروقراطية في مكان عمله والاصرار على ''التعامل الأمني'' في جميع القضايا في البلاد. هل تشعر بالإحباط؟ اسأل أحمد، يرد بثبات مغالبا عبرة خنقته '' أبدا. اليأس خيانة في رأيي، لا يمكن أن أتراجع ! كيف يمكن أن اتراجع عن مبادئ الثورة التي جاءت بدم رفاقي في الميدان؟''.

اتخذت أميرة خطا موازيا ولكنه مختلفا ويوائم الى حد بعيد مع شخصيتها وطبيعتها التي ترفض إلي حد بعيد القوالب والنمطية. ''بعد الثورة وتشكيل المجلس التأسيسي انتظرنا أن يتم تشكيل أي منظمة من منظمات المجتمع المدني لمراقبة عمل المجلس المنوط بكتابة الدستور التونسي فلم يحدث'' هكذا بدأت أميرة الحديث عن منظمة ''بوصلة'' التي قامت بتأسيسها. وضعت أميرة لنفسها عددا من الشروط كانت تشعر أنها ستضمن لها البقاء والنجاح. الاول هو أن تتألف المنظمة من عناصر شابة وجميع من يعمل معها في الثلاثينات من العمر. اسألها '' ولكن ألا يعتبر ذلك تميزا ضد الشرائح العمرية الأخرى؟''. ترد ضاحكة ''أخدوا فرصتهم ويبقي أن نأخذ نحن فرصتنا'' والشرط الثاني هو ألا ننتمي أو نأخذ موقفا مغايرا أو معاديا لتيار سياسي بعينه ولا ننحاز لتيار دون غيره.

ولكن ما الجديد الذي يمكن أن تقدمه مثل هذه المنظمة وهي منظمة للمجتمع المدني والمؤكد أن هناك غيرها على الساحة السياسية التونسية؟

تعول أميرة على نمط مغاير من الشراكة المجتمعية تؤسس لقيمة المواطن في المجتمع بل وتعمل علي تثقيفه وجعله علي دراية بحقوقه. ومن أجل هذا الغرض تعمل على تنظيم حلقات نقاشية بين نواب المجلس التأسيسي وعامة الناس.

لا تسير الأمور مع ذلك بيسر وسلاسة وتؤدي المواجهات مع الناس أحيانا إلي مشاعر عدائية كما شهدنا بأنفسنا في مدينة سليانة. فالمواطن التونسي يشعر بكثير من الغبن والاحباط وعدم الرضا، فالثورة من وجه نظره لم تحقق بعد ما قامت من أجل تحقيقه ''خبز وحرية وعدالة اجتماعية''.

ومع ذلك لا تشعر أميرة بالتوجس عند اندلاع مواجهات ساخنة بين السياسيين الذين تقوموا بترتيب زيارتهم الميدانية وبمرافقتهم هي وزملاؤها بل وتسجيل اللقاءات وتوثيقها. على المستوي الشخصي تتعلم الكثير من المهارات والتجارب بالاحتكاك مع الناس على الارض تكون لها عونا علي دخول مميز في عالم السياسة وعلى المستوى المهني تحقق ولو جزء بسيطا من الهدف الذي تسعي إليه، وهو تمكين المواطن من اليات محاسبة المسؤولين.

وتبقي التغيرات السياسية في تونس تعصف أحيانا بكل الخطط والآمال. في شارع الحبيب بورقيبة، هذا الشارع الذي شهد انطلاق الثورة التونسية وثورات الربيع العربي بكت أميرة، وكانت تلك المرة الوحيدة التي اظهرت فيها ضعفا انسانيا خلال رحلتنا معها. ''شي يوجع. البلد انقسمت إلى قسمين ليبراليين واسلاميين وانا مش عارفة حالي منين لا هذول ولا هذول''.

رحلة إلى المستقبل

بقيت الأسئلة معلقة مع ذلك .. ماهي الديمقراطية التي يحلم بها شباب الثورات العربية ؟ كيف سيرسمون المستقبل عندما يصبحون قادة وكيف سيقرؤون الساحة الدولية ويتعاملون معها ؟

تدرك أميرة وأحمد القوة والنفوذ الذي تتمتع به الولايات المتحدة في عالم اليوم الذي اصبح عالم القطب الواحد، لكن ذلك ليس السبب الوحيد في ترددهما عن مجرد فكرة تبني النمط الأمريكي بل والغربي في بلديهما.

اصطحبناهما في رحلة إلي واشنطن، قلب صنع القرار في العالم. وفي وقت الاحتفال بالعرس الديمقراطي الأكبر لديهم ''تنصيب الرئيس''. لم يكن المقصود أن نقوم بتغطية الحدث بقدر ما كان الهدف هو محاولة رصد ردود فعل أحمد وأميرة على صيغة من صيغ الديمقراطية في عالمنا اليوم، الديمقراطية الأمريكية. ولذلك قمنا أيضا بترتيب مقابلات مع بعض من الساسة السابقين مع الدكتور بي جي كراولي نائب وزير الخارجية السابق لشؤون الشرق الأوسط والحاليين ومنهم السيناتور كيث إليسون أول نائب مسلم في الكونجرس الأمريكي.

في نهاية الرحلة كان هناك الكثير من ردود الفعل ولكن أحمد وأميرة - على اختلاف شخصياتهما- لدرجة التناقض أحيانا. اتفقا حتى دون أن يدركا على شيء واحد '' نحن صنعنا ثورتنا ونريد أن نصنع ديمقراطيتنا بأنفسنا وبأيدينا''.

فيديو قد يعجبك:

لا توجد نتائج

إعلان

إعلان