محلل أمريكي يتساءل: هل مصير تايوان مرتبط حقا بأوكرانيا ؟
واشنطن- (د ب أ):
لا شك أن الزخم الأوكراني على أرض المعركة أدى إلى شعور متزايد بالتفاؤل في الغرب، ولكن المعايير الاقتصادية، والسياسية، والمادية الأوسع نطاقا للحرب ما زالت تنبىء بجمود عملياتي، كما يرى محلل الأمن القومي الأمريكي جوزيف دوناتو. وفي ظل استمرار القتال، واصل المعلقون الغربيون إبراز الصلة بين أوكرانيا ومصير تايوان.
ويقول دوناتو ، وهو أيضا ضابط احتياط في المخابرات العسكرية الأمريكية، في تحليل نشرته مجلة ناشونال انتريست الأمريكية إن مقالا نشر مؤخرا في صحيفة "ذا هيل" ذكر أن الرئيس الصيني شي جين بينج: "متأكد تماما تقريبا من أن اختبار الإرادة بين روسيا والغرب بشأن أوكرنيا مقياس غير مباشر للمواجهة النفسية بين الصين والولايات المتحدة بشأن تايوان".
ويشير هذا المنطق إلى أن أي افتقار للعزيمة الأمريكية في أوكرانيا سيشجع الصين على مهاجمة تايوان. ومن ثم فإن المؤيدين الدؤوبين لهذا الموقف يدفعون صناع السياسة في واشنطن إلى تعميق التزامهم تجاه كييف، ويضغطون من أجل تحقيق انتصار تام. وتوضح الدلائل والتصريحات من جانب كبار المسؤولين في البيت الأبيض ووزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) أن الولايات المتحدة تسعى حقا إلى تحقيق أقصى أهداف الحرب في أوكرنيا.
ويقول دوناتو إن هذا الالتزام، الذي لا نهاية له، أمر محمود أخلاقيا، لكنه يتعارض مع المصالح الاستراتيجية الكبرى للولايات المتحدة. وتعتبر أوكرانيا مهمة، لكن تظل تايوان بؤرة الاشتعال الحاسمة لتنافس القوى الكبرى في هذا القرن، والصلة بين الدولتين هي عكس ما يواصل الكثيرون تأكيده.
وبدلا من تدعيم الردع ضد أي غزو صيني لتايوان، يؤدي تعميق الالتزام الأمريكي تجاه أوكرانيا إلى إضعاف موقفها الرادع في شرق أسيا، مما يزيد من التهديد لتايوان المعرضة للخطر. لقد أكد الرئيس جو بايدن اعتزامه القتال لصالح تايون، ولكن مصداقية ذلك الالتزام تعتمد على حشد الولايات المتحدة لقوات قادرة على فرض خسائر لا يستهان بها بالنسبة للصين. ومن ثم فإن الدفاع عن تايوان يعتمد على تمحور واشنطن في منطقة المحيط الهادىء وليس مضاعفة جهودها في منطقة دونباس الأوكرانية.
وبحسب دوناتو، اتسمت واشنطن بالحكمة لدعمها أوكرانيا في أعقاب الغزو، وكان قرار التضامن مع ديمقراطية ناشئة تتعرض للهجوم، أمرا لاغبار عليه. ومع ذلك، فإن الموقف الآن مختلف كثيرا عما كان عليه خلال الأسابيع الأولى من الحرب. وفي ذلك الوقت، بدا إنهيار الدولة الأوكرانية وشيكا، أما الآن فإن شعب أوكرانيا يقف متحدا في مقاومة بطولية. وكان العالم آنذاك يحبس انفاسه مع تحرك الدبابات الروسية نحو كييف. أما الآن فإنه يسخر ويضحك مع هرولة الكرملين لسد الفراغ في صفوفه الضعيفة.
ومع اقتراب الشتاء، يتعين على الولايات المتحدة الاستفادة من الوضع المواتي على الجبهة للتوصل لاتفاق يحرر قواتها ومواردها لإرسالها إلى منطقة المحيطين الهندي والهادىء. وكلما طال أمد بقاء الولايات المتحدة متورطة في شرق أوروبا، قل الوقت الذي سيتوفر لها لتعبئة القوات التي تحتاجها لمواجهة الصين وردعها. وينبغي على الغرب أن يضغط من أجل تحقيق السلام، بينما ميزان القوة يميل لصالح أوكرانيا على أرض المعركة. فالآن هو الوقت المناسب لخفض التصعيد والتفاوض.
وأكد دوناتو أن موارد الولايات المتحدة محدودة، مما يجبر صانعي السياسة الأمريكيين على تحديد الأولويات الاستراتيجية. و لا يعني هذا أنه يجب على الولايات المتحدة تعرية دفاعاتها في أوروبا، أو أنه ينبغي على واشنطن أن توقف دعمها لأوكرانيا تماما. إنما يعني أنه يتعين على الولايات المتحدة وضع حدود بالنسبة لالتزامها الحالي، غير المحدود، لكييف.
وكشفت ستة شهور من القتال الضعف في قدرة الولايات المتحدة على مواصلة حرب ممتدة، ناهيك عن قتال على جبهتين. إن التخندق الاستراتيجي ليس مسألة عزيمة، إنما مسألة موارد. ويؤكد البعض أن بوسع واشنطن الصمود ومحاربة كل العالم في آن واحد، ولكن في ظل تقييد الميزانيات، وأوجه النقص المتزايدة، وضغوط سلاسل الإمداد، يبدو هذا الوضع صعب المنال بصورة متزايدة. ويتعين على واشنطن تركيز قوتها المحدودة على البؤرة الحاسمة.
وأشار دوناتو إلى أنه في ظل معدل النيران الحالي في حرب أوكرانيا، سوف تبذل الولايات المتحدة وحلفاؤها ما بوسعهما لتوفير الذخيرة للأسلحة الأوكرانية خلال الشتاء. من ناحية أخرى، يعتبر الجيش التايواني غير مستعد لصد أي هجوم صيني، وهناك تأخير في تقديم المساعدات التي وعدت بها واشنطن.
وفي غياب حدوث توسع ملحوظ في الإنتاج الأمريكي- والذي سوف يحتاج وقتا طويلا وأموالا هائلة- يتعين تنفيذ الأولويات الاستراتيجية. ومع تراجع الإنتاج الأمريكي، يمضي قدما الاستعداد الصيني الدقيق. وإذا ما تسارع فجأة موعد غزو بكين لتايوان، ستجد ترسانة الديمقراطية الأمريكية المستنفدة والمنخفضة التصنيع نفسها بين شقي الرحى.
وأكد دوناتو أن أي سلام يشمل تنازلات أوكرانية لروسيا، لن يقوض الردع الأمريكي في أوروبا بشكل خطير، ولن يقوض السيادة الأوكرانية بشكل مصيري. بل على العكس، سوف يظهر للعالم أن الولايات المتحدة مازال بوسعها الموازنة بين المبادىء الرسمية والأولويات الاستراتيجية. وعلى النقيض، فإن الضغط من أجل تحقيق انتصار كامل ضد قوة مسلحة نووية تتداعى قواتها التقليدية يظهر سوء تقدير.
وقد تم وقف التقدم الروسي، والناتو أكثر قوة واتحادا من أي وقت مضى. وربما لدى روسيا الرغبة في الهيمنة على المنطقة المجاورة لها، لكنها تفتتقر الوسيلة لتحقيق ذلك. ومن ناحية أخرى، تمتلك الصين الإرادة والوسيلة للهيمنة على شرق أسيا وتحشد قوتها الاقتصادية والعسكرية المتزايدة لتحقيق ذلك الهدف. ويعتبر هذا أخطر تهديد لأمن ورخاء الولايات المتحدة على المدى الطويل.
واختتم دوناتو تحليله بالقول إن القادة الأمريكيين سوف يخدمون بلادهم على أفضل وجه من خلال عدم إغراق مواردهم المحدودة في صراع ذي أهمية استراتيجية ثانوية. فالولايات المتحدة تواجه انقسامات وتحديات داخلية تزداد عمقا، ويتعين عليها الحفاظ على مواردها المحدودة، وإرادتها الوطنية من أجل التنافس الاستراتيجي المستدام مع الصين.
فيديو قد يعجبك: