كاتب: الحرب الباردة أسطورة روّج لها ساسة أمريكا وصدقوها
لوس أنجلوس - (أ ش أ):
رصد الكاتب الأمريكي أندرو جيه باسيفيتش مرور ثلاثين عاما على سقوط حائط برلين ومعه نهاية الحرب الباردة، تلك الحرب التي كانت تحبس في مضمارها على مدى عقود بعد الحرب العالمية الثانية قوتين عظميين متنافستين، وقد تحررت إحداهما ولكن الأخرى لا تزال حبيسة تلك الحرب.
وفي مقال نشرته صحيفة (لوس انجلوس تايمز)، رأى باسيفيتش أنه في تلك الحقبة كان يُشار إلى نظامٍ عالمي شاعت الإشارة إليه ولو بشكل مُضلل باعتباره ثنائي القطب. وأن ذلك النظام قد انتهى بنهاية الحرب الباردة وقام على أنقاضه نظامٌ يشار إليه على نحو أكثر تضليلا بأنه نظام أحادي القطب.
وبحسب الكاتب، فإن بداية هذا النظام الجديد أحادي القطب تركت ساسة واشنطن يترنحون طربا، ويُمنّون أنفسهم بعهد غير مسبوق يجني ثماره العالم كله وليس الولايات المتحدة وحدها.
وكان الطريق وقتذاك يبدو كما لو كان واضحا، ولم يكن يحول دون تحقيق تلك الآمال السعيدة سوى أن تُظهر أمريكا المستوى المطلوب من القيادة. تلك القيادة التي انتصرت أمريكا بفضلها في الحرب الباردة، وعبر استمرارها على نفس الدرب، كان يُفترض لأمريكا أن تجني الآن ثمار النصر لنفسها وللآخرين.
ولكن مَن كان يجرؤ وقتذاك على القول بخطأ هذا الاعتقاد؟ مَن ذا الذي كان يجرؤ على تحدّي أهداف وطموحات الأمة "التي لا غنى عنها" في العالم؟
وكان ذلك المستوى المطلوب من القيادة يتمثل في تأبيد أمريكا لالتزاماتها وأولوياتها وعاداتها، والأهم من ذلك حالتها العسكرية التي أخذت تتطور منذ عام 1945؛ فضلا عن الحفاظ على أساسيات سياسة الأمن القومي الأمريكي والدور الذي تلعبه الولايات المتحدة كشُرطيّ للعالم – كل هذا يجب أن يستمر على حاله دون تغيير.
وها نحن بعد ثلاثة عقود انقضت على هذا العصر الذي بدت فيها أمريكا سائدة ومهيمنة - ها نحن الآن في وضع يمكننا منه أن نقيم وزنا لثمار تلك العقود. والحقّ أن النتائج مخيبة للآمال. وأن المكاسب التي كرّز بها الرئيس جورج بوش الأب كثمار لما أطلق عليه "نظاما عالميا جديدا" لم تتحقق بعد.
بل إن المتأمل لما آل إليه العالم في ظل تلك القيادة الأمريكية المزعومة يميل أكثر إلى الاعتقاد بأن تلك القيادة أتت بنتائج عكسية؛ لا سيما عند النظر إلى بروز الصين كقوة عظمى، وخفوت نجم أوروبا على الصعيد الجيوسياسي، واصطباغ الشرق الأوسط الكبير بالعنف والاضطراب، وتردّي الحال على صعيد التغير المناخي.
ولكن كيف نفسر هذا البون الشاسع بين التوقعات والنتائج؟ مبدئيا يجب الاعتراف بأن ثمة خطأً اكتنف فهم طبيعة الحرب الباردة نفسها، وأن هذا الخطأ في فهم الحرب أفضى بالتبعية إلى خطأ آخر في فهم تبعات نهايتها المفاجئة عام 1989.
واستطرد الكاتب قائلا إن من أكثر الأمور خطورة أن يُصدّق المرء الدعاية التي قام هو نفسه بترويجها؛ وهذا هو بالضبط ما حدث للمؤسسة الأمريكية في الفترة الممتدة بين حقبة الأربعينيات وحتى نهاية الثمانينيات، لقد حلت أسطورة الحرب الباردة التي نسجها سياسيون هيستيريون ومعهم نخبة مثقفون وإعلاميون محلّ الحقيقة.
وقد صورّ هؤلاء الحرب الباردة على أنها حرب يقف فيها الغرب ضد الشرق، والحرية مقابل الاستعباد، والديمقراطية المتحررة مقابل الاستبداد الشيوعي، والذين يخافون الله مقابل الملحدين، باختصار هي حرب بين كل ما كان خيرا من جهة وكل ما كان شرا من الجهة الأخرى.
ورأى صاحب المقال أن ثمة خطوة ضرورية يجب اتخاذها على طريق الربط بين سياسة الأمن القومي والمنطق؛ هذه الخطوة تتمثل في فهم حقيقة الحرب الباردة والنظر إليها في إطار هذا الفهم.
إن الحرب الباردة لم تكن "صراعا طويلا بين قوى النور والظلام" ينتهي بانتصار إحداهما، وإنما هي مأساة واسعة النطاق باهظة الثمن أورثت معاناة لم تكن هنالك حاجة إليها وتركت الإنسانية بشكل عبثي على شفا الانقراض.
هذا المحتوى من
فيديو قد يعجبك: