توماس فريدمان يكتب عن "المجانين الفقراء" في الشرق الأوسط
كتبت - إيمان محمود:
دعا الكاتب الامريكي توماس فريدمان، في مقال نشرته صحيفة "نيويورك تايمز"، الولايات المتحدة إلى العودة إلى موقع الزعامة في الشرق الأوسط، منتقدًا سياسة الرئيس دونالد ترامب مع حلفائه بالسماح لهم باتخاذ القرارات بالنيابة عن أمريكا.
تحدث فريدمان في مقاله عن الفرق بين الأسيويين والشرق أوسطيين، وتحدث أيضا عن الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي، وخططه الإصلاحية في المملكة. كما تحدث عن إيران وهيمنتها على صناعة القرار في أربع دول عربية: العراق ولبنان وسوريا واليمن.
ولفت فريدمان إلى العلاقات التي نسجها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، لتمكين إسرائيل من ضرب أهداف إيرانية في سوريا ومنع الفصائل التابعة لطهران من الاقتراب من حدود دولة الاحتلال الإسرائيلي.
استهل الكاتب الأمريكي الشهير مقاله المنشور الخميس في العدد الورقي لصحيفة نيويورك تايمز قائلا:
"استمتعت كثيرًا بفيلم ‘الآسيويين المجانين الأغنياء’؛ فإلى جانب تضمنه الكثير من الفكاهة، ذكرني بنقطة هامة؛ وهي أن آسيا أصبحت غنية جدًا، ليس لأنها لا تمتلك لديها اختلافات سياسية وقبلية وعرقية ودينية مثل المناطق الأخرى، وإنما لأنها نحّت هذه الاختلافات جانبًا، وبدأت التركيز على بناء الأسس الحقيقية للثروة المُستدامة: التعليم والتجارة والبنية التحتية والثروة البشرية"
"في أكثر الأماكن نجاحًا أرست القوانين، وأصبحت معظم قارة آسيا مزدهرة ليس عن طريق اكتشاف الموارد الطبيعية، ولكن من خلال استغلال مواردها البشرية –رجالاً ونساءً- ومنحهم الأدوات اللازمة لتحقيق إمكاناتهم.
قال فريدمان: "الفيلم جعلني أفكر: لو أن شخصًا أراد صُنع فيلمًا مشابهًا عن الشرق الأوسط، فسوف يكون اسمه: "الشرق أوسطيون المجانين الفقراء" لأنه مع بعض الاستثناءات القليلة، لم تكن هذه المنطقة في فوضى أكثر مما هي عليه الآن، وأصبح بها المزيد من الناس الذين يقاتلون حول من يملك شجرة زيتون، وكثير من المدن تحولت إلى ركام على يد فصائل متنافسة.
"هذه المنطقة، التي كان ينبغي لها أن تكون غنية، جعلت نفسها فقيرة، وتركت الماضي يدفن مستقبلها، بينما أصبحت المنطقة الأخرى غنية وكان من المفترض لها أن تكون فقيرة لأنها تركت مستقبلها يدفن ماضيها.
وفي معرض انتقاده لسياسة دونالد ترامب حيال المنطقة قال:
"الآن يريد ترامب الخروج من الشرق الأوسط، لكن خيارات أمريكا الحقيقية هناك لا تبقى أو تذهب، ولكنها تكون ذكية أو غبية، وكان ترامب غبيًا، فقد ترك الأمور لحليفي أمريكا: إسرائيل والسعودية، بالإضافة إلى صديقه فلاديمير بوتين، والآن يدفع ثمن تخلي الولايات المتحدة عن الزعامة الدبلوماسية الحقيقية، وأن تكتب شيكًا على بياض للحلفاء والأصدقاء، الذين يشاركوننا بعضًا من مصالحنا."
وأشار إلى تمدد إيران وتوسيع نفوذها العسكري والديني "المؤذي" إلى اليمن والعراق ولبنان وسوريا.
وقال أيضا إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو "بنى بذكاء علاقةً مع (الرئيس الروسي) فلاديمير بوتين خلال السنوات الثلاث الأخيرة، بعشرات من الاجتماعات والمكالمات الهاتفية، لضمان قدرة القوات الجوية الإسرائيلية على العمل ضد إيران في سوريا، وإبعاد الروس للإيرانيين عن الحدود الإسرائيلية."
"لكن حتى مع ذلك، وحتى مع أن الإسرائيليين اخترقوا الوحدات الإيرانية إلى درجة أن طائرات الإمداد المليئة بالصواريخ والتابعة الحرس الثوري الإيراني تصل إلى دمشق في السادسة مساءً لتقصفها إسرائيل بحلول الثامنة مساءً، فإنَّ الإيرانيين ما زالوا يحاولون تحويل سوريا إلى قاعدة صواريخ متقدمة ضد إسرائيل."
وأشار إلى أن القوات الجوية الروسية قصفت الثلاثاء محافظة إدلب -آخر أكبر معاقل المعارضة المُسلحة في سوريا-ولمئات آلاف اللاجئين السنة الذين فرّوا من الغاز السام للنظام وهجماته الأخرى.
حينها غرَّد ترامب: "ينبغي للرئيس بشار الأسد ألا يهاجم محافظة إدلب بتهور، سوف يرتكب الروس والإيرانيون خطأً إنسانيًا كبيرًا بالمشاركة في هذه المأساة الإنسانية المحتملة، يمكن أن يقتل مئات آلاف الأشخاص. لا تدعوا ذلك يحدث!."
"خط أحمر"
يرى فريدمان أن ترامب رسم خطًا أحمر بتغريدته، لكن روسيا وإيران تقولان للولايات المتحدة وإسرائيل: "بدون قوات على الأرض، ليس لكما نفوذ، متسائلاً "ما الذي سيفعله ترامب لو تجاهلته إيران والأسد وروسيا؟"
"وما الذي يفعله فريق ترامب في إسرائيل؟ في البداية نقلوا السفارة الأمريكية إلى القدس، ليمنحوا حكومة نتنياهو اليمينية جائزة طالما حلم بها، ولم يطلبوا أي شيء في المقابل"، بحسب الكاتب.
يقول فريدمان إن "ترامب كان بإمكانه إخبار نتنياهو بأنه سوف ينقل السفارة في مقابل وقف بناء المستوطنات خارج كتل الضفة الغربية في المناطق المكتظة بالسكان العرب، التي من المحتمل أن تخضع للسيطرة الفلسطينية في أي اتفاق سلام، الأمر الذي كان من الممكن أن يُحدث تقدمًا بالفعل في عملية السلام. وبدلاً من ذلك أعطت الولايات المتحدة واحدًا من أهم أصولها الدبلوماسية بالمجان."
وأضاف "الآن يعاقب فريق ترامب الفلسطينيين على عدم التفاوض مع نتنياهو، الذي لم يضع أي اتفاق على الطاولة –عن طريق قطع المساعدات عن السلطة الفلسطينية، المساعدات التي ذهبت لمشاريع المياه ومعالجة المياه والصرف الصحي- وقطع المساهمات الأمريكية لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين التابعة للأمم المتحدة".
واستطرد "يعتقد ترامب أن بإمكانه الاستمرار في ضرب الفلسطينيين، وألا يطلب من إسرائيل أن تفعل أي شيء، وأن تمنع الأمور من التدهور. نعم، فالأمور من الممكن أن تسوء".
وتحدث الكاتب في مقاله عن السعودية قائلاً "ليس لدي شك في أن ولي العهد محمد بن سلمان كان الوحيد في عائلته الذي كان سيبدأ في الإصلاحات الاجتماعية والدينية والاقتصادية الحيوية التي تجرأ وبدأها جميعًا دفعة واحدة."
وقال فريدمان إن الإصلاح الاجتماعي والاقتصادي والديني على أجندة السعودية التي عينت للمرة الأولى نساءً في عدة وظائف قيادية في المجالس البلدية.
وأضاف أنه "بالنظر إلى الدور الهائل الذي لعبته السعودية في العالم العربي الإسلامي فيما بعد 1979 في نشر شكلها المتشدد للإسلام –الذي ساعد في نشر أحداث 11 سبتمبر- فإن فكرة أن المملكة لديها اليوم قائد ربما يبدأ في تحويل الإسلام السنّي إلى طريق أكثر انفتاحًا واعتدالاً وهو الذي من شأنه عزل الإسلاميين المتشددين وتقوية المعتدلين في كل مكان، فهو مصلحة أمريكية كبيرة".
وأشار الكاتب الأمريكي إلى تغريدات الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، حاكم دبي، في أغسطس الماضي، والتي أثارت انتباه الكثيرين في السعودية؛ فقال في إحداها إن "العالم العربي يمر بأزمة إدارة لا أزمة موارد، انظروا إلى الصين واليابان.. أين هم الآن، حتى دون موارد طبيعية. هناك بلدان تمتلك النفط والغاز والمياه والموارد البشرية لكنَّها تفتقر إلى التنمية، ولا تستطيع حتى توفير الخدمات الأساسية مثل الطرق والكهرباء لشعبها".
ويرى فريدمان أن استقرار منطقة الخليج العربي بأسرها في المستقبل يعتمد على نجاح عملية الإصلاح في السعودية، لكنه لا يمكن أن ينجح دون استثمارات كبيرة من المتخرجين في الأجانب والسعوديين لخلق قطاع خاص أكثر حيوية وتنوعًا، ويوفر وظائف ملائمة لجميع الشباب السعوديين الجامعات بالداخل والخارج. لا يزال محمد بن سلمان يتمتع بشعبية بين الكثير منهم، لكن لو لم يستطيعوا الحصول على وظائف، فإن المتطرفين الدينيين في السعودية سوف يجدون الكثير من المجندين بينهم، على حد قوله.
وختم بالقول "لا يفهم ترامب وفريقه هذا الأمر: لا يمكن للولايات المتحدة توكيل اتخاذ القرارات في الشرق الأوسط إلى إسرائيل وروسيا والسعودية وإعطائهم تفويضًا كاملاً. زعماء هذه الدول يحتاجون منا أن نرسم الخطوط الحمراء لهم أيضًا كي يستطيعوا أن يقولوا للمتطرفين "انظروا، نحن معكم، لكن الأميركيين لن يسمحوا لنا بفعل ذلك". لقد كان لأمريكا دور المنبه للحقائق والمُوازن والوسيط الأمين منذ السبعينيات.. ولو تخلينا عن هذا الدور فسوف ينتهي بنا الأمر إلى خلق المزيد من الشرق أوسطيين المجانين الفقراء".
فيديو قد يعجبك: