من الدفاع إلى رأس الدولة.. نساء يُغيرن خارطة الحكم في إثيوبيا
كتبت- رنا أسامة:
تشهد إثيوبيا تغييرات غير مسبوقة تحت مِظلة رئيس الوزراء آبي أحمد، أبرزها منح النساء الفرصة لتقلّد مناصب هامة وصلت إلى منصب رئيس الدولة الفخري، في هذا البلد الأفريقي الذي لطالما حصر المرأة في الأدوار التقليدية.
تقول مراسلة هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) من تيجرينيا، هانا زيراتسون، إن الإثيوبيين يتفاخرون بأن الملكة شيبا كانت تحكمهم في العصور التورانية، لكن في حقيقة الأمر فإن الدولة الواقعة في القرن الأفريقي ما هي إلا "مجتمع يُهيمن عليه الذكور وبشدة".
الأمر الذي تؤكّده هيلينا بيرهان، مستشارة الشؤون الجنسانية والقانونية بإثيوبيا، قائلة إن "النظام الأبوي هو أساس مجتمعنا. نتعلم منذ نعومة أظافرنا أن نحتقر النساء".
تنحصر أدوار النساء الإثيوبيات، اللائي يُشكّلن حوالي نصف عدد السكان البالغ 102.5 مليون نسمة، إلى حدٍ كبير في الأدوار التقليدية، لاسيّما في المناطق الريفية، حيث يقضين معظم الوقت في المنزل لرعاية أطفالهن، وجلب الأخشاب والمياه من الأنهار، وإزالة الأعشاب الضارة ونقل الحبوب، وفق البي بي سي.
وبحسب إحصاءات حكومية، فإن ما يقرب من 25 بالمائة من النساء يتركن معظم القرارات في يد أزواجهن، وحوالي 50 بالمائة يتعرّض للعنف من جانب أزواجهن، وأقل من 20 بالمائة يلتحقن بالتعليم الثانوي، وأكثر من 40 بالمائة يتزوجن قبل بلوغهن الـ18.
إزاء هذه الخلفية المجتمعية، قوبِلت قرارات رئيس الوزراء الإثيوبي التي سمحت بترقية النساء إلى مناصب قيادية بترحيب واسع، وارتفعت آمال جماعات حقوق الإنسان في إزاحة الستار عن مبادرات كُبرى، خلال الأشهر المقبلة، من شأنها أن تُحسّن حياة النساء العاديات.
منح أبي أحمد (42 عامًا) نصف الحقائب الوزراية العشرين إلى النساء، وذلك على النقيض من سلفه هايلي ماريام ديسالين الذي شغلت النساء في حكومته 4 حقائب وزارية فقط.
وجه إثيوبيا الجديد
صادق البرلمان الإثيوبي، الذي يُهيمن عليه الرجال، على تعيين السفيرة سهلي ورق زودي، خلفًا للرئيس ملاتو تشومي، لتصبح وجه إثيوبيا الجديد كأول رئيسة في تاريخ البلاد، والسيدة الوحيدة التي تتولى رئاسة بلاد في القارة السمراء حاليًا.
وتُمثّل المسؤولة السابقة في الأمم المتحدة رابع رئيس يحكم إثيوبيا منذ إقرار دستور 1995، الذي ينص على انتخاب الرئيس لولايتين مدة كل منها 3 سنوات فقط.
ويُعد منصب الرئاسة في إثيوبيا "فخريًا"؛ إذ يتبع في الحكم النظام البرلماني، ومن ثمّ يتولى السلطة الفعلية رئيس الوزراء الذي يتولاه منذ مارس الماضي آبي أحمد خلفًا لهايلي ماريام ديسالين، الذي قدّم استقالته في فبراير الماضي.
برغم منصبها الفخري إلى حدِ كبير، فإن سهلي زودي تمثّل إثيوبيا في بعض المحافل الدولية، بما يُعزز صورة المرأة الإثيوبية ويُسلط الضوء على الحاجة إلى زيادة التمثيل النسائي في الحكومات الأفريقية الأخرى، بحسب بي بي سي.
تُعرف سهلي، الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريس في الاتحاد الأفريقي، بـ"الدبلوماسية المُخضرمة" بحكم عملها في عدد من الدوائر الدبلوماسية على المستوىين الأفريقي والدولي.
عملت كسفيرة في فرنسا وجيبوتي والسنغال والكتلة الإقليمية لشرق أفريقيا (مالي والراس الأخضر وغينيا وجامبيا) في الفترة من 1989 إلى 1993، إلى جانب وعملها كممثلة دائمة لإثيوبيا في الأمم المتحدة لدى السلطة الحكومية للتنمية (إيجاد)، بحسب وكالة فرانس برس.
وفي خطاب تنصيبها، قالت سهلي "خلال ولايتي، سأركز على دور النساء من أجل ضمان السلام وعلى مكاسب السلام للنساء"، مُشيرة إلى أن "التغييرات التي أُنجِزت حاليا في إثيوبيا يقوم بها رجال ونساء معًا".
وفي الوقت نفسه، عُيّنت المحامية الشهيرة في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان، ميازا أشيفاني، رئيسة للمحكمة العُليا، وهي المرة الأولى التي تتولى فيها امرأة هذا المنصب المهم في البلاد.
اشتُهِرت ميازا بدفاعها عن فتاة في الرابعة عشر من العمر كانت قد اتُهِمت بقتل رجل اغتصبها ليتمكن بعدها من الزواج منها، ليتحوّل هذا الحادث إلى فيلم عن ظاهرة زواج القاصرات، أنتجته الممثلة الأمريكية أنجلينا جولي في 2014، وحمل اسم "ديفرت".
وعَمِلت ميازا في المحكمة العُليا، وشاركت في صياغة الدستور الإثيوبي، وأسست جمعية النساء المحاميات الإثيوبيات، وفق تقارير محلية.
كما تم تعيين خبيرة الاتصالات، بيلين أستر سيوم، كأمينة صحفية لرئيس الوزراء الإثيوبي. وعينت اللجنة التنفيذية للاتحاد الإثيوبي لألعاب القوى درارتو تولو كرئيسة مؤقتة للاتحاد، خلفًا لهايلي جيبرسيلاسي الذي استقال الاثنين الماضي.
حكومة نسائية
علاوة على ذلك، وُضِعت المهام الأمنية والدفاعية للبلاد في أيدي نساء، للمرة الأولى، بعد تعيين وزيرة البناء السابقة عائشة محمد موسى على رأس وزارة الدفاع، كأول امرأة مسلمة تتولى هذا المنصب في تاريخ إثيوبي، خلفًا للوزير السابق موتوما مكاسا.
فيما تولّت رئيسة البرلمان الإثيوبية المُستقيلة، مفرحات كامل، مهام وزارة السلام التي استُحِدثت في أكتوبر الماضي، وتُشرف على جهاز الاستخبارات والأمن الوطني ووكالة أمن شبكات المعلومات ومفوضية الشرطة الفيدرالية، وستُعنى بمعالجة الكثير من الاضطرابات العرقية التي اجتاحت الريف منذ إصلاحات آبي.
الأمر الذي يساعد آبي -المُنحدر من عرقية أورومو، أكبر مجموعة عرقية في إثيوبيا، لأب مسلم وأم مسيحية- في جهوده ليس فقط على مستوى تحقيق المساواة، ولكن توسيع قاعدته الجماهيرية بين الأقليّات العرقية والمسلمين، الذين أحيانًا ما يشكون من تهميشهم سياسيًا.
وقال رئيس الحكومة الإثيوبية في البرلمان: "ستدحض وزيراتنا المثل القائل بأن المرأة لا يمكنها القيادة"، بحسب وكالة الأنباء الرسمية (إينا).
تصف البي بي سي تعيين هاتين السيدتين بأنه "تاريخي"؛ لاسيّما وأنهما مسلمتان تنحدران من أقليات عرقية لم تنل من قبل فرصة تولّي مناصب حيوية كهذه.
رغم عدم درايتهما بالشؤون العسكرية أو الشرطية، تُعرف المسؤولتان الإثيوبيتان بثقلهما السياسي، في الوقت المُرجّح أن تزداد وزيرة الدفاع عائشة محمد نفوذًا حال ترأست أحد الأحزاب الأربعة التي تُشكّل الائتلاف الحاكم ، الجبهة الديمقراطية الثورية للشعب الإثيوبي، المعروف بـ(الجبهة الشعبية الثورية الديمقراطية).
وفي تصريحات سابقة، اعتبر آبي أن "المرأة ستساعد في محاربة الفساد لأنها أكثر كفاءة، وأقل فسادًا من الرجل". وأضاف أنه يسعى أيضًا إلى تمكين الأقليّات التي لم يتمتع أفرادها بأي مواقع قيادية من قبل، في تحدٍ رئيسي لأمة خسرت مئات الأرواح بسبب العنف العرقي والسياسي منذ 2015.
ويبدو أن دعوته لمحاربة الفساد بدت أكثر وضوحًا الأسبوع الماضي، باعتقال أكثر من 60 مسؤولًا، بينهم نائب رئيس جهاز الاستخبارات الوطنية، على خلفية تحقيقات في قضايا فساد وانتهاكات لحقوق الإنسان، وفق بي بي سي.
بدورها، أعربت أبيبا جيبريسلاسي، التي فشلت في الانتخابات البرلمانية عام 2005 ، عن ثقتها في خطوات رئيس الوزراء لتمكين المرأة، قائلة إنها "لا تشك في أن قرارات السيد آبي أحمد لتوسيع سلطات المرأة ، ستؤتي ثمارها".
وقالت جيبريسلاسي للبي بي سي "النساء دائمًا مُحبات للسلام، وعندما يحدث شئ يُدمر السلام، فإن الأمهات وحدهُن من يدفعن الثمن".
ورغم موافقته على هذا الرأي، شكّك الأكاديمي بجامعة ميكيلي الإثيوبية، ميكون فيشا، فيما كانت الوزيرات ستقفن في وجه آبي إذا اقتضت الحاجة إلى ذلك.
وأعرب عن مخاوفه بالقول: "إذا كان رئيس الوزراء أجرى هذه التعيينات لتجنّب التحديات المتعلقة بالمساواة بين الجنسين، وبثّ ثقافة جديدة تقول (نعم لشغل النساء مناصب حيوية في المجتمع)، فهذا الأمر لن يحل مشاكل البلاد".
لكن السيدة هيلينا، استشارية الشؤون الجنسانية والقانونية، رفضت هذه المخاوف قائلة: "لا أعتقد أن هؤلاء النساء وصلن إلى السلطة سخاءً من أبي أو المجتمع أو النظام الحاكم، لكنه نِتاج عملهن الشاق وسعيهن الدائم. لذا يجب علينا، كنساء، ألا ننظر إلى الأمر باعتباره معروف أو جَميل".
وقالت ريديت كيفالي ، وهي عضو في الحركة الصفراء التي تناضل من أجل حقوق المرأة ، للبي بي سي: "لم نر أبدًا النساء في السلطة من قبل. إنه أمر جديد علينا. مهما كان المنصب، فإنه خطوة كبيرة لتطوير القيادة النسائية ".
وأشارت هيئة الإذاعة البريطانية إلى أن آبي أحمد ألمح للمرة الأولى عن نواياه للدفاع عن حقوق النساء في خطابه الافتتاحي كرئيس للوزراء في أبريل الماضي، عندما أشاد بوالدته الراحلة في البرلمان، في خطوة غير مسبوقة.
وقال آبي "والدتي تُعتبر واحدة من أمهات إثيوبيا الطيبات، البريئات، المجتهدات.. ورغم أنها لم تعُد على قيد الحياة، أحب أن أشكرها".
وأضاف "كما أودّ أن أتوجه بالشكر إلى زوجتي التي ساعدتني وعوّضتني غياب والدتي"، وحينها بدأ أغلبية أعضاء البرلمان الذكور في التصفيق الحار.
فيديو قد يعجبك: