أفغانستان.. نيران أطول حرب أمريكية تواصل الاشتعال
برلين (دويشته فيله)
تُعد الحرب في أفغانستان أطول حرب في التاريخ الأمريكي، والرئيس الأمريكي ترامب سيواصل هذه الحرب. لكنه في خطابه للأمة لم يكشف عن استراتيجية جديدة، فيما يستمر غياب الرؤية السياسية لوضع نهاية لهذه الحرب.
الجديد هو الاعتراف المتأخر بأن انسحابا سريعا لا يشكل حلا. فعندما كان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مواطنا عاديا طالب بقوة بالانسحاب. كلما كان ذلك سريعا، كلما كان أفضل. وبالنسبة إليه كانت المهمة برمتها بلا معنى، وتحدث حينها عن مليارات ضائعة وضرورة بناء أمريكا وليس أفغانستان. أمريكا أولا.
من "اللا معنى" إلى الواقع
لكن كرئيس يجب على ترامب مواجهة الواقع. واليوم هو يحذر كقائد أعلى للقوات المسلحة الأمريكية من أن انسحابا سريعا سيخلف فراغا خطيرا ـ مثل ما حدث في 2011 بعد الانسحاب المتسرع من العراق. والان رسم ترامب في خطابه للأمة سيناريو دموي تدمر فيه القاعدة وتنظيم "داعش" ومجموعات إرهابية أخرى ما حققه جنود أمريكيون في السنوات الـ 16 الماضية في ساحة القتال الأفغانية. إلا أنه لم يذكر الانجازات التي حققها الجنود الأمريكيون.
والجديد في الخطاب هو النبرة التي تبناها ترامب. "نحن لن نبني أوطانا. نحن نقتل إرهابيين". وحتى سلفاه الرئيسان بوش وأوباما عللا دوما الدخول إلى أفغانستان بتصدير الديمقراطية وحماية حقوق الإنسان، رغم أن الرئيسين أعطيا الجانب العسكري أولوية. كما هو الحال الآن بالنسبة إلى ترامب.
الاستمرارية عوض استراتيجية جديدة
الاعتراف الذي يبقى هو أن دونالد ترامب ليس لديه استراتيجية جديدة، رغم أنه حاول كلاميا الابتعاد عن باراك أوباما. وأوضح ترامب أنه من المصلحة الأمريكية مواصلة الالتزام في أفغانستان، موضحا أنه حصل هناك على إرث "بمشاكل كبيرة ومعقدة"، لكنه قادر على "حل المشاكل".
وأضاف "وفي النهاية سنفوز". وتخلى عن شرح المعنى السياسي لذلك. وقال:" قواتنا تقاتل من أجل الفوز. من الآن يتم تحديد النصر: وهو مهاجمة أعدائنا والقضاء على داعش وتدمير القاعدة ومنع طالبان من بسط يدها على أفغانستان". من أجل ذلك سيحتاج إلى نفس طويل جدا. ولكن ماذا سيحصل إذا رجعت نعوش بجنود أمريكيين مقتولين إلى الوطن؟
ترامب لم يذكر عددا للزيادة المرتقبة في قوام القوات، ولم يتحدث عن أفق زمني لنهاية المهمة. وأعلن الرئيس الأمريكي أن قواعد عمل الجنود الأمريكيين سيتم تخفيفها. وهذا يكشف عن استخدام أكثر للطائرات بدون طيار وضربات جوية أكثر ومعارك أكثر وموت أكبر.
كل شيء في كلامه يبدو ذا طابع عسكري ولا وجود لاستراتيجية سياسية. وهذا كله يوحي بشيء قديم. فالولايات المتحدة الأمريكية تعود تحت قيادة ترامب إلى شن المعارك. وهذا لن يروق الشركاء في حلف شمال الأطلسي. فهم كشفوا قبل أسابيع عن تقديم دعم، لكن يجب تفادي إثارة الانطباع بأن حلف شمال الأطلسي يشن حربا في أفغانستان. وهذا التوازن لا يمكن الحفاظ عليه طويلا.
باكستان ـ الحليف الصعب
ما هو قديم أيضا هي تلك التهديدات الكلامية في اتجاه باكستان. وأكد ترامب:" لا يمكن لنا طويلا السكوت عن مناطق الانسحاب الآمنة في باكستان لمنظمات إرهابية. وحتى الذين سبقوه لم يفعلوا ذلك: أوباما هيلاري كلينتون ديك شيني دونالد رامسفيلد، كلهم تحدثوا عن اللعبة المزدوجة الباكستانية في أرض المعركة الأفغانية. لقد اشتكوا وهددوا وأحيانا قلصوا السيولة المالية، لأن باكستان لا يمكن الاستغناء عنها كشريك، فتموين القوات في أفغانستان مرتبط بباكستان. وهذا أمر مخيب للآمال، لكنه الواقع.
وقد طالب ترامب باكستان بالبرهنة عن " عملها من أجل الحضارة والنظام والسلام". لكن ما عساه أن يفعل إذا استمرت باكستان في نهجها المعروف؟ فرض عقوبات؟ استخدام طائرات بدون طيار؟ إلغاء جميع المساعدات العسكرية؟ هذا سيساعد الصين على الولوج أكثر في اللعبة.
في مأزق
ويتضح هنا على أبعد تقدير أن ترامب لم يطرح خطة ناجعة. ليس هناك رؤية سياسية تشمل المنطقة برمتها. وهذا هو الخطأ الرئيسي منذ بداية الغزو الأمريكي قبل 16 عاما. فساحة الحرب الأفغانية مليئة عن آخرها، ولا يتعلق الأمر فقط بباكستان وطالبان أو تنظيم "داعش". فالإرهاب هو دوما تعبير عن فشل سياسي، وجواب على فراغ سياسي. الحرب في أفغانستان لها عدة مستويات وكثير من الفاعلين.
وحتى الهند وإيران وروسيا والصين والعربية السعودية لها مصالح قومية استراتيجية واقتصادية في المنطقة. الجميع يبحث عن حلفاء في أفغانستان. والتحالفات تبقى جد مرنة ولا يرتبط الأمر فقط بالمنفعة الذاتية. وتبقى أفغانستان منذ عقود مسرحا لحروب بالوكالة إيديولوجية وعسكرية.
وتبقى البلاد بعد أربعة عقود تقريبا من الحرب المستمرة منقسمة سياسيا واجتماعيا وعرقيا. ولا توجد حكومة وحدة. والتحالف بين الرئيس أشرف غاني ومدير أعمال الحكومة عبد الله منقسم جدا. ونائب الرئيس دستم غادر البلاد للهروب من تحقيقات بسبب اختطاف والاعتداء على خصم سياسي. ورجال السلطة في الأقاليم يتصرفون كملوك. ويمكنهم ذلك لأن الغرب يدعمهم كقوى استقرار. والسكان يتعرضون للخنق وسوء المعاملة. والانفصال المتزايد بين الحكومة الأفغانية والمواطنين يساعد طالبان وبعض المجموعات المتطرفة الأخرى.
فيديو قد يعجبك: