إعلان

صلاح يكسر "نظرية" الشعب الجاهل

صلاح يكسر "نظرية" الشعب الجاهل

عمرو الشوبكي
08:58 م الخميس 14 يونيو 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

ظاهرة تفوق محمد صلاح ليست فقط كروية إنما يمكن سحبها نموذجًا لتجربة نجاح متكاملة الأركان لشاب مصري من أسرة ريفية بسيطة ليس لديه واسطة ولا خريج مدارس لغات ولا جامعة أجنبية، ونجح نجاحًا باهرًا رياضيًا وأخلاقيًا واجتماعيًا حتى أصبح نجمًا عالميًا، يجمع عليه جمهور بلده الأصلي مصر والجمهور العالمي وخاصة ناديه الإنجليزي (ليفربول).

والحقيقة أن هناك كثيرًا من المتعلمين تعليمًا عاليًا في مصر، ويمتلكون مالًا وجاهًا ومعهم كثير من كبار المسئولين، ينظرون إلى تلك الشريحة الغالبة من المجتمع المصري على أنهم فاشلون وجهلاء وغير مهيئين للديمقراطية والتقدم وأن مشكلة البلاد في شعبها وليس في نظامها السياسي.

من المسئول عما نحن فيه سؤال يطرح في مصر وفي أي بلد نام، وأجابه الحكام أحيانًا بصورة صريحة وغالبًا مبطنة بأن المشكلة في الشعب، وبالتالي لا أحد يسأل عن مسئولية النظم القائمة في غياب العدالة ودولة القانون، والتمييز بين الناس.

صحيح أن أي مجتمع تبلغ الأمية فيه الثلث، وفيه انهيار في التعليم وضعف في الوعي والثقافة، تصبح فرصه في التقدم والتطور أصعب من غيره وكثيرًا ما شاهدنا مجتمعات سقطت تمامًا في براثن الفشل الكامل وعجزت عن التقدم واختارت حكامًا شبه شعبها كرسوا للتخلف والجهل.

وصحيح أيضا أن في مصر من سبق ووصفناه "بالثلث المعطل" الذي ينطبق عليه جانب كبير من هذه الصورة القاتمة، فهو نتاج الأمية والعوز والجهل، ولكن باليقين هؤلاء ليسوا غالبية المجتمع، وأن غالبية من الناس حتى من بين من يعانون من فقر وسوء تعليم وصحة ومواصلات ويمارسون "هي فوضي" (عنوان فيلم سابق لخالد يوسف) في كل مكان في الشارع وفي العمل وفي المرور، يمكنهم في ظل منظومة حديثة عادلة تطبق القانون على الجميع: الغني قبل الفقير والقوي قبل الضعيف، والبلطجي قبل المواطن، أن يقدموا نموذجًا مبهرًا في النجاح والتفوق المهني والتعليمي.

يقينا محمد صلاح هو واحد من الشعب دخل منظومة حديثة ليس فيها واسطة فنجح نجاحًا مبهرًا على كل المستويات الأخلاقية والرياضة، ونال قبولا وشعبية هائلة، ليصبح ظاهرة عالمية في مجاله، مثلما نتحدث عن عشرات الآلاف من المصريين الذين أبدعوا وتفوقوا في الخارج حين أصبحوا جزءًا من نظام حديث ودولة قانون لا تميز بينهم على أساس الخلفية الطبقية أو الاجتماعية أو التوجه السياسي، فلمع في سماء العلم والرياضة والفن آلاف الأسماء المصرية العالمية.

والحقيقة أن دلالة تجربة محمد صلاح في الغرب ليست فقط كروية إنما أيضا ملهمة اجتماعيًا وثقافيًا للكثيرين من أبناء وطنه، فالرجل لم يصبح خواجة رغم مسيرته الاحترافية التي بدأت في عام 2012 في نادي بازل السويسري وعمره لم يتجاوز 20 عامًا، وانتقل بعدها إلي نادي تشيلسي الإنجليزي ثم نادي فورنتينا وروما الإيطاليين، ثم استقر به الحال مؤخرا في نادي ليفربول أحد أكبر الأندية الإنجليزية والأوروبية.

حافظ صلاح على وجهه المصري والعربي الأصيل، وتمسك بتدين وخلق رفيع لم يعرفه كثير من تجار الدين في بلادنا، وقدم صيغة في الوطنية لا يعرفها أيضا كثير من حاملي الشعارات حين حافظ بشكل تلقائي على انتمائه الوطني وقيمه الثقافية والدينية وفي نفس الوقت أصبح جزءًا من العالم المتقدم كلاعب محترف.

لم يكفر صلاح العالم المتقدم، ولم ينظر إليه على أنه يستهدفه ويتآمر عليه لكي يخفي عيوبه، لأن لديه موهبة حقيقية وأصيلة جعلته واثقًا في نفسه، ولم يخجل من عاداته وتقاليده ومارسها بشكل مستنير ومتسامح فقبل في كل المجتمعات الغربية التي عاش فيها.

صلاح نسف نظرية الشعب الفاشل بتفوقه المبهر ورسالته الملهمة بأنه ليس هناك عيوب "جينات" في أي بني أدم في مصر وخارجها تحول دون نجاحه وتفوقه، إنما المسئولية الأساسية تقع على عاتق المنظومة التي يعيش في ظلها.

كشف صلاح سوء حال منظومتنا المهنية والرياضية التي لم تنجح في تقديم لاعب محلي بمستواه العالمي، ويكفي أن نرى -جميعًا- كيف علم صلاح نفسه بنفسه فتعلم اللغة الإيطالية حين كان في نادي روما وأتقن الإنجليزية بعد أن ذهب إلى بريطانيا، وقبله المجتمع الغربي بلحيته وشكله غير الأوروبي لأنه موهبته أصيلة وليس مدعيًا.

شعبية صلاح المصرية لم ينلها لاعبون تفوقوا في رياضات أخرى بسبب أنه جاء من قلب الشعب فكل مواطن بسيط في مصر يلهمه نموذج محمد صلاح ويعطيه أملًا في أن نجاحه وارد وأن تعثره أو فشله ليس أساسًا بسبب إنه ولد في بلد أو في بيئة أو عائلة بسيطة، إنما لأنه لم يدخل في نفس المنظومة الحديثة التي دخل فيها صلاح ونجح.

شعبية صلاح هي رسالة أمل للكثيرين، وأن النجاح والتفوق وارد مهما كانت خلفيتك الطبقية أو الدينية أو العرقية أو ميولك السياسية وأن المطلوب في بلادنا أن نبني منظومة نجاح وعدل وقانون لا تقتل المواهب ولا المبدعين ولا الأكفاء لصالح المتبلدين ومنعدمي الكفاءة وأصحاب الواسطة.

كم موهبة لم تنل حظها في مصر بسبب غياب منظومة النجاح.

إعلان

إعلان

إعلان