لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

الاحترام.. داء أم دواء..؟

محمد أحمد فؤاد

الاحترام.. داء أم دواء..؟

10:39 م السبت 22 أغسطس 2015

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

بقلم - محمد أحمد فؤاد:

 

هي بلا شك حقبة زمنية ثقيلة.. أبرز معالمها انهيار قيم إنسانية عديدة أمام ثالوث الحداثة "الجشع والانتهازية والتهور" أهم وأبغض سمات العصر..! منذ قرابة خمسة عقود أو تزيد، أشار الراحل الأستاذ/ عباس محمود العقاد في أحد كتاباته النادرة لمصطلح "علم الاحترام".. رصد الرجل حينها بوادر تراجع وارهاصات نضوب الاحترام في الحياة اليومية، فما كان منه إلا أن حاول ابتكار علم جديد يبحث في أقدار الناس، وما يتفاضلون به من عروض الحياة ومحاسن الشيم..

الاحترام هنا ليس كالعلوم الأخرى.. فهو علم لا كتاب له يحصر أبوابه وأقسامه، ويضبط قواعده وأحكامه، وهو لا يخضع لأستاذ يمليه على طلابه، لكنه مُفرق بين الناس بكافة طبقاتهم، الرفيع منهم والوضيع، وعلى من يبتغيه أن يتتبع تفاصيله في داخله، لأنه ببساطة إن لم يفعل سيجهل ما يحترم به الناس، وسيجهل الناس ما يحترمونه به..!

ما أحوجنا اليوم لمثل هذا العلم الذي لا يدركه إلا القليل، ولا يعمل به إلا ما ندر من هذا القليل.. هو علم شعوري بحت، من عرفه عرف الإنسان والإنسانية، ومن جهله فقد جهل كل شيء.. والمقصود هنا ليس الاحترام السلوكي المصطنع الذي تفرضه آداب البروتوكول الحركي كالتهيب والانحناء والترجل، فهذه أمور شائعة حفظها كثير من الناس وأتقنوها، حتى أنهم علموها للحيوانات الأليفة والوحوش في حلقة السيرك.. آداب السلوك تقول لك احترم من ينفعك، وتقول آداب الصدق احترم ما ينفع الناس.. والمقصد بين المذهبين أن تحترم من وما لا يسعك احتقاره في سرك وعلانيتك، فأغلب الناس في حياتنا يحترمون من يتَّقون شره أكثر من احترامهم لمن يبتغون بِره، وربما شاب احترامهم لأهل البر بعض الرياء، أما احترامهم للطغاة فهو لشديد الدهشة خالص لا شية فيه..

الناس مثقلة بالهموم، ويواصلون حياتهم يوماً بأخر بين عوز وكلل وقنوط.. لكنهم في الأغلب راضون بما تجود به الأقدار، لا أدري إن كان ذلك عن إيمان وقناعة، أم لأن البديل هو كآبة أبدية تنتهي بالفناء والانقراض؟ الجهل هو علة التخبط والخلط لدى الانسان البسيط، وهناك من يستقون قوتهم من هذا الجهل، وكذلك هناك من ينتحلون صفات آدمية وفي واقع الأمر هم طغاة ذوي مناصب وسطوة، بعضهم يحكم ويتحكم، وبعضهم يدلس ويداهن، وبعض أخر يزَوِر ويبرر.. جميع هؤلاء يتاجرون بسلعة واحدة هي الاستغلال حيث لا يعتدل ميزان..

إنه حقاً أمر محير..! انتهى عصر الأنبياء ولا عصمة لبشر بعدهم، ومعيار قياس الاحترام بات ثابتاً لا يخضع لمتغيرات الطبيعة بقدر ما تجده يتأثر بعوامل صنعها بشر، كالاحتكار والعنصرية والسادية.. فهل هناك في عصرنا هذا مُعلم رشيد يستطيع تفنيد تلك الإشكالية للناس ليستفز الوعي الكامن داخلهم؟ أم أنه سيخشى أن يحتقرونه بما يعلمه بالضرورة..!؟ تماماً كشأن الفقيه المنافق في كتب الدين.. يلقن الناس فقط ما يُدر عليه الرزق، ويحني له الرؤوس، ويعمي عنه العيون، فينجح في الابتعاد بهم عن الفكر القويم ويسوقهم لغياهب الجهل، ويحيد بهم عن اليقين فيغرقهم في أعماق التخبط والضلال..!

الخلاص ربما سيكون في أن يصمت كل من أضله لسانه عن قول الحق، وأن يتنحى كل عالم لينشغل فقط بعلمه وينقطع له، وليراجع كل داعية نفسه وضميره قبل أن يحرك دعواه.. وليتركوا البشر لما تهديهم إليه الفطرة من احترام ربما يكون دوائهم في الاعتماد على النفس واستخدام العقل بدلاً من الإدمان على تعاطي الجهل الذي لا أمل في شفائه دون افشاء الاحترام..!

 

إعلان

إعلان

إعلان